مقالات سياسية

هل تنتحرُ أمريكا لأجل العرب؟

• والمحنة العربيَّةُ لا ولن تغادر محطتها المؤسية ، محطة الإدانة والشجب والاستنكار ، ثم العودة إلى تناول الوجبات الدسمة والاستمتاع بكل المتاح من طيبات .. لن يحدث جديد في سياسة العرب ولا في خطابهم ولا في هوانهم على الدنيا ، ما لم يغادروا فهمهم البائس لحقيقة العلاقة بين إسرائيل وبين الولايات المتحدة والاتحاد الأوربي .. وما  لم يهجروا  تصورهم الساذج لحقيقة (إسرائيل) ..
• ذلك التصور الذي تبلغ سذاجته وبؤسه أن يظل العرب ينتظرون ، دون أن يطرف لهم جفن ، أن يأتي يومٌ تتخلى فيه الولايات المتحدة الأمريكية عن دعم إسرائيل ، أو تغضب منها ، أو حتّى (تؤدبها) بحملة عسكرية !!
•  خطأ التصوُّر يقودُ – ضربة لازِب – إلى خطأ الرؤية ، وخطأ الرؤية مقدِّمةٌ موضوعيّة لخطأ الموقف ، وخطأ الموقِف أصلٌ أصيل لخطأ الإنفعال ، الذي يُثمِرُ خطأ الفعل ، و يُسفِرُ ، في غاياته القصوى عن سوءِ العواقب ..
•  و من أعظم أخطاء التصوُّر الشائعة في أدبياتنا – والسياسية منها على وجه الخصوص – النظرُ إلى الولايات المُتَّحِدة ككيان أعظم ، مستقِل ، ومُبادر ، ثُمَّ النظرُ بذات العين إلى (إسرائيل) كدويلةٍ محدودةٍ بوضعها الجغرافي ، المتمثل في إرض فلسطين المحتلَّة ، وتابعةٍ للولايات المتحدة ، التي يرى الجميع أنها السند الأقوى والحامي الأعظم  للكيان الصهيوني ..
• في الواقع ، يستطيع من يُمعِنُ التأمُّل ، ويُحسِنُ النظر إلى جُملة المشهد ، أن يكتشف أن مقلوب التصوُّر أعلاهُ هو الأقرب إلى العقل ، وذلك بعد أن نستبدل إسرائيل “الدويلة” بإسرائيل “الفكرة” ، فهذه الأخيرة هي التي صنعت الولايات المتحدة بشكلها الراهن وتوجهاتها المشهودة ، وهي التي تسهر على حماية الولايات المتحدة  بصورتها هذه ، وهي التي تصنع مواقف الولايات المتحدة وسياساتها الداخلية والخارجية ، وهي صاحبة الكلمة الفصل في من يحكُم الولايات المتحدة “إسميَّاً” – أعني رئيس الدولة – وفي من يحكُمُها “فعليَّاً” ، وأعني بالأخير الشركات ذات النفوذ الصارخ داخل أوعية الحُكم هناك ، بما فيها وكالة المخابرات المركزية الأميريكية و ال”اف بي آي” ، والتي تختزل خطابها الكُلِّي في جُملة واحدة ، هي “مصلحة أمريكا”!!
• إحدى أهم نتائج الرؤية الواهمة المذكورة أعلاه – أعني قوامة الولايات المتحدة على نفسها وعلى إسرائيل – هي التصوُّرُ الشائعُ المألوف الذي أصبح من المسلَّمات السياسيّة ، القائلُ أنَّ سبب انحياز الولايات المتحدة ، الكامل، لإسرائيل ، ترتَّبَ على وجود ما أسموهُ بجماعة الضغط  اليهودية في الولايات المتحدة الأمريكية – أو “اللوبي اليهودي” – وقدراته الإستثنائية ، بفضل التنظيم والإحتشاد والتفاني ، على التأثير الفاعل في سياسات ومواقف وانحيازات الإدارة الأمريكية ، لصالح إسرائيل ، وضد أعدائها ، وهذا الوهمُ الكبير هُو ما جعل أصواتاً مسلمة وعربيّة مخلصة وصادقة ، ولكن حائرة ، ترتفع بالدعوة إلى الإقتداء باليهود ، واستثمار الوجود الإسلامي والعربي الكبير في الولايات المتحدة الأمريكية ، في تكوين قوة ضغط  مشابهة لما يمثله اللوبي اليهودي المزعوم ، وهؤلاءِ يستشهدون  بالإحصائيات الدقيقة التي تؤكد أن الوجود المسلم والعربي في أمريكا يساوي أضعاف أضعاف الوجود اليهودي هناك ، وأنَّهُ لا ينقُص اللوبي الإسلامي والعربي في أمريكا – لكي يتفوق في تأثيره على اللوبي اليهودي – سوى بعض التنظيم والترتيب والتعبئة !!
• هذا ، وقد مضى بعض المخلصين من المسلمين والعرب هناك يحاولون إنزال هذه “التوصية” إلى أرض الواقع ، وإطلاق اللوبي الإسلامي في أمريكا ، وربما اكتشف القليل منهم – حتّى الآن – أن هذه المهمّة عبثٌ خالص ، يُشبه في كثير من الوجوه ، محاولات “أبو الدرداق” (تلك الدويبة المتّهمة بخطبة القمر وتحمُّل مهره ) في تنظيف الأرض من القاذورات !!
• الأمر لا شأن له ، أصلاً ، بجماعات الضغط ، لأن دولة بالغة عاقلة ، مهما بلغ غباؤها ، لن تُسمِحَ لجماعة من الجماعات مهما عظم شأنُها ، أن تُخطِّطَ لها سياساتها ومواقفها ، ما لم تكُن تلك الدولة ، بالأساس ، تُضمِرُ اتخاذ تلك السياسات والمواقف ..
• أما الواقع ، فهُو أنَّ توجهات الإدارة الأمريكية – منذُ أن وُجدت إسرائيل – ظلّت هي توجُّهات إسرائيل (الفِكرة) تجاه إسرائيل (الدولة) .. يعني ، إسرائيل رُسمت وصُمِّمَت كفكرة مقدسة ، في أمريكا ، قبل أن تُرسَمَ كدولة على الأرض ، وظلَّت الفكرة ، وسوف تظلُّ لعقود طويلة ، أكثر رحابة وراديكالية من الدولة ، وأحرص على الوجود  والإستمرار من الدولة ، ولكنّ فكرة إسرائيل ليست هي التي تُساند وتحمي “دولة” إسرائيل ، العكسُ هُو الصحيح ، فإسرائيل الدولة هي التي تحمي – في الواقع – إسرائيل الفكرة ، التي تُمثِّلُها الإدارة الأمريكية بتوجهاتها المعهودة ، بل تُمثلُها ، في الحقيقة ، الدولة “العُظمى” المسمّاة أمريكا .. الذين يظُنُّون أن وجود إسرائيل  رهينٌ لوجود أمريكا ، يقلبون الحقيقة ، التي هي أن وجود أمريكا هو المرهون لوجود إسرائيل ، وحين تُدافِعُ أمريكا عن إسرائيل فإنها ، في الواقع ، تُدافِعُ عن وجودها  أولاً وقبل كل شيء ..
• لا ينبغي أن نظل أسرى التصوُّر الذي حمل الرئيس المصري الراحل أنور السادات على إيقاف حرب رمضان في اللحظات الحاسمة ، وإجهاض النصر ، حين توهَّمَ أنَّ استمرارهُ في الحرب وقضاءهُ على إسرائيل يعني مواجهة أمريكا !! لم يجد الرجُلُ حينها من يفتح بصيرتهُ على أن أمريكا التي يعرِف لن تظل باقية – ولو لدقيقة واحدة – بعد ذهاب إسرائيل !!
• أمريكا تفهَمُ أن سِرَّ وُجودها وسِرَّ قُوَّتِها ، هو “إسرائيل” .. بقي علينا – نحنُ – أن نفهَمَ ذلك !! هل أبدُو مفهُوماً يا صاح؟؟؟..
• ليس ضرورياً الآن ، أن أكون مفهوماً .. فكل ما قرأتموه أعلى هذا السطر الأخير ، كتبتُه قبل عقدين من الزمان، أما اليوم ، فالمعنى الذي تستهدفه الفقرات أعلاه ، تفصحُ عنه تحرُّكات أمريكا و لهفتها التي لا يخطئها عقل ، على التطبيع مع دويلة إسرائيل ، و ليس ضرورياً ، لدى الدولة التي تسمي نفسها “أم الديمقراطية” أن يصادق على التطبيع برلمانٌ منتخب، بل يكفيها فقط أن يصادق على التطبيع ضابطان عسكريان شاركا في حكومة الثورة بقوة السلاح ، و رئيس وزراء مغلوب على أمره.
• الديمقراطية في السودان ليست مطلباً أمريكياً ، و حُكم العسكر ، حتى لو كان حُكماً فاسداً و دمويَّاً ، ليس مرفوضاً  أمريكياً ما دام يؤدي إلى التطبيع مع دويلة الصهاينة.

