أخبار السودان

إقرارات الذمة.. لعنة تلاحق المسؤولين

الخرطوم: أم سلمة العشا

تلاحق نيابة مكافحة الثراء الحرام والمال المشبوه مسؤولي وشاغلي المناصب الدستورية قانونياً بإخضاعهم لفحص إقرارات الذمة عقب أدائهم القسم في حكومة الفترة الانتقالية، وملء الاستمارة المخصصة لإجراء الفحص والذي يترتب عليه المحاسبة والعقوبة الرادعة في حال التقاعس وعدم الالتزام وفقاً لقانون الثراء الحرام والمال المشبوه لسنة 1989م، فقد أُوصد المسؤولون الباب وغضوا الطرف تماماً رغم الخطابات التي دفعت بها النيابة إليهم بشكل رسمي بشأن إجراء الفحص وفقاً لمراحله الثلاث، في المقابل لم يستجب أحد، ولعل ما يثير التساؤل لماذا يتخوف ويرفض المسؤولون الإجراء ؟

عقب تشكيل حكومة الفترة الانتقالية في عام 2019 بشقيها المدني والعسكري وأداء وزرائها القسم، شرعت نيابة الثراء الحرام والمال المشبوه في تسليم خطابات رسمية للمسؤولين الخاضعين كافة  لقانون الثراء الحرام والمال المشبوه لسنة 1989م وفقاً لنص المادة (9)، تتعلق بملء استمارات خاصة بفحص الذمة المالية، وشملت مجلسي السيادة والوزراء ووكلاء الوزارات وشاغلي المناصب الدستورية والمؤسسات الشرطية، سلوك وأسلوب اتخذته النيابة إلا أن عدم التزام واضح من المسؤولين تجاه تسليم الاستمارات عقب ملئها للنيابة، وقالت وكيل أعلى نيابة الثراء الحرام سلوى خليل أحمد لـ(السوداني) إن مسؤولي حكومة الفترة الانتقالية لم يسلموا إقرارات الذمة الخاصة بهم عقب ثورة ديسمبر 2018م رغم تسلمهم الاستمارات منذ بداية التعيين وتسلمهم مهامهم، وأوضحت خليل أن القانون يلزم كل الجهات المذكورة بملء استمارات إقرارات الذمة على ثلاث مراحل عند استلام الوظيفة وأثنائها، وعقب انتهاء الوظيفة ومغادرة الخدمة إبراً للذمة، وأشارت خليل إلى إجراء في حال تم ملء الاستمارة يتعلق بعقد مقارنة لأول إقرار مع آخر إقرار لما حققه المسؤول أو الموظف من مكاسب أثناء توليه المنصب.

حالة استرخاء

شهدت الإدارة المعنية بفحص إقرارات الذمة حالة من الاسترخاء بدأ في عهد النظام السابق عقب انفصال النيابة العامة من وزارة العدل أُقيلت حكومات وتشكلت أُخرى ومع ذلك لم يخضع أي مسؤول سواء كان نافذاً أو غيره لإجراء الفحص عند بداية تعيينه أو بعد مغادرته الوظيفة، كما لم يتم تطبيق القانون إزاء التقاعس وعدم الالتزام وأصبحت الإدارة بلا أعباء فيما يتعلق بتلك المهمة، وكل ما كان تقوم به من مهام على فترات من يتولى ادارتها يعمل على تفعيلها من خلال تسليط الضوء على كبار المسؤولين في الدولة، بملئهم استمارة الفحص ويتم ذلك وفق قرارات نافذة في مواجهتهم، تتعلق بمحاسبة المخالفين والرافضين للإجراء حال امتنع أحدهم عن ملء الاستمارة، ورغم اتخاذ ذلك لم يخضع المسؤولون لإجراء فحص الذمة، فكثرت الثروات وامتلاك الأراضي والسيارات الفارهة، وشيدت المباني وأمتلأت الخزائن،  بعيداً عن السؤال من أين لك هذا؟ الذي يندرج ضمن القانون ويحارب الفساد ويحافظ على المال العام.

سرية الإقرارات

ظل قانون إقرار الذمة حبيس الأدراج، ولم يتم تفعيله، لفترة طويلة، وما أن اتخذت الإجراءات بشأن تفعيله، قوبل بانتقاد ورفض شديد، ولعل أكثر فترة انتعاش شهدتها إقرارات ذمة المسؤولين كانت في عهد وزير العدل الأسبق في النظام السابق محمد بشارة دوسا الذي اشترط سرية الإقرارات وعدم الإفصاح عن أي معلومات تتعلق بإجراء فحص المسؤولين، وقد وجد وقتها اعتراضاً كبيراً وكانت المطالبات بعلنية الإقرارات مهما كانت وظيفة المسؤول ودرجته السياسية، وبالرغم من تعدد آليات الحفاظ على المال العام وفي سبيل الحفاظ عليه آنذاك إلا أنه تم انتهاج أساليب جديدة، بدلا عن أساليب الخوف والرعب والتوتر  التي وجدت دهشة واستغراباً عند البعض.

