مقالات وآراء سياسية

أوقفوا الدشمان جيبوا السلام!!!

نور الدين بريمة

كتبنا من قبل ولن نملّ الكتابة، من أجل السلام وإيقاف الحروب- أي إيقاف (الدُشْمان)- بلغة العسكر؛ كتبنا عندما وقّع وفدَي الحُكومة الإنتقالية وحركات الكفاح المسلح، بالأخرف الأولي علي الإتفاق، في شهر سبتمبر الفائت، والذي تمّ توقيعه رسميًا أمس الأول السبت، (٣/١٠/٢٠٢٠)، وسط حضورٍ شعبيّ كبير من دولتي: الجنوب والشمال، ورعايةٍ إقليميّة ودوليّة كريمة مُشرّفة، من رؤساء، وممثلين للدول والمؤسسات: الإقليمية، والدولية، حيث نشط الوُسطاء والمُهتمُون، بأمر السّلام في السّودان وإستقراره؛ في الشطر الجنوبي لوطننا، دولة جنوب السودان؛ وعكفُوا علي أن يكونوا خير مُعينٍ لشركائهم في الظلم والضَيْم، عندما كانوا جميعًا يتأذُّون منه، وهم في وطنٍ واحد، فشكرًا لهم ولقدْرتهم علي تجْسير الهُوّة بين أبناء الوطن، الذين فرّقهم طمع المُستبدّين وجشع المُستأسِدين، فإخوتنا في الجنوب جسّدوا لنا أروع معاني الفداء والمحبة والأخاء، وحقّقوا ما ظللنا ننادي به منذ أمد الآبدين، أن تعالُوا إلي: حُريّة سَلام وعدَالة، ونمَاء خيار الشعب، حينما كنّا جميعًا في خندق النضال ضد الظلم والقهر والجبرُوت.

فشكرًا جزيلًا للشعب الأبنوسيّ ولحكومته، وجميعهم ما وهَنوا وما اسْتكانُوا، وما زالوا يَعلُون من قيم الصبر والتضحية، ويسْعُون بالتنظيم، والتوفيق، وتمكّنوا من تجْسير الهُوّة، بين إخوتهم في وفدَيْ التفاوُض (الحكومة وحركات الكفاح المسلح)؛ وظلّوا في إجتماعاتٍ مُتناسلة، حتّي رصفُوا طريق الوفاق والإتفاق، باليقين وزرع الثقة، وجعلوه سالكًا وممكنًا بين الأصْدقاء- رُفقاء النضال- وحسنًا فعلت حُكومة الجُنوب خاصّةً لجنة الوسَاطة، وبقيّة العِقد المنْظوم، من أبنائها، وهم يُسطّرون أزكي معانيَ الفِداء، أدبًا وحُبًّا لوطنهم الأم، وما صنعوه بين وفديْ التفاوض، يُعزّز من ذلك، سيَحفظه لهم التاريخ ويُسجّله بماءٍ من ذهب.

وحمدًا لله قبلًا وبعدًا، للذي فطَر السّماواتِ، بغير عَمدٍ نرَاها، وجَعل السّلام واقعًا مُعاشًا، بعد أن سهّل لوفدْينَا الدّخولَ في تفاوضٍ، إستطاعا خلاله تحقيق وإنجاز ما كنّا نصبُوا إليه من إتّفاق؛ وتمّ عُرسنا الذي خَطبَ فيه الشعب، ودّ السّلام والتوقيع علي الإتفاق، و(جابُوا) السّلام (جَابُوا)- أيْ أتُوا- بالسلام، وقالوا: (هايْ جَنبًا) سلاح- أيْ أرضًا- سلاح؛ و(كَفانَا دُشْمانْ) وحرب، وحَيّا إلي صلاة الفرح والحُبور، ولنُشمّر سواعد الجدّ والكفَاح ونعمل علي تضميد الجراح، وإرجاع الفلاح، وإعمار الأرض والبناء؛ فشكرًا لجُوبا و(كلّنااا إكْوان)- كلنا إخْوان- فشكرًا لإحتضانكم لقُوانا الثوريّة، المُسلّحة منها والمدنيّة، المُؤمنة والمُطمئنّة لشرف القضيّة، وتحقيق المدنيّة، تلك القُوي المُتيمّمة بتُرابِ السّلام، والمتّجه لأداء الفرض الواجب، وجعله سنة تُتّبع وتُعاشْ بيْن الورَي؛ ثمّ هآأنتم تمدّون أيديَكم بيضآء من غير سُوءٍ، لجمْع فُرقاء الوطن، وتوحيدهم، للإسْصفاف حول رؤية السّلام، ولم تملّوا أعزّائي كذلك، وأنتم تمدّون أيْديَكم، مرّاتٍ ومرّاتٍ لرفقاء النضال، بقيادتي الرّفيقيْن: (الحلو ونور)، أن هلمّوا إلي السّلام والوِئام، وقوموا إلي صلاة الفضيلة.

