أهم الأخبار والمقالات

تعقيب على تصريح السيدة وزيرة التعليم العالي بخصوص الدور المأمول من الأكاديميين السودانيين في المهجر

د. سليمان زكريا سليمان عبدالله

أطلت السيدة وزيرة وزارة التعليم العالي والبحث العلمي عبر فضائية الخرطوم (قبل أيام قليلة) لمناقشة بعض القضايا والتحديات التي يواجهها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي، من ضمن الأسئلة التي وجهت لها ما يتعلق بهجرة أعضاء هيئة التدريس، وما نتج عنها من مشكلات، والآلية التي تسعي الوزارة لتبنيها لتحقيق أقصى استفادة من الخبرات والكفاءات العلمية المهاجرة.

وقد جاء حديث السيدة الوزيرة في سياق يشير بوضوح إلى عدم وجود رؤية أو خطة واضحة المعالم للتعامل الفعال مع قضية نقص أعداد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات الوطنية، الأمر الذي جعل تصريحها يأتي مثيراً للدهشة والاستغراب، حيث أفادت بالنص: (هذه المسألة ليها أكتر من 30 سنة!!! ما جديدة يعني!!! ما حصلت الآن!!! وهي مشكلة كانت رئيسية!!! لكن كيف نحافظ عليهم!!! حنحافظ عليهم بالـ: Online teaching….)  وقد بررت ذلك بالنقص الذي تشهده العديد من الجامعات في أعداد أعضاء هيئة التدريس، كما ذكرت أيضاً: (أن العديد من الأساتذة في أوروبا، وأمريكا، واستراليا، ونيوزيلاندا، وفي دول الخليج مستعدين للتدريس من مناطقهم ومن محلاتهم!!! وبينظموها لينا على حسب اجازاتهم!!! ودي الطريقة الوحيدة!!!!!!……).

ومن المؤسف حقاً القول أن الوزيرة لم تكن موفقة بالقدر الكافي في تصريحها المتعلق بالآلية التي تسعى الوزارة لتبنيها لمعالجة مشكلة النقص في أعداد أعضاء هيئة التدريس بالجامعات (الناتج من الهجرة)، والذي يتمثل في الاستفادة من أعضاء هيئة التدريس بدول المهجر لتنفيذ  التدريس عبر ((Online teaching، والذي يعتبر (من وجهة نظر الوزيرة) الحل الوحيد لهذه المشكلة في الوقت الراهن. 

وهنا يمكن القول ان الحل المطروح يشير بوضوح إلى أن الوزارة ما زالت تتبنى نفس الحلول والآليات (القديمة) محدودة النطاق والتأثير، وهو بالتأكيد لا يمثل حلاً مبتكراً ومبدعاً (مع العلم أن هناك العديد من البرامج الفاعلة التي يمكن أن تتبناها الوزارة خلاف هذا الحل). ومن جانب آخر، فالحل المطروح لا يعتبر حلاً أمثلاً في ظل افتقار الغالبية العظمي من الجامعات للإمكانيات والتجهيزات التقنية اللازمة لإدارة وتنفيذ عمليات التعليم عن بعد بالفاعلية المطلوبة، يضاف إلى ذلك المشكلات المتعلقة بضعف شبكة الانترنت، وعدم استقرار التيار الكهربائي، وغيرها من مشكلات وصعوبات، لا يسع مجال هذا المقال لذكرها.

السيدة الوزيرة …. إن المعالجة السليمة لقضية النقص في أعداد أعضاء هيئة التدريس (الناتج من الهجرة) لا يمكن أن تتم وفق هذه الحلول (الارتجالية) غير المدروسة، والتي يمكن أن تخلق مشكلات وتحديات تضاف إلى ما تعانيه الجامعات من مشكلات وتحديات. وإن كانت الوزارة جادة في الإفادة من الكفاءات العلمية خارج حدود الوطن، فليتم ذلك من خلال الاستعانة بخبراتهم في تنفيذ العديد من الأنشطة والبرامج (خلاف الـ Online teaching) التي تحقق أقصي استفادة بالنسبة للوزارة ولمنسوبي مؤسسات التعليم العالي، وهذا بالضرورة يتطلب توافر توجهات ورؤية ذات أبعاد استراتيجية، يتم تنفيذها من خلال خطة عمل واضحة الأهداف والبرامج. 

