مقالات وآراء سياسية

هل عودة الاسلاميين للسلطة في السودان تمثل كارثة على جنوب السودان ؟

مشار كوال اجيط

تَوْطِئة
فن الحكم، ذلك الفن النبيل العظيم، قد شوهه وبدل محاسنه الكثير من مبادئ خاطئة جعلته فناً للكذب والخداع والاضطهاد والإفساد، تحت ستر كاذب من العدالة الموهومة.
من كتاب الإجرام السياسي …
للقاضي الفرنسي لويس بروال

(١)
مقدمة
كتبت الثورية البولندية روزا لوكسمبورغ. أن البشرية تواجة خيارين، إما الهمجية المستمرة للرأسمالية، أو التحول الثوري للمجتمع لخلق عالم يصلح للعيش فيه. وقد اختار الشعب السوداني خيار التحول الثوري في ثورة ديسمبر ٢٠١٨، حينما أطاح بنظام الدكتاتور المستبد عمر البشير بعد ثلاث عقود من الحكم  بالحديد والنار. بيد أن اللجنة الأمنية التي كونها الطاغية المخلوع عمر البشير كانت تتربص بالثورة وبطبيعة الحال قامت بسرقتها  تحت  دعاوى  انحيازها على الجماهير السودانية الثائرة وقتئذ. ويجدر الذكر أن الوساطة التي قادها رئيس الوزراء أثيوبيا الدكتور أبي  احمد في يونيو ٢٠١٩، لاحتواء الصراع بين المجلس العسكري الانتقالي الذي اختطف الثورة وقوى اعلان الحرية والتغيير الممثل الشرعي لتلك الثورة أفضت إلي اتفاق الشراكة السياسية والتي بمقتضاها تم إعداد وصياغة الوثيقة الدستورية في أغسطس عام ٢٠١٩ والتي تمثل القانون الاعلي لنظام الحكم في الفترة الانتقالية، وعلى نحوها تم تشكيل مجلسي السيادة والوزراء. وقد تم الإشارة بشكل متناهي الوضوح الي مهام وسلطات لكليهما، في المادة (١٢) سلطات مجلس السيادة والمادة (١٦) سلطات مجلس الوزراء. فضلاً عن تحديد جدول زمني  لرئاسة الدورية لمجلس السيادة خلال الفترة الانتقالية، بناء على المادة ١١ (٣) وهو أن  يرأس مجلس السيادة  في الواحد وعشرين شهراً الأولي للفترة الانتقالية من يختاره الأعضاء العسكريون، ويرأسه في الثمانية عشر شهراً المتبقية، تبدا في التاسع عشر من  نوفمبر ٢٠٢١ عضو مدني  يختاره الأعضاء الخمسة المدنيون الذين  اختارتهم  قوى اعلان الحرية والتغيير.
(٢)
وتاسيساً على ما تقدم  ذكره  فأن الانقلاب الذي نفذه الفريق عبد الفتاح البرهان  في الخامس والعشرين من أكتوبر ٢٠٢١، واستيلائه على السلطة وإعلان حالة الطوارئ واعتقال رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك وكذلك الوزراء والمستشارين وأعضاء المجلس السيادة من المكون المدني لقوى الحرية والتغيير / المجلس المركزي  وتعذيب وتنكيل بهم  وحل لجنة إزالة التمكين وتفكيك نظام الثلاثين يونيو ١٩٨٩، إنما هي محاولة الهروب  من استحقاقات  تنفيذ الوثيقة الدستورية وهو تسليم  رئاسة مجلس السيادة للمكون المدني في نوفمبر ٢٠٢١. وكذلك محاولة الإفلات من  قبضة الشعب السوداني ومسألته جنائياً عن جرائم  فض اعتصام  القيادة  العامة في يونيو ٢٠١٩. وفي هذا المضمار حرى  بنا القول أن المؤامرة الخسيسة على الثورة السودانية ومكتسباتها قد تم إعداد وترتيب وتدبيرها من فلول النظام الاسلاموي المنحل الذين يمثلون الحاضنة السياسية للمكون العسكري. فقائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان ما انفك يقدم  قسم الولاء للدولة العميقة إذ أن تعيين علي الصادق وزيراً لخارجيته والذي كان أحد أبواق النظام الاسلاموي المدحور يعد برهانا ساطعاً  لولائه لأولئك الفلول. ولارتباط  الوثيق بين الحركة الإسلامية  في السودان والمنظمات الإرهابية  فأن ابنة علي الصادق وزير خارجية سلطة الانقلاب قد هربت الي  معسكرات تنظيم الدولة الإسلامية ( داعش ) عبر تركيا في عام ٢٠١٥، لكيما تقدم خدمات جنسية لها ( جهاد النكاح ). خلاصة القول ان قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان أمسي سخياً في تقديم  رشاوي  سياسيةً  للحركة الإسلامية السودانية، حيث قام  بتعيين  رموزها  الإعلامية مثل إبراهيم البزعي مديرا للهيئة الإذاعة والتلفزيون بديلاً  للإعلامي الالمعي لقمان احمد  وذلك  لإعداد خطاب الكراهية واعلام  دعائي ضد الثورة السودانية و الاجهاز على الانتقال المدني الديمقراطي.
(٣)