وبالطبْع فإنّ الدّعوة إلي تحقيق السّلام، واللحاق بقطاره، لن تتوقف أبدًا، وبدُونها لن يتحقق الإستقرار، ولن يعيش الناس في إزدهار ورخاء، ولن يتلمس كذلك الرّفاهُ خُطاه نحْو العيش بين الأنام؛ كما أنّ أمْن بلادنا وبلاد الجوار، رهينة بالسّلام، وبدونه ربّما ستكون في خطر، وستتعرض إلي مزيدٍ من الإستقطاب والإحتراب والإنشطار، بعد عجزٍ لازمنا، سنينَ عددًا، لم نتمكّن فيه من ترميمه ومداواة جراحه ونسيجه؛ بل ظللنا نزيد من فتْقه، ونتردّد في إتّخاذ القرارات، والإجْراءات، وفشلنا في جعل السّلام والإسْتقرار، جاذبًا ومُمْكنًا، مثلمَا فشلنا أيضًا في وحدة السُّودان أرْضًا وشَعبًا؛ وغابت عنّا- حُكّامًا ومحْكومينْ- الشجاعة قولًا ومعنًا وفعلًا، في تحقيق الأهداف المنشودة.

فعلينا إذًا وبعْد هذا التوقيع، أن نتحمّل مسؤولياتنا كاملة غير منقوصة، في رفع الحسّ الوطني، ونثره في القري والفرقان، والحضر والبوادي، وإعلاء قيم التسَامح والسّلام والمحبّة، وإنفاذ ما إتفقنا عليْه، وإسْتكمال ما تبّقي من هياكلنا، في السُلطة، وكل حلقاتها المدنية، المنُوط بها تحقيق وإنجاز السلام، فضلًا عن الإيفاء بمستحقات ضحايا الحُروب والصراعات، والنازحين واللاجئين، قبل إعادتهم إلي حواضنهم الإجتماعية- الحبيبة إلي أنفسهم- وذلك دون أن يغمض لنا جفنٌ، عن تحقيق أهداف ثورتنا المجيدة، في محاكمة المُجرمين والفاسدين، ومُعاقبة من إرتكبوا جرائم في حق الوطن وشعبه، ومُحاربة كل أشكال الفساد ودكّ حُصونه.

لذلك نقول: إن قضيتنا ليست في توقيع الإتفاق فحسب، بقدر ما نُدرك أن الرّكن الفرض الواجب فيها، هو تنفيذ ما إتفقنا عليه؛ وإستنهاض الهمّة والإرادة الثقافيّة، والسيَاسيّة، والإجتماعيّة، والإقتصاديّة، ورفدها بالطاقات الشبابيّة، للمُساهمة في إتخاذ القرارات، وتحمّل المسْؤوليات، تجاه الوطن وقضاياه الشائكة، لكي لا نعيد ثانيةً وبرغبتنا، الفشل، ونجعله عِنوانًا في إدارة دولتنا السّودانية، ممّا يستدعي إحترامنا لبعضنا، ولمكوناتنا الثوريّة، من قوي كفاحنا المسلحة، وشبابنا الثائر، وشُيوخنا كذلك، لأنّ نُفوسهم توّاقة إلي التغيير، ولا ننسي الجيل (الرّاكبْ راسْ)، وعدم إفساح المجَال لمُثبّطي الهِمَم والعَزائِم، وضرورة إيصَاد الأبْواب، لمن يُهرْولُون لإيقاع العداوة والبغضاء بيننا، وإضاعة هذا الجهد، من بين أيدينا؛ الجهد الذي فقدنا في سبيله، ومن أجله، الأرواح والدّماء، والدّمُوع، مثلما فقدنا فيه الغالي والنفيس؛ ولذا يقع علينا عِبئ التنفيذ والمُتابعة؛ لذلك نقول: علي حُكومتنا الإلتزام بما تمّ الإتفاق عليه، حتي لا يُكتب في سِفر التاريخ: أنّ حكومة الثورة، فشلت وشبِعتْ فشلًا بنقضها للعهود.

ولنعمل كذلك بجدٍ في الحِوار والجُلوس مع مَنْ هُم خارج الرصّة والمنصّة، للوصول معهم إلي الإتفاق، أي رفاقنا في الحركة الشعبية شمال، بقيادة، الكمُرُت عبد العزيز الحلو، وحركة جيش تحرير السودان بقيادة، الكمُرُت عبد الواحد نور، للتفاوض واللحاق بقطار الحقّ والفضيلة، وبالطبع لا ينكر أحد رغبتهم فى السّلام وإستبدال هذا الواقع، بواقع آمنٍ سالمٍ، غانمٍ بالحياة الكريمة، ويقيننا أنّه بإمكانهم وقدرتهم، تقديم ما هو أنفع للشّعب، وطيْ صفحات الحُروب والصراعات، وفتح صفحاتٍ أخرياتٍ، تُؤمن بالتنوع وإحترام الذات الآدمية، في أن تكون كما تريد، وإحترام حقها في العيش الكريم، سيما وأنّ السلام لن يكتمل إلا بحضور الجميع إلي حُضن الوطن، فحريّ بنا أن نقول ثانيةً: أوقفوا (الدُشْمانْ) و(جيبُوا) السّلام- أي آتُوا به- وما علي (نور والحلو) إلا إتمامه، وتتويجه قمحًا وتمنّي، فشُكرًا جزيلًا لكم، وسَلام جيبُوا، ودُشْمان وقّفُوا، وجُوبَا وِيّي.

نور الدين بريمة
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..