ولعل أبرز الإجراءات التي يجب على الوزارة البدء بتنفيذها في هذا السياق يتمثل في حصر أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، ومن ثم إنشاء قاعدة بيانات دقيقة توضح التخصصات، ومجالات العمل، والاهتمامات البحثية والتدريسية، والمؤسسات التي يعملون بها. ومن ثم يتم الشروع في تطوير خطة العمل وبرامجها التنفيذية، وهناك العديد من البرامج والخيارات التي يمكن أن تقوم الوزارة بتبنيها في هذا السياق، منها على سبيل المثال (لا الحصر):

  • أن تعمل الوزارة على تشكيل مجلس استشاري على مستوى الوزارة تتاح فيه الفرص لمشاركة مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، للمساهمة (مع نظرائهم بالداخل) في دعم الجهود الرامية لتنفيذ استراتيجية وسياسات قطاع التعليم والعالي والبحث العلمي.
  • أن تعمل الوزارة على تشكيل مجلس استشاري للمفوضية الوطنية لتقويم واعتماد مؤسسات التعليم العالي، بحيث يتضمن في عضويته عدداً من أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، وبصفة خاصة أولئك الذين تتوافر لديهم خبرات متميزة في المجالات ذات الصلة بعمل المفوضية.
  • أن تعمل الوزارة على حث الجامعات لتكوين مجالس استشارية، بحيث تتضمن في تشكيلها عدداً من أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، للاستفادة من خبراتهم في المجالات المتعلقة بتطوير الأداء المؤسسي على مستوى الجامعة والكليات، وفي المجالات ذات الصلة بتطوير البرامح الأكاديمية والارتقاء بمنظومة البحث العلمي.
  • أن تعمل الوزارة على فتح قنوات تواصل فاعلة مع أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، من أجل تهيئة بيئة مناسبة للتعاون العلمي المشترك مع نظرائهم بالجامعات السودانية.
  • أن تعمل الوزارة على الاستفادة من خبرات أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر في مجال تفعيل علاقات التعاون البحثي مع المؤسسات التي يعملون بها، ومناقشة إمكانية خلق فرص مناسبة للدراسات العليا، ودراسات ما بعد الدكتوراه لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية المختلفة.
  • أن تعمل الوزارة على إطلاق برنامجاً تدريبياً متقدماً لبناء القدرات القيادية لأعضاء هيئة التدريس بالجامعات السودانية، يستهدف بصفة خاصة بناء القدرات في مجال رسم السياسات وتطوير الخطط ومتابعة تنفيذها، يتم تنفيذ البرنامج من خلال الاستعانة بمجموعة من أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، وبصفة خاصة أولئك الذين تتوافر لديهم خبرات متميزة ونوعية في مجالات الإدارة الجامعية.
  • أن تعمل الوزارة على إطلاق برنامج لبناء قدرات المحاضرين ومساعدي التدريس في مجالات التدريس والبحث العلمي (يتم تنظيمه على أساس سنوي)، ويتم الاستعانة فيه بمجموعة من أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، وبصفة خاصة المتميزين منهم، وذلك لتقديم المحاضرات والورش التدريبية.
  • ان تعمل الوزارة على تنظيم ملتقى سنوي بمسمى: ملتقى تطوير الأداء المؤسسي لمؤسسات التعليم العالي، يستهدف مديري الجامعات، ويكون بمثابة منصة للحوار والنقاش حول المستجدات والتطورات على الساحة الأكاديمية الدولية، على أن توجه فيه الدعوة لمجموعة من الأكاديميين من بلاد المهجر، وبصفة خاصة أولئك الذين يتولون مواقع قيادية بجامعات ذات سمعة متميزة، وذلك لتقديم البرامج والورش التدريبية النوعية في المجالات ذات الصلة بتطوير منظومة العمل بمؤسسات التعليم العالي.  
  • أن تعمل الوزارة على تشكيل فرق عمل حسب التخصصات العلمية (فرق المراجعة الخارجية للبرامج الأكاديمية بمؤسسات التعليم العالي)، تضم في عضويتها مجموعة من أعضاء هيئة التدريس في بلاد المهجر، ومجموعة من نظرائهم بالداخل، وذلك لمساندة الوزارة في القيام بعمليات مراجعة أداء البرامج الأكاديمية التي تطرحها الجامعات السودانية.

