
أيقظني فجر اليوم قلبي . كعادته دائِماً في خدمتي بإخلاص.. حتى الآن على الأقل .ولولا قلبي ُ لكانَ من الممكن أن أن أكونَ قاتِلاً أو فيلسوفاً ، وكانَ من الممكنِ أيضاً أن أكونَ شهيداً ، فقد كانت هناك طرق كثيرة لهذا وذاكَ ، وتلك. ..نهضتُ، وسِرْتُ حتى توقَّفتُ أمام حفرة كبيرة لجمع القمامة لأنَّ بداخلها كانت طفْلةٌ بائِسة تنكش في الزبل عن بقايا عظام .. عن قشرة فاكهةٍ مقسومةٍ إلى نصفين . فمَرَّ بي رجُلٌ يمشي يتدلَّى على كتفه كيسٌ كبير ، وعلى يده عصا ، لكزني بها على ظهري ، بينما أعرجٌ مرَّ بنا مُمْسِكاً بطفلٍ في يده .. بينما على التلفون كانَ خالد بابكر يقترح الذهاب إلى مقابر أحمد شرفي لتشييع الخليفة الياس موسى إلى مثواه الأخير ..هذا بينما كانَ على طرف الحفرة مُشَرَّد ينامُ وقدمُه على ظهره ،نهضَ فجأةً وأخذَ يُعِدُّ على أصابِعِه، وهُوَ يرتعد ، رُبَّما من الجوع أو السُكْر ، أو الاثنين معاً .جعَل يسعل بشدَّة ، ثُمَّ أخذَ يبصق دَمَاً .. في اللحظة التي سقطَ فيها من سطح العمارة المقابلة عامِلُ بناء ، ماتَ قبل أن يصل إليه أحد .
كانت الساعة منتصف النهار ودقيقتان ، عندما دلفْتُ إلى الوزارة لمتابعة ملف طباعة رواية الزمن الرجيم ، والذي يمسك به أحد الثُوَّار المُزَيَّفين من الذين قدموا أو اُسْتِقدموا من الخارج وركبوا على ظهر الثورة .دخلْتُ بهدوء ، وبهدوءٍ جلَسْت .كانَ هناك موظف يعبث بكشف حسابٍ أمامه .هذا الموظف أعرفه منذ سنوات .كانَ شابَّاً مهزولاً. اليوم صارَ بطنُه ضخماً ومهولاً، ربَّما أكلَ كشوفات كثيرة ،حتى انتفخت أوداجُه وتضخَّم بطنُه .. أما هُوَ فلن يزل صغيراً .. صغيراً جداً .
خرجْتُ من الوزارة .وعند مدخل الخروج قابلْتُ السيد الوزير ، وهذا لا يعني شيئاً .. أن تقابل رجُلاً وُلِدَ وهُوَ نائم لا يعني شيئاً . عبرْتُ الشارع في صمت . هناك امرأة تَخِذَت من رصيف الوزارة لها مسكناً ، حولها ثلاثة أطفال يصرخون .ورابع يهدهد ويرضع ،وخامس يقبض على نَهْدٍ صغيرٍ متماسك ، وسادس يُلْقِي بصحْنٍ فارغ . فكَّرْتُ في ما الذي مما فعلتُه وأفعل يعطيني الحق في أن أطبع كتابي على حساب الحكومة .? . وفي أن آكُلُ وأشرب .. كيف آكُل وأشرب وأنا انتزع ما آكُلُه من الجوعى .?.. وما أشربُه يخُص آخَر يموت من العطش ..?! ..كيف أكتب للناس، أبُث ما تيسَّر من الوعي ، أُمَهِّد الأرض للمودة والإنسانية ، وأنا عاجز عن أن أكون ودوداً وإنسانيَّاً .?. ما الذي يجعلني أرتكب الكتابة وأبذلها للناسِ عفواً ، وخواءُ النهار يغطس في ظلامِ الليل ، فينطفئ ضياءُ عَيْنِ القمر ..وامرأةٌ غابَ عنها زوجُها تسحبُني إلى الفراش ، وتخطف مِنَّيَ الأفكار ..على صهوةِ نار ، في غيابٍ دونَ رغبة، عُزْلةٍ جرداء .. وعلى أمَلٍ دونَ ذِكْرَى ..?.
“شُكْرِي”
شكرى عبد القيوم




انت يا شكري مسؤول من الخير….عليك الله البنقو البتضربو دا بتجيبو من وين؟