توجيهات الرئاسة

كثيراً ما تطالعنا الصحف أو القنوات الفضائية بأخبار الرئاسة وهي توجه المسؤولين للقيام بعمل ما هو من صميم واجباتهم، إما بسبب الشكاوى التي وصلتهم أو المشاكل التي حدثت نتيجة التقصير والإهمال والفساد. وتحضرني في هذه اللحظة بعض العناوين التي نشرتها الصحف في أوقات مختلفة وتقول، الرئاسة توجه بمضاعفة ميزانية الصحة إلى 400% وزيادة ﺍﻟﺼﺮﻑ ﻋﻠﻰ ﺧﺪﻣﺎﺕ ﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﺼﺤﻴﺔ ﺍلأﺳﺎﺳﻴﺔ وﻤﻨﺢ ﻣﺴﺘﺸﻔﻰ ﺍﻟﺸﻌﺐ ﺍﻟﺘﻌﻠﻴﻤﻲ ﻣﺒﻠﻎ 3 ﻣﻠﻴﺎﺭﺍﺕ ﺟﻨﻴﻪ ﻟﻤﻌﺎﻟﺠﺔ ﺍﻟﻤﺪﻳﻮﻧﻴﺎﺕ، ولم يحدث شيء حتى الآن، الرئاسة توجه بمحاسبة أي مدرسة تفرض رسومًا على الطلاب والتلاميذ ولم يتغير الحال، الرئاسة توجه بتحسين معاش الناس وزيادة الأجور بما يتوافق مع المصروفات ولا جديد، الرئاسة توجه بمعالجة معوقات الاستثمار في البلاد وما زال المستثمرون يتخوفون، بل ويسمون الاستثمار في السودان مغامرة، الرئاسة توجه بحل مشاكل الشباب، ولم تحل لهم مشكلة بل ازدادت وتعقدت حتى أصبحوا يصابون بالضغط والسكري والأمراض النفسية بسبب الضعف وقلة الحيلة، هذا غير التوجيهات الأخرى التي إن حصرناها سندخل بها موسوعة غنيس للأرقام القياسية.
تلك التوجيهات إن تم تنفيذها من باب المسؤولية لكان السودان اليوم في أفضل حال، ولكن لأن أولئك المسؤولين لم يشعروا بالمسؤولة من تلقاء أنفسهم، فلن يفيد فيهم التوجيه من الرئاسة و(المحرش ما بكاتل) ومن لم يلتزم بتوجيهات ربنا لن يلتزم بأية توجيهات أخرى.
هذه التوجيهات الكثيرة والمستمرة من قبل مؤسسة الرئاسة لا تحدث في أية دولة في العالم إلا السودان، وهذا الأمر يعكس خللاً كبيراً في سياسات الدولة والنظام الذي تدار به، ويعكس خللاً أكبر في اختيار المسؤولين التنفيذيين، فدول العالم تعتمد على سياسات محددة تنفذ بدقة من قبل مسؤولين يتم اختيارهم أيضاً بدقة، وكل مسؤول يعرف حدود صلاحياته لا يزيد عليها ولا ينقصها ولا مجاملة إن أخفق، ولذلك لا نسمع أبداً أن المواطنين يشتكون لمؤسسة الرئاسة أو أن المشاكل تستفحل حتى تأتيها بقدميها فتضطر حسم الأمر بنفسها.
بالأمس فقط حملت الصحف في عناوينها العريضة، توجيهاً رئاسياً بخفض التضخم، وبغض النظر عن أية تفاصيل، معلوم أن التضخم عرض لمرض، وإن لم يعالج المرض لن يختفي العرض، وليس هناك مواطن لم يتحدث عن هذا الموضوع ويقدم للمسؤولين من الاقتصاد النصح والإرشاد، ولكن كلام المواطن (ما بنسمع)، وها هو التوجيه يأتي من الرئاسة للمسؤولين عن الاقتصاد، ولكنهم لن ينجحوا فالبلد لم تعتد تحتمل تجاربهم وأصبح لا بد من آخر العلاج، الكي بالنار.
إن كان هناك مسؤولون يحترمون التوجيهات التي يقرها القانون والدستور والدين لما استمر التضخم ولا أية مشكلة أخرى، ولما احتاجت الرئاسة لصرف التوجيهات بكرم وسخاء، وهي اليوم أحوج ما تكون إلى معالجة الخلل الذي يجعلها كل مرة توجه وتعيد التوجيهات دون فائدة، والخلل يكمن في نظام الدولة كله وطريقة إدارتها ونوعية المسؤولين، لا بد من تغيير جذري.
“التيار”
يديك العافية.
يديك العافية.