مقالات وآراء سياسية

بنود إتفاق السلام بين النظرية والتطبيق

محمد الربيع

“وما وجدنا لأكثرهم من عهدٍ وإن وجدنا أكثرهم لفاسقين”
،،،،، سورة الأعراف الآية ١٠٢،،،،،
وفاء العهدِ من شِيَمِ الكِرَامِ – ونقضُ العهدِ من شِيَمِ اللِئامِ
وعندي ما يُعَدُّ من السجايا – سوي حفظُ المودّةِ والذمامِ
وما حسنُ البداةِ شرطُ حبٍّ – ولكن شرطه حسنُ الختامِ
جرَي عهدُ الثقاةِ علي فعالٍ – وعهدُ الغادرين علي كلامِ
،،، ناصيف اليازجي ،،،،

✍️ مع إنتهاء التوقيع النهائي لأتفاق السلام الذي جري اخيراً بمدينة جوبا عاصمة دولة جنوب السودان بين مكونات (الجبهة الثورية) المختلفة وحكومة الثورة وسط اجواء إحتفالية عارمة ودموع الفرح التي سالت مدراراً بعد عقودٍ من البؤس والمعاناة والضياع عاشها الشعب المكلوم بسبب الحروبات العبثية المصنوعة بأيدي الساسة في مركز البلاد! إنتهت المرحلة الصعبة بالوصول للتوقيع وبدأت المرحلة الأخيرة وهي الأصعب بكل المقاييس لأنها تتعلق بتطبيق ما تمت كتابته والتوقيع عليه بين الأطراف الموقعة وإنزال كل تلك البنود والمواثيق علي أرض الواقع لأن بين سطورها وطيّاتها مصير شعبٍ ومستقبل بلد مثخنٌ بجراح الماضي والألم المرير ومكبلْ بقيود الحاضر المعقّد والعسير ومشرأبْ لمستقبلٍ مشرقْ منير ،،،،

☀️إن القاريء الحصيف لتاريخ السودان السياسي يجد صفحاتٍ من الخيانة والغدر لكل العهود والأتفاقات والمواثيق التي تمت توقيعها بين المركز وحركات النضال المطلبي في الأقاليم والتي قادت في نهايتها إلي تمزيق هذا البلد الفسيفسائي الأستوائي العريق، ليذهب بكل أسفٍ ثلثه بكل ما فيه من ثرواتٍ في باطن الأرض وظاهرها فضلاً عن ذلك الإنسان الطيب الجميل الذي أجبِر علي إختيار الإنفصال المُر كما يضطّر المريض اليائس من الشفاء علي إختيار “الموت الرحيم” نجاة من الألم والعذاب وإيثاراً لراحة الروح والجسد ويا له من مفارقة ،،،

كفَي بكَ داءً أن تري الموتَ شافيا – وحسبُ المنايا أن يكنّ أمانيا

لقد أصبحت خيانة العهود ونقص المواثيق ثقافة متأصلة في عقول ساسة المركز الذين إستأثروا بالسلطة والثروة لمدي أكثر من ستة عقود حسوماً وكأنها نوع من الفهلوة السياسية القميئة دون أن يعبروا بالسودان إلي أي مستويً من النهضة العلمية والصناعية أو شعبه المعذب إلي أيّ مستويً من الرفاهية والعيش الكريم! ولقد وثّق لكل هذه الآلام والمآسي، القانوني والسياسي الجنوبي المعروف أبيل اليِر في كتابه الرائع “السودان، التمادي في نقض العهود والمواثيق” !! وأن مَن لا يقرأ التاريخ يكرر أخطاءه.

🔥 إن تنفيذ بنود الأتفاق التاريخي لهو من أوجب أولويات المرحلة القادمة حيث لن ينفع معه أي تنصل أو نكوص ولن يفيد أي نوعٍ من أنواع الخداع والمناورة العبثية التي يقصد بها هضم الحقوق والألتفاف علي المطالب المشروعة بغرض تذويبها كما رأينا في التنصل الغير أخلاقي ثم النكوص من كل الإتفاقيات التي حدثت في الماضي ومن أشهرها أتفاقية السلام الشهيرة بين حركة الأنانيا 1 بقيادة جوزيف لاقو ونظام جعفر نميري عام ١٩٧٢ بعد أن نعم البلاد في ظل السلام لمدة تزيد عن العشرة اعوام شهدت فيها مشاريع تنموية كبيرة لكن الغباء السياسي والغرور قاد إلي نقض العهد وتمزيق ذلك الأتفاق التاريخي لتتفجر الأوضاع من جديد بقيادة الدكتور جون قرنق لتبدأ الخطوة الأولي في مشوار الأنفصال، ثم كانت فرصة أخري لتجنيب السودان التمزق بإتفاق “الميرغني – قرنق في كوكادام” لكن الغيرة السياسية مع العباء السياسي ” لقيادة حزب الامة” أفقدا السودان تلك الفرصة !! وفي عهد سماسرة الإسلام السياسي الذين لم يحفظوا إلّاً ولا ذمة خانوا كل العهود! عبثوا بكل الأتفاقيات! غدروا بكل الشركاء بمنتهي الخسة والدناءة وخاصة مع الحركة الشعبية والتي رفضوا لها وزارتي المالية والنفط اللتان نصت عليهما الإتفاقية! وهذا التصرف والسلوك اعطي الأخوة الجنوبيين الضوء الأخضر لتفضيل خيار الأنفصال علي الوحدة الكذوبة!! قال الجرجاني : ” العهد حفظ الشيء ومراعاته حالٌ بعد حال” ولكن …