‫2 تعليقات

  1. … بعدكل هذا الوقت الذي مضى على إعتراف العالم و العرب بدولة إسرائيل، من المؤسف أن نقرأ عبارة الكيان الصهيوني و دويلة إسرائيل، كأننا نعيش في عام 1948 أو كأننا نستمع لجمال عبد الناصر،، عجيب يا رجل.

  2. لن يتبدل الحال، طالما مُعظم، إن لم يكن كل حكام العرب، يخافون من شعوبهم بسبب ظلمهم لها، مما يدفع أمريكا للإصطياد في الماء العكر، بإكراههم علي الموافقة علي كل ما تريده هي، مقابل توفير الحماية المدفوعة لهم !!!!!!!

    زد علي ذلك، فإن غياب الديموقراطية في العديد من هذه الدول، أو إختزالها فقط في مجرد إنتخابات غايتها الحصول علي أغلبية ميكانيكية، دونما إعتبارات للمضمون الإجتماعي، الإقتصادي، الثقافي، الذي يحقق العدالة والإنصاف لكل مكونات المجتمع، الأمر الذي يحصر إتخاذ القرارات في فرد وأحد، أو مجموعة محدودة، منفصل/ة عن شعبها !!!!!

    إن جوهرة تاج الديموقراطية، هو عدم الإفلات من العقاب، فإن أفلت مذنب وأحد، يُصبح الحديث عن سيادة حُكم القانون، مجرد هراء !!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..