حينما يموت المفعمون بالحياة

لا أذكر قريبا أنني حزنت وتأثرت عميقا لإنسان في السنوات الأخيرة مثلما تأثرت لهذا الرحيل الفاجع للرائعة ناديه عثمان مختار الذي جاء رحيلها بالأمس صادما وموجعا في ذات الوقت لكونه جاء بغتة وهكذا الموت .. كنت وقتها أقلب القنوات .. مررت على قناة أمدرمان .. غادرتها ثم عدت إليها لأجد النعي على الشاشة المجللة بالسواد .. في البدء إعتقدت أن المتوفى شخصية قيادية أو نحو ذلك .. لكنني ما أن قرأت إسم ناديه عثمان حتى صدمت وأنا أتمتم بلا حول ولا قوة إلا بالله .. أغرورقت عيناي وبكيت ودعيت لها بكل الخير لأنها من طينة الخير .. هذه الإنسانة الرائعة التي لا تجمعني بها أي صلة أو قرابة .. والتي عرفتها كما سائر المشاهدين عبر الشاشة وقبلها عبر كتاباتها في الصحافة .. جذبتني منذ البداية بإبتسامتها الصافية التي لا تكاد تفارقها وروحها البشوشة التي تشع في كل مكان تحل فيه وتلقائيتها وعفويتها التي تكاد تنبيء عن طفل صغير يسكن في داخلها .. لقد إستطاعت ناديه بهذه الصفات الطيبة أن تجد لها مكانا في قلوب الناس وهي جديرة بذلك .. إن أمثال ناديه قليلون في هذه الدنيا التي نعيش فيها .. بل هم نادرون وأحسب إن ناديه وأمثالها يرسخون مفهوما ساميا في هذه الحياة وهو أنّ الحياة قصيرة لا تتسع للحب فكيف للبغض .. مفهوم يماثل في مضمونه تلك الحكمة الرائعة الآتية من بلاد طاغور.. لقد كانت حياة ناديه مليئة بالحب للأخرين .. كانت ناديه مفعمة بالحياة .. ملأت حياتها العملية بنشاط دؤوب تحسد عليه .. كان وجودها كثيفا في الصحافة .. في المنتديات .. في التلفاز وكأنما أرادت أن تذكّر الناس بوجودها الدائم .. كأنما كان هناك نداء في داخلها يذّكرها بقصر حياتها .. رحم الله ناديه عثمان فلا أملك من الكلمات ما استطيع أن أعبرّ به أكثر عن هذا المصاب الجلل .. ولا نقول إلا ما يرضي الله .. إنّا لله وإنّا لله راجعون .
[email][email protected][/email]
لو كنت قريباً مني أهمس ، أو أدمع كي أصدق أن اللون القرمزي قد احتجب ،
وأن سلطة الموت الجبارة قادرة على السعي الحثيث لنزع الفرح المتبقي .
هذه ساعات تنحني فيه الجفون ، وتتساقط حجارة الملح المتكثف من أدمع تتقافز .
سعيدة بها القلوب حين سعت بيننا ، ودامت ودام لنا صفاؤها ،
وكتابها الأزرق كالماء يغسل النفس مما بها .
ألف نور يشع حين نتذكر بسمها المتألق .
……
صدق الشاعر حين لامس مشاعرنا عُريانة وسط برد الموت القاتل :
لو اني اعرف ان البحر عميق جدا ما ابحرت ..
لو اني اعرف خاتمتي ما كنت بدأت ..
اشتقت اليك ..
اشتقت اليك .. فعلمني ان لا اشتاق ..
علمني كيف اقص جذور هواك من الاعماق ..
علمني ..
علمني كيف تموت الدمعة في الاحداق ..
علمني ..
علمني كيف يموت الحب وتنتحر الاشواق ..
فانا من بعدك باقية ككتاب مقطوع الاوراق ..
يا من صورت لي الدنيا كقصيدة شعر ..
وزرعت جراحك في صدري واخذت الصبر ..
ان كنت نبيا خلصني من هذا السحر ..
من هذا الكفر ..
ان كنت اعز عليك فخذ بيدي ..
لو اني اعرف ان الحب خطير جدا ما احببت ..
لواني اعرف اخاتمتي ما كنت بدأت ..
يا كل الحاضر والماضي ..
يا عمر العمر ..
اني اتنفس تحت الماء ..
اني اغرق ..
*
ألف رحمة ونور عليها
*
والله لم تدعو لنا شيء نقوله(ياود السيد).. انها نقية وصادقة.. تتعامل مع الناس كأنها تعرفهم منذ زمن بعيد.. البسمة والضحكة الانسانية لا تفارق وجهها الصبوح.. شاهدتها في مرات كُثر في على التلفزيون وراديو ام درمان تتطرح القضايا وتتلقى الاتصالات تتفاعل مع الناس لأنها منهم وفيهم.. انسانة رقيقة وسمحة النفس والقلب.. رحمك الله يا اختتنا العزيزة وتقبلك الله قبول حسن.. اللمم اغفر لها وارحمه وادخله جناتك اللهم اعذها من سؤال القبر وعذابه.. اللهم انا لا نزكيها عليك ولكن نحسب انها امنت بك وبنيك سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.. اللهم انها ضيفتك فاكرمها اللهم انها ضيفتك فاكرمها يا الله يا الله..
إنا لله وإنا إليه راجعون
لا إله إلا الله محمد رسول الله
اللهم أغفر لها وأرحمها
وأغفر وأرحم جميع موتى
المسلمين يا رب العالمين
أنتم السابقون ونحن اللاحقون