ومثلما يبدو جلياً أن نظام المؤتمر الوطني الاسلاموي الذي أسقطه الشعب السوداني في ثورة ديسمبر الظافرة  ٢٠١٨، يريد العودة إلي السلطة مرة اخري عبر نافذة هذا الانقلاب المشؤوم . فالعديد من حركات الإسلام السياسي التي أسقطت بالثورات الشعبية توهمت في الآونة الأخيرة رحلة العودة إلي السلطة والرجوع الي تلك الحقب المظلمة سيما الحركة الإسلامية السودانية التي  نشرت الإرهاب في البر والبحر والحروب الدينية وحروب الإبادة الجماعية والقتل والتعذيب في بيوت الأشباح. وعلى  ائً  فقد شهدت العالم  في أغسطس ٢٠٢١عودة حركة طالبان الأصولية الي السلطة في أفغانستان  بعد عقدين من الزمان عندما  انسحبت قوات التحالف بقيادة الولايات المتحدة الامريكية وعلى اثرها  وقعت في كابول العاصمة  ومدن اخري  أفغانية عمليات القتل والإرهاب والتعذيب والاستباحة بعد مغادرة الرئيس الأفغاني البورفسور اشرف غني السلطة حقناً للدماء. وبطبيعة الحال أن عودة المؤتمر الوطني المدحور وصعود الإسلاميين السلطة مرة اخري،  يشكل خطراً ماحقاً علي دول الجوار الإقليمي للسودان سيما جنوب السودان، فهو ذلك  التنظيم العنصري الفاشي الذي ظل رموزه يناصبون شعب جنوب السودان العداء وقد فشلوا في محاولة فرض الأيديولوجيا الدينية التي  تسفك الدماء. جملة القول أن استقلالنا الوطني في يوليو ٢٠١١  لم يكن  منحةً  كما  ظل يردد  الانهزاميون هذه الأيام، وإنما انتزعه شعبنا الباسل من خلال المسيرة الطويلة من الكفاح والنضال البطولي فقد فيها قائده العظيم المفكر الثائر الشهيد الدكتور جون قرنق. وبناء على ما تقدم يمكن  القول انه من الجدير لاحرار والديمقراطيين الوقوف ومساندة نضال وكفاح  الشعب السوداني لنصرة ثورته  ومن ثم فرض طوقاً وحصاراً محكماً علي المؤتمر الوطني المنحل، وملاحقة الفلول لتصفيتهم والقضاء عليهم قضاءاً مبرماً واستئصالهم بشكل نهائي في دولتي السودان وجنوب السودان.
(٤)
فالشعب السوداني الثائر الذي اسقط  ثلاثة  أنظمة عسكرية غاشمة التي  ولغت في دمائه، عبود ١٩٦٤-   نميري ١٩٨٥ – بشير ٢٠١٨، ليس لقمةً سائغةً لقوى الردة  ومن شايعها  ولف لفها  من ( أحذية الانقلاب ) والثورة المضادة ، أو المحاور الدولية والإقليمية (  روسيا – الصين – مصر – السعودية – الإمارات ). فاذا كان عبد الفتاح البرهان  يقرأ من  ذات الكتاب الذي قراه الطاغية المخلوع عمر البشير، حيث العنف والقمع وانتهاك لحقوق الانسان وحروب الإبادة الجماعية . فمصيره  دون  شك سيكون كمصير الطاغية الروماني الشرير كاليجولا الذي قتلوه الثوار وكتموا أنفسه ثم صبوا عليه الضربات من جميع الجهات. وفي هذا السياق أن السؤال الأكثر الحاحاً في وجه مجموعة القصر ( العدل والمساواة – جبريل   وحركة جيش تحرير السودان – مناوي ) اللتان ارتمتا في أحضان عسكر النظام الاسلاموي وشاركتا في التامر للانقلاب على ثورة الشعب السوداني الباسل. أليس البرهان هو من قتل شعب دارفور ثم نصب نفسه إلهاً للفور ؟ وفي الوقت نفسه أليس حميدتي  من جلب مليشيا الجنجويد من تشاد والنيجر والكاميرون وقادها لقتل شعب دارفور واغتصاب حرائر نسائه واحراق قراه ؟ ثم واصلت مسيرتها نحو الخرطوم للغدر والتهجم على الثوار السلميين والبنوت نيام كما انشد مغني الثورة احمد أمين في ميدان اعتصام القيادة العامة  في  يونيو ٢٠١٩. أن تاريخ الحروب والمآسي تشير الى سطوة  ووحشية الأنظمة العسكرية واستبدادها وقمعها  الشعوب المحبة للحرية والسلام والعدالة ، وعلى هذا النحو  أن رتبة الفريق اول التي نالها  قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان في الجيش السوداني والأوسمة والنياشين  ليست لشجاعته في خوضه للحروب وصد العدوان الخارجي للسودان وانما نتيجة قتاله وسفك دماء الشعوب السودانية في   مناطق الهامش السوداني، جبال النوبة – النيل الأزرق – دارفور – جنوب السودان  قبل الاستقلال.

[email protected]

‫5 تعليقات

  1. يا مشار كوال
    هل نحن في جنوب السودان بخير؟
    نفس اساليب المؤتمر الوطني(الكيزان) يمارسه حكام جنوب السودان من قمع للحريات الصحافة والتجمع والتظاهر وانتهاكات حقوق الانسان بالاضافة للفساد الاداري والمالي والاخلاقي حتي اصبحنا نتذيل دول العالم في كل المؤشرات الدولية (فساد انتهاكات حقوق الانسان الخ) اوصلونا الي دولة فاشلة
    حقيقة نحن في جنوب السودان خاصة الشباب والمثقفين يجب ان نستلهم من ثورة ديسمبر السودانية كل الدروس والعبر لاحداث تغير نحو فضاء مدني ديقراطي ودولة مؤسسات

  2. يا اخواننا في جنوب السودان
    ما رايكم ب اشعال ثورة في الجنوب ضد الحكم الدكتاتوري في الجنوب

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..