مقالات وآراء

مسلسل الرسوم ،سوء الإخراج ، وسذاجة ردة الفعل

طارق يسن الطاهر

أعادت فرنسا ما سبقتْها عليه الدنمارك من قبل ، ونحن المسلمين أعدنا ردة فعلنا السلبية نفسها التي فعلناها أيام الدنمارك ، لا هم غيروا طريقتهم ، ولا نحن طورنا أسلوبنا.

مصطلح “رسوم مسيئة” الذي يردده المسلمون كثيرا ، أراه مصطلحا غير ملائم ، وفي غير مكانه ، هذه الرسوم الكاريكاتورية لا تسيء للرسول صلى الله عليه وسلم ، رسول نبي من عند الله ، مرسل للعالمين كافة ، كيف يسيء له رسم؟! ، رجل كفاه الله شرور المستهزئين بنص القرآن :” إنا كفيناك المستهزئين” ، رجل عصمه الله بنص كتابه الكريم ،”والله يعصمك من الناس” .

زكى الله عقله فقال (ما ضل صاحبكم وما غوى)
و زكى نطقه فقال (وما ينطق عن الهوى)
و زكى شرعه فقال (إن هو إلا وحي يوحى)
و زكى معلمه فقال (علمه شديد القوى)
و زكى فؤاده فقال (ما كذب الفؤاد ما رأى)
و زكى بصره فقال (ما زاغ البصر وما طغى)
و زكى سمعه وأذنه فقال(ويقولون هو أذن قل أذن خير لكم)
و زكى استقامته فقال(مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى)
وزكى ذكره فقال (و رفعنا لك ذكرك)
و زكى خلقه فقال (وإنك لعلى خلق عظيم)
و زكاه كله فقال (وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين)

نبي بهذه التزكية الكاملة ظاهرة وباطنة ، كيف يمكن أن يسيء له رسم كاريكاتوري في ضواحي باريس أو في قلب الدنمارك؟!

الكلب ينبح والقافلة تسير ، ولو تحول العالم كله لكناسين ليغبروا السماء ،ما وصل غبارهم السماء ، بل ارتد إليهم ليعفّر رؤوسهم ووجوههم.

علينا -نحن المسلمين -اتخاذ خطوة الفعل، وليس انتظار فعل الآخر حتى نتخذ ردة الفعل ، هذا هو المهم في تعاملنا مع الآخرين.

كما علينا نحن المسلمين تجاوز ردود الفعل الهشة ،و ترك الأفعال السطحية ، في التعامل مع هذه المواقف، على المسلمين أن يُروا الآخرين الإسلام الصحيح يمشي على الأرض في سلوكنا وأخلاقنا وتعاملاتنا ، وحسن خلقنا ، وكأني بالغرب يتفنن في استفزازانا ، مرة رسوم ومرة حرق مصحف ، حتى يستمتعوا بردات فعلنا الهزيلة ، وحتى ردات الفعل الأخرى –مثل قتل المعلم الفرنسي – فهي عنيفة ،وتسيء للمسلمين أكثر من خدمتها للإسلام ، فليحرقوا كل يوم مصحف ، فالقرآن ليس ورقا، وإنما كلام الله المحفوظ في الصدور المتعبد به ، وتعهد الله بحفظه : ” إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون”.

طاف النبي صلى الله عليه وسلم حول الكعبة وبها أصنام ، ولم يأمر بتحطيمها ؛ لأنهم كانوا قليلين مستضعفين؛ فمقاصد الأمور تقول إنه ليس الوقت المناسب لذلك ، والخسائر ستكون أكبر من المنافع ،وحين تبدل الحال وقوي المسلمون، وكثر سوادهم دخلوا مكة بعشرة آلاف رجل ، ساعتئذ حطم النبي صلى الله عليه وسلم الأصنام .، ولنتعلم من ذلك أن فعلك قد يكون صحيحا ، لكن وقته غير صحيح.

فلترسم فرنسا ما تشاء ، وليرسم الجميع ما يشاؤون ، وليقيموا معرضا للوحاتهم هذه ، ولكن علينا نحن المسلمين عدم التفاعل السلبي مع ذلك ، وعلينا تجاهل ما يفعلونه ، وكثير من الأمور تكون إماتتها بالتجاهل ، ولنتعظ من قصة سلمان رشدي ، حين نشر كتابه ” آيات شيطانية” في أواخر الثمانينات من القرن الماضي ، كاتب مغمور ،لم يكن شيئا مذكورا ، ، نشر كتابا سيئا تجرأ فيه على ثوابت الدين ، كان يمكن للكتاب ألا يباع ، وكان يمكن لسلمان رشدي ألا يعرفه أحد ، لكن تطوعت إيران وعرضت مبلغا كبيرا من المال لمن يقتل سلمان رشدي ، هنا بدأ الجميع يتساءلون عن الكاتب، وعن الكتاب ، وانتشر الكتاب واشتهر الكاتب ، ولولا تصرف إيران ما سمع أحد لا بالكاتب لا بالكتاب .

علينا الاستفادة من التجارب السابقة ، وعلينا تطوير وسائل دفاعنا ، لأن الآخر يتطور ، فالجمود ، وردّات الفعل الساذجة تجعلنا سخرية لدى الآخرين ، و لا تحقق لنا أية نجاحات، فقد قيل : من الغباء أن تتصرف بالطريقة نفسها مرتين ، وتنتظر نتيجة مختلفة .

فلماذا نغضب من فرنسا حين رسمت رسما ظنته مسيئا ، فهي ما فعلت إلا ما تمليه عليها عقيدتها الكافرة بنبينا – وليس بعد الكفر ذنب – فلماذا لا نتعامل نحن بعقيدتنا المؤمنة بنبينا ونبيهم؟

طارق يسن الطاهر
[email protected]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..