ختاماً، نهمس في أذن السيدة الوزيرة بالإشارة إلى أنه ما زال العديد من المتابعين والمهتمين، ومجتمع أعضاء هيئة التدريس (على وجه التحديد) في حالة ترقب مستمرة لإصلاحات حقيقية، وتغييرات جوهرية تلامس القضايا الملحة والتحديات العديدة التي تواجهها منظومة التعليم العالي والبحث العلمي، فقد كان سقف التوقعات والتطلعات عالياً بأن تأتي توجهاتكم في إدارة منظومة العمل بالوزارة في سياق رؤية جديدة بآليات وبرامج نوعية تؤسس لعمل مؤسسي قائم على مبادئ الشفافية، والوضوح، والأسس العلمية، والبعد عن طرح الحلول الجزئية، والمعالجات المؤقتة لمظاهر التدهور والتراجع التي شهدها قطاع التعليم العالي والبحث العلمي خلال الفترات السابقة. ولعل أبرز ما يشار إليه في هذا السياق أن هناك فجوة ثقة بدأت تتشكل لدى أعداد ليست بالقليلة من منسوبي التعليم العالي تجاه التوجهات التي ظل يتبناها قادة الوزارة خلال الأشهر القليلة الماضية، الأمر الذي يتطلب وقفة مراجعة تقويمية جادة.

وفقنا الله وإياكم لما فيه خير البلاد والعباد

د. سليمان زكريا سليمان عبدالله – جامعة السلطان قابوس (سلطنة عمان)
[email protected]

 

‫13 تعليقات

  1. “بالتلقين” و “الحفظ الغيبي”، و “استفراغ المعلومة” لحظة الامتحان، نعم.. ممكن الوزيرة تشحن عقول طلابها بالمعلومات.. و لكن… أين التدريب العملي يا سعادة الوزيرة؟

  2. الذى حدث بجامعة الجزيره من استغناء عن بروفسيراتها وعلمائها الذين بنيت عليهم سمعة الجامعه …خير مثال على التخبط واستبدال هؤلاء العلماء ارضاء لمن ليس لهم الخبرات وكيفية البحث والتقدم على الاسس العالميه المعروفه.الان تم تخطفهم داخليا وخارجيا فى لحظه والكل مستعد الان لاخذ اماكن مميزه وبرواتب لا يتخيلها من استغنى عن خدماتهم .هناك من يصر على تقويض العلم والتقدم بالسودان باسم الثوره.لا تتركوا الامور فى ايدى الجهلاء .

  3. المسألة عايزة عملية نفض كامل لهيئات التدريس التدريس في الجامعات لان فاقد الشيء لا يعطيه. فالعديد من اعضاء هيئات التدريس في السودان حصلت على شهادات جامعية وعليا بطريقة غير اكاديمية بل وحصلت على القاب مثل بروف باسلوب اصدار اوراق غير علمية في دوريات جامعية داخلية بينما ان مثل تلك الاوراق مكانها سلة مهملات الدرويات العلمية العالمية.
    فاذا لم تتم عملية نفض كامل لتلك الهيئات التدريسية فتأكدوا ان مخرجات التعليم العالي بل والثانويات ستكون مفلسة عقليا.