شفافية ونزاهة

هناك ثلاثة أنواع لإقرارات الذمة، الأول إقرار ابتدائي، يتم في بداية التعيين عند مدخل الخدمة، والثاني إجراء سنوي يتعلق بإقرار الذمة إنفاذاً لأحكام القانون، بجانب إقرار يتعلق بانتهاء الخدمة، (خلو طرف)، حيث يلزم القانون أي مسؤول يتولى منصباً جديداً بملء استمارات إقرارات الذمة، وتحقيقاً لمبدأ الشفافية، والنزاهة، قال مصدر لـ(السوداني) إن النيابة عملت على ربط فحص إقرار الذمة النهائي للشخص، باستحقاقه المعاشي، وألا يتم ذلك إلا بشهادة موافقة من نيابة الثراء الحرام والمال المشبوه، ومن ثم يتم عمل بقية إجراءات المعاش، إلا أن هذا الإجراء المستحدث، وجد اعتراضاً من قِبل الكثيرين، ولم يذكر في قانون الثراء الحرام والمال المشبوه.
تقاليد وأعراف

برر مسؤول عدلي فضل عدم ذكر اسمه لـ(السوداني) خطوة رفض المسؤولين وامتناعهم عن ملء استمارات إقرارات فحص الذمة لطبيعتهم المعهودة، في عدم معرفة الآخرين لما يعنيهم خاصة لما يتعلق بثرواتهم وممتلكاتهم وأموالهم حسب تقاليد المرتبطة في أذهان المجتمع السوداني، ووصف الخطوة بالحاسمة، للتوتر والرعب والخوف والحالة الذهنية المرتبطة بالخوف تجاه فحص إقرارات الذمة، وتأكيداً لذلك، رأت الإدارة أن ترسل لجنة إلى مكاتب المسؤولين، لشرح وتفصيل الغرض الأساسي من إقرار الذمة، وزاد، أن الخطوة حقّقت نجاحاً كبيراً، ويرى أن الخطوة حماية للمسؤول، أكثر من كونها استدعاء، في حال لم يخضع المسؤول، للفحص حسب مبدأ (من أين لك هذا).

تغيير صيغة

بعيداً عن صيغة التهديد، قالت مصادر مطلعة لـ(السوداني) إن تغييرا طال صيغة الاستمارة الخاصة بملء إقرارات الذمة بخلاف ماكانت عليه في السابق والتي تحتوي على الآتي (ولتعلم أنك في حالة عدم ملء الاستمارة ستعرض نفسك لطائلة القانون)، وتمت الاستعاضة عنها بمخاطبة أخرى، تشتمل على مخاطبة الشخص المعني بإجراء الفحص (الأستاذ….. السلام عليكم… في إطار مبدأ الشفافية والنزاهة، والاستقامة، وعملاً بأحكام قانون الثراء الحرم والمال المشبوه لعالم 1989، ينبغي ملء الاستمارة، إذ إنه يعني في حد ذاته، تأكيداً على التزامك الذي يُقاس بمدى احترام القوانين، وعليه نأمل في ملء الاستمارة، وفي حال الاستفسار عن أي معلومة يجب التواصل معنا على الإيميل والهاتف.

استمارة الإقرار

تتكون استمارة الإقرار من ثماني صفحات تحتوي على بيانات أهمها الإقرار بسبب الالتحاق والإقرار النهائي بسبب انتهاء الخدمة وبيانات عن المُقِر من الاسم رباعياً والعنوان، والمنصب وتاريخ التعيين والدرجة والمرتب والبيانات المتعلقة بالذمة المالية للمقر وزوجته وأولاده القُصّر والأراضي الزراعية (من حيث الموقع والمساحة ومصدر الملكية وتاريخه وسبب الملكية والإيراد السنوي من الأرض)، إلى جانب ملحقاتها من آليات وحيوانات وممتلكات أخرى والعقارات المشيدة، إضافة إلى الأسهم والحصص والسندات المالية في الشركات والمؤسسات المالية والودائع لدى المصارف ومال الدين والمنقولات العينية والنقدية والمنقولات الأخرى ذات القيمة، والديون التي على المُقِر وزوجه.

عقوبة قانونية

بالرغم من أن القانون أوجد مادة عقابية في حال عدم تقديم هذه الإقرارات بالسجن مدة لا تتجاوز (6) أشهر، كما أوجبت في الفصل الخامس من المادة (16) عزل أي شخص يُدان بالثراء الحرام أو ثبتت عليه تهمة الثراء المشبوه، وفصل من منصبه بحسب مقتضى الحال، وأكدت أنه لا بد من التثبت من صحة بيانات إقرار الذمة عن طريق لجنة مؤكدة، وأنها إقرارات آلية قوية جداً تساعد في درء الفساد خاصة في ظل الجرائم المنظمة للمال العام، إلا أن التعامل يتم على طريقة الاستحياء، إذ إن اللجان هي ذات اللجان  لم تفعل الإجراءات تمضي كما كانت سابقاً تجاه فحص ذمة المسؤولين، ولم تفصح الجهات عن إجراءات الفحص لأي من المسؤولين.

السوداني

تعليق واحد

  1. هذه هي علة السودانيين الكبيرة ..وجود القوانين الرادعة لكن للأسف بدون تطبيق أو قد تطبق علي البعض و يتم غض الطرف عن البعض الآخر. .لا داعي من لسن القوانين إذا لم تطبق

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..