(دارفور أم ضارفور)

هذه ليست دارفور التي عرفناها والفناها وأحببناها بما قرأناه وسمعناه عنها وبما توفر لنا من مخالطات ومرافقات وصداقات ومعارف ومصاهرات بأهلها، فدارفور اليوم ليست تلك التي في البال والخاطر، دارفور التاريخ والمحمل والثقافة والحكمة، دارفور التعايش والتساكن والتدامج، دارفور الهدوء والسكينة والطمأنينة، دارفور الكرم والمروءة ونجدة الملهوف، دارفور مسامرات الليل البريئة وقرآن الفجر المشهود، دارفور المشايخ والحفظة والفقهاء، و«الفكيا»، ودارفور الدمباري والطنباري والدمنقاوي، دارفور البرمكي والهداى والغناى، دارفور الكسوك وإبرة ودّر والنقارة، دارفور الدامرقة وعصيدة الجير والكول والمرس والدودري والمناصيص والمرّين، أما اليوم فدارفور ليست هي دارفور، فقد صارت ضارفور، لا يطل عليها صباح ولا تشرق عليها شمس دون نزاع كارثي وقتال دام حتى أدمنت الصراعات العبثية بنتائجها المدمرة، وكأنما اختلف أهلها وأبناؤها في كل شيء ولم يتفقوا إلا على دمارها ولأتفه وأبسط الأسباب، يتقاتلون فيما بينهم حتى يخيل إليك أن هدفهم الذي أجمعوا عليه هو تخريب ديارهم بأيديهم والحاق الأذى والضرر بها، يموت الآلاف وينزح مئات الآلاف، ويجف الزرع والضرع وينتشر الهلع ويعم الحزن، ودورة القتال ما تزال دائرة، وكأنها دوري منافسات مثل دوري كرة القدم الذي تتنافس فيه الفرق الرياضية، القبيلة الفلانية ضد القبيلة العلانية، البني هلبة ضد القمر اليوم، وغداً المباراة حامية الوطيس بين الرزيقات والمعاليا، ويختتم الاسبوع بلقاء المسيرية والسلامات وهكذا دواليك تستمر طاحونة العنف والموت بهذا الاسلوب العبثي بين القبائل فيما بينها بل وهناك قتال بيني داخلي يدور بين خشوم بيوت القبيلة نفسها، فماذا هناك وما دهى الدارفوريون الذين كان عهدنا بهم أنهم حزمة واحدة وعلى قلب رجل واحد لا فرق بين رزيقي ومسلاتي أو هباني وقمراوي أو زغاوي وتعايشي أو فوراوي ومسيري أو برتاوي وبني حسيناوي، بل ولا فرق حتى بين جعلي وشايقي ودنقلاوي وكل قبائل دارفور مجتمعة، كانوا كلهم دارفوريون وكفى، وكأنما شاعرنا الفذ العبادي استلهم من تماسكهم وتعاضدهم وتعايشهم وتدامجهم قصيدته التي يقول فيها «جعلي ودنقلاوي وشايقي إيه فايداني يكفي النيل أبونا والجنس سوداني»..
ومما يزيد الأسى والأسف على هذا الحال الذي تردت اليه دارفور العزيزة وأهلها الاعزاء، هو ضلوع بعض أبنائها المتعلمين والمثقفين والسياسيين ممن لم يراعوا في أهلهم ووطنهم الصغير إلاً ولا ذمة، فانخرطوا في الصراع وزادوا ناره حطباً من أجل عرض دنيوي رخيص وزائل، كما أن ذمة الحكومة ليست بريئة مما يجري هناك، على الأقل لجهة تباطؤها وتقصيرها في أداء واجبها في منع وقوع هذه التفلتات ابتداء قبل أن تتطور إلى نزاع دموي، فقضية مثل قضية الأرض والحواكير والحدود والمسارات الرعوية التي كانت واحدة من أسباب إندلاع هذه الحروب القبلية، ما كان لها أن تفضي لما أحدثته من موت ودمار لو أن الحكومة سارعت للاضطلاع بمهمتها في هذا الخصوص ولم تتركها للقبائل لتأخذ ما تراه حقاً لها بيدها وبقوة السلاح وليس العرف والقانون، وعلى ذلك قس بقية القضايا التي تنشأ صغيرة وبسيطة وفي متناول الحل ولكن التغاضي عنها سهواً أو عمداً هو ما يضخمها لحد الانفجار، فهل تعتبر حكومات دارفور الولائية الخمس وسلطتها الانتقالية وفوق هؤلاء الحكومة المركزية ومن قبلهم الفعاليات والنخب الدارفورية بعد كل هذه العبر، أم أن على دارفور أن تنتظر وعد الله في قوله تعالى «وإن تتولوا يستبدل قوماً غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم» صدق الله العظيم…

الصحافة

تعليق واحد

  1. الاستاذ حيدر
    قبل ان تلوم اهل دارفور، لوم الذي قام بتسليح القبائل هناك باسلحة متطورة. صدقني المشكلة ليس في اهل دارفور ولكن في كمية السلاح الذي تم توزيعه للاهالي هناك. لو قامت الحكومة بتسليح القبائل في الجزيرة او الشمالية لحدث لهما نفس الشيء الذي يحدث الان في دارفور وكردفان.

  2. دارفور يا استاذ خربتها الحكومه بتسليح بعض القبائل دون الاخرى واستجلاب قبائل من دول اخرى وتوطينها فى منطق الفور تحديداَ , بالاضافه للصراعات الكانت اصلا موجوده ولكنهما لم ترقى لهذا المستوى

  3. 1- للأسف، صحيح أن بعض أبناء دارفور كما أشار المكاشفي أسهموا في الأزمة؛ سواء الذين خنعوا و رضوا أن يكونوا معاول هدم في أيدي الطاغوت المتسلط أو الذين استفزهم ظلم المتجبرين فلجأوا لحمل السلاح – فصنيع الطرفين ليس بضار إلا دارفور.
    2- أما اختزال صلة (الحكومة) بما يجري في دارفور بعدم {براءة ذمتها} منه فهو حكم لا يليق بالمكاشفي كصحافي و أشهر البينات علي دور ما يسميه الحكومة في مسرح معضلة دارفور هو الابادة الجماعية التي بشم بأخبارها الإعلام؛
    3- و اختصار مشروع الخراب الممنهج الذي يدار اليوم في دارفور في قضية (حواكير) ليت المكاشفي توقي الوقوع فيه؛ براءة لقلمه و احتراما لقارئه.

  4. ايها الكاتب شكرا لك كل ما قلته صاح لكن كل الصراعات والمصائب دي مخطط و مدبرها مارد وعفريت بيد خفية عفريت اسمو مؤتمر وطني,نافع الما نافع ,علي عثمان والبشير بس اتخيل زول بسيط تديهو اقوي انواع السلاح وسلطات اعلي من سلطة الوالي وكل ما لم يكن يحلم ويتخيل امتلاكه يوما مايعمل شنو في خلق الله من الصدمة هل تتخيل انو في مدن دارفور وليس القري يمكن ان يجدك اهلك الصبح مقتولا داخل منزلك بسبب شجار بسيط مع اي شخص او طفل لم يتجاوز الخامسة عشر وكله بسبب الانتشار الكثيف للسلاح

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..