لشتّان من يدعو فيوفي بعهدهِ – ومن هو للعهد المؤكّد خالعُ

✍️ أن اولوية تنفيذ بنود الأتفاق تأتي من كون أن الإتفاق جاء في ظل نظام جديد بعد ثورة أبهرت العالم أجمع بنضجها وسلميتها وقوة شعاراتها المتحضرة التي مثلها شعار (حرية، سلام وعدالة) ! كما أن معظم اعضاء حكومة الثورة كانوا شركاء النضال لسنوات وناضلوا لنفس المطالب والشعارات التي تم التوقيع عليها في هذه البنود مما لا يجعل نكوصهم ممكناً.

من جهةٍ أخري لقد عزم الشعب عامة ومناضلي الحقوق والحرية خاصة بأنه لن تكون هناك حرب أخري جديدة في أقاليم الهـامش وأن أي حربٍ قادمة لن يكون لها مسرح غير عاصمة السودان حيث توجد بها كل رؤوس شركاء السلام!

وإذا كان نظام الأنقاذ البائد قد غدر بشركائه السابقين وخرجوا علي أثرها من العاصمة وعادوا ألي الغابة مرة أخري ،،، فأن هذا الخيار غير موجود في ظل السودان الجديد ولن تخرج أي حركة نضالية من العاصمة السودانية مرة أخري لتعود ألي الأدغال البعيدة وتستأنف نضالها من هناك لينعم “الغادر” بحياة هانئة في قصور الخرطوم المنيفة وهو يرسل الإنتنوف لتدمير شعب الهـامش! بل سوف تأتي كل الجيوش ألي العاصمة “مطبخ الخيانة والغدر” وأُس المشاكل! وفيها سوف يكون الحل!! والحل في البل ،،،،

✍️ أن الأتفاق الذي فرح به السودانيون بكل طوائفهم ورقصوا له لأنه يعتبر إيذاناً لمرحلة جديدة ربما تكون هي الأنطلاقة الحقيقية للمارد الأفريقي إذا صدقت النوايا إلا أنه لم يعجب بعض القلة من “أبواق” المؤسسات العتيقة التي تعودت علي الأنانية و (لهط) حقوق الآخرين وشنّوا هجوماً لاذعاً ضد الإتفاق ونعتوه بالمحاصصة وهم الذين كانوا صمْ بكمْ طوال عهد الإبادة الجماعية والتطهير العرقي والظلم التاريخي كأن في آذانهم وقرْ !!! لهـؤلاء نقول : أخجلوا ،، فإن عقارب الساعة لن تعود إلي الوراء وقوالب الماضي لن تقود المستقبل وعليكم ان تقتنعوا بان الأيام دولْ و الأرض (كروية) و…..

سوف تصفوا الليالي بعد كدرتها – وكل دورٍ إذا ما تمّ ينقلبُ

محمد الربيع

تعليق واحد

  1. الإتفاقية التى تم توقيعها فى جوبا ،
    ليست إتفاقية سلام ،
    إنها إتفاقية إبتزاز من جانب الحركات الرافعة للسلاح ،
    وهي حركات لا تملك تأييداً شعبياً ، ولا قوةً عسكريه ،
    وهي إتفاقية تهاون ، وتخاذل ٬ وإستهتار من الجانب الحكومي ،
    وهو جانبٌ لا يملك أي تفويضٍ ، أو أي شرعية ، أو أي صلاحيه ،
    للتفاوض على إتفاقيه بهذه الشروط .
    ويكفى القول بأن رئيس الوفد الحكومي للمفاوضات هو
    سفاح دارفور نفسه ، وسفاح مذبحة فض الإعتصام نفسه ،
    المجرم الجنجويدى الجاهل حميتى ، المُتَسَلَّط على الناس ،
    والذى كان ولا يزال أخطر أسباب الكوارث الراهنة فى السودان .
    ولا تمثل هذه الإتفاقية شيئاً غير الغرور ، والتكالب على السلطة ،
    والتهافت على المناصب الحكوميه ، وموارد المال العام ، والمزيد
    من مظاهر التبجح والإستعلاء ، ولن يستفيد منها غير الذين قاموا
    بالتفاوض المُطَوَل عليها ، مُسْتَمْتِعِين بضيافة الإخوة فى جوبا ،
    ولن تحقق الإتفاقيه أي مصلحه للناس لا فى دارفور ولا فى السودان ..
    ولن ينتج عنها سوى المزيد من الخلافات والحزازات والأزمات .
    ومن المعروف جداً إن أي إتفاقيه لا تقوم على أساس المساواة
    فى المواطنة ، والمساواة فى الحقوق والواجبات ، دون أي تمييز ،
    لن يُكْتَب لها النجاح ، ولن تدوم ،
    وسيكون مصيرها مزبلة التاريخ .
    10/15/2020 .
    رد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..