    التهديم الذي تم للمنظومة التعليمية سيتطلب عقودا لاصلاح حالها

  4. (( ده مشكلة قديمة من ثلاثين سنة))
    و هل اتيت انت لكي تكملي الكوارث المتراكمة؟؟ ام لوضع حلول عملية ؟

    اعتقد ان الحل العملي هو محاولة تحفيز اعضاء هيئة التدريس للبقاء في الوطن او العودة اليه في اقرب وقت ممكن بالنسبة للذين هاجروا
    و هذا واجب الوزيرة و طاقمها
    اما الحلول الاخرى فهي حلول نظرية و مجرد احلام و دعاية و ضياع للاموال و الجهود التي هي اصلا قليلة

  5. اصلا في السودان مافي اي خطة لا ي جهة ولة احترام الوقت
    لذا فان التقدم صعب بالنسبة للسودانيين
    ابسط شىء طالب الجامعة يعطوهم موعد الامتحان ويجتهد الطالب ويصل قبل موعد الامتحان بساعات فاذا بالحامعة تاجل الامتحان اما لوقت اخر اما ليوم اخر وهكذا وهلم جرا
    ما في خطط ولا اهداف ولا تقدير الوقت والجهد لانو مافي قوانين تحكم وتجزم لاي شي

  6. التحية لك دكتور سليمان وانت للأسف من الذين لفظهم النظام السابق لشيي في نفس يعقوب اطروحاتك دائمآ تنم علي الحدب لمصلحة التعليم
    ولوكنت محل الوزيرة لوضعت ملحوظاتك موضع التنفيذ عاجلا غير اجل وعلي الاقل تعيد لنا مجد الجامعات وتحسب للوزيرة اضافة
    لكن مين يسمع ومين يقرأ مشغولة بتعين من يوالوها واقاربها كما اثير من قبل ولم تنف التي ولوها زمام اهم مرفق في الدولة
    الاهم الان الحصة والعلاوات والنثريات والسيارة اخي الدكتور الغيور
    الله يرحم السودان ودكاترنا العظام وعلي راسهم دكتور عبدالله الطيب

  7. يا سليمان تواصلوا مع الوزيرة لتعطوها رؤاكم فهل هي تعلم ما يدور في راس كل واحد منكم ولازم تتطابق أفكارها مع أفكاركم بدون اتصال؟

      1. وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته
        شكرا على كلامك الطيب
        لقد ارسلت اكثر من مقترح ولكنها لا تستجيب على الإطلاق للاسف الشديد
        لك تحياتي

  8. بلا أون لاين بلا أوف لاين يا وزيرة السجم و الرماد انت قايلة كل الطلاب بقروا علوم اجتماعية؟ انتو يا ناس قحت ديل جابوكم من وين انتو و الله الكيزان طلعوا اشطر منكم بترليون سنة ضوئية، ان شاء الله ما بلادتى يا (قحاطة)

  9. فتح فرص للتدريس بالجامعات لمنسوبي الخدمة المدنية الذين نالو دراسات عليا ونشروا اوراق علمية محكمة ونالوا تدريب كافي وخبرات عملية في مجالاتهم بعد اخضاعهم لدورات تدريبية في كيفية التديس والياته لسد النقص . كلهم تعلموا علي حساب الوطن وذهبوا يبحثون عن الدولار ويتباكون عن حال البلد الذي هجرونه .. ما يقدمه راعي الاغنام في دار حمر والمزارع في مشاريع الزراعة الالية والمروية افضل مليون مره مما تقدمون ايها المتعلمون المتفلسفون الحالمون والواهمون اتركوا عنكم الترف العلمي والجدال والظهور المقيت . انكم متقوقعون علي ذواتكم ان راي احدكم جنازة محضورة تمني ان يكون هو الميت السودان له شباب شب عن الطوق لله درهم .

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..