حول مسرحية أحلام حلة فوق

عرضت مسرحية أحلام حلة فوق (كفرجة مسرحية) ضمن عروض أحد مهرجانات البقعة الأخيرة. والفرجة المسرحية كما تعلمون هي كل ما يتم عرضه خارج الخشبة في بقعة دائرية أو مفتوحة يطوقها الجمهور مثلما يحدث في عروض (مسرح في الهواء) التي تقدمها قناة الشروق أو عروض (المسرح التفاعلي) التي قدم حولها مهرجان بشيش بمدينة الأبيض مؤخراً، إلا أن الأخيرين يشركان الجمهور في مناقشة موضوع العرض. وفي كل عام حين تقام عروض مهرجان البقعة كنت أتساءل عن السبب الذي يقف حائلا دون إعادة عرض مسرحيات المهرجان سواء بالعاصمة أو الولايات حتى لا يضيع الجهد المبذول ويسدل عليه الستار بعد انتهاء المهرجان، فلا أجد إجابة. وها هي فرقة سنبل بقيادة المؤلف والمخرج عبد الرحمن المهدي تكسر طوق العزلة وتحقق لنا حلم الاعادة ولكن على خشبة المسرح القومي الشيء الذي اقتضى إعادة للإخراج ورسماً للحركة وتوظيفاً للإضاءة ومعينات الصوت وإعداداً للديكور والاكسسوار حتى تكتمل لها عناصر ومقومات العرض. بدأت المسرحية منذ الأول من نوفمبر الجاري ولا زالت عروضها تستقطب جمهوراً لا بأس به خاصة إذا نظرنا لضآلة الإعلان الذي صار هاجساً لكل المنتجين والمسرحيين من حيث علو الكلفة وابتداع طرق الانتشار التي أفلح من تنويعها البعض.

ولعل تصنيف المسرحية كعمل جماهيري يضعها ضمن النمط التقليدي الذي يخلو من التعقيد ومحاور التجديد ومداخل الحداثة إذ كان يدور حول هموم أهل القرية وتطلعهم بل نزوعهم للنزوح إلى المدينة – لشعورهم بالتجاهل والظلم – التي يعتقدون بأنها ستكون فاتحة خير لهم لتحقيق طموحاتهم الحياتية من تحضر وزواج وثروة، تاركين مهنهم التقليدية سواء كانت زراعة توارثوها أباً عن جد، أم تربية لقطعان الماعز وغيرها كنتيجة لتفادي بعبع محصل الضرائب والجبايات التي لا فكاك منها. ورغم نجاح البعض في الوصول للمدينة إلا أن غولها لم يرحب بهم فاضطروا إلى ممارسة المهن الهامشية كبيع الماء والمناديل الورقية والكماليات عند التقاطعات واشارا ت المرور وهي لا تسمن ولا تغني من جوع بل لا تليق بهم كأناس كانوا ذات يوم يهنؤون بنعيم حصادهم على قلته. ومع ذلك لكي يتعايشون مع مجتمع المدينة تجدهم يتخلون عن ثقافات وسلوكيات القرية الوديعة لمجاراة المجتمع الجديد وخاصة أولئك الذين اتجهوا نحو مهن أخرى كالفن، فانعكس ذلك عليهم في ارتداء الزي العصري واقتناء وسائل الاتصال الحديثة وتغيير أسلوب التعامل والمخاطبة. ولكن كل ذلك لا يعدو أن يكون زيفاً ينهزم أمام حنينهم للقرية وتفكيرهم في العودة ولو على سبيل الزيارة والتفقد لتنتهي المسرحية بقبول الجميع بالبقاء بقريتهم ودفع عجلة انتاجها. لقد جاءت المسرحية في عمومها في إطار كوميدي خفيف الظل تنداح مكوناته من بين ثنايا حوار الشخوص الذين تباينت صفاتهم بين الساخر والساذج والجاهل والمتطلع لحياة عصرية لا يدري خفاياها أو حياة زوجية لا يملك مقومات الوصول إليها.

ومن حيث التمثيل لقد أمسك الممثل الكوميدي القدير عبد الله عبد السلام بالرسن وقاد مسيرة العرض ومعه محمد السراج ورفعت السر والكرار الزين وسعيد نور الدين بينما في كفة الميزان الأخرى كانت هناك الممثلة رحاب عبد الرحيم تمسك زمام الأمر بما لها من تجارب أدائية متنوعة ومعها إسراء قاو ومزدلفة الحاج. شكرا للأستاذ عبد الرحمن المهدي ولهذا الطاقم المنسجم الذي قدم عملاً أسهم مع ما سبقه من عروض في الشهور الفائتة مما جعل تواصل العروض في المسرح القومي ممكنا عسى ان يعود لمجد مواسمه الثابتة.

صلاح يوسف
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..