أطفال في عتمة الواقع السياسي ..؟!

سفينة بَوْح

بمركز راشد دياب للفنون الذي أصبح ملاذاً ثقافياً وفكرياً يسدُ عجز وزارة الثقافة عن التعبير الوافي لحاجة المجتمع السوداني من إستنارة وتوعية ، تم تدشين وإعلان قيام المنظمة الوطنية لحماية الأطفال ، وذلك عبر ندوة كان عنوانها (منأى الأطفال) ، وللحقيقة شد ما أثار إنتباهي الشعار أو المصطلح الذي جعله الدكتور راشد مضموناً عاماً لقضية الطفل في السودان ، فبالفعل إذا نظرنا بتمعُّن إلى حال أطفالنا وجدناهم بلاشك في (منأى) عن كل المؤشرات الإيجابية المُتعلِقة بواجبات الإعداد والتربية السليمة وضروريات الحصول على الأمان ، ورغم خوفي من الذين يتهمونني بإقحام ما يسمونه (سياسة) في كل شاردة وورادة ، إلا أنني وإنطلاقاً من قناعتي التي لا تقبل الشك في كون السياسة هي جزء لا يتجزأ من الموروث الثقافي العام وهي في ذات الوقت محط إصدار الخطط والتوجهات التي يُفترِّض أن تنتج الواقع المعاش ، أجدني مضطراً لأن أقول أن حكومة الإنقاذ حين أنقذت نفسها وكوادرها وسدنتها ومُطبليها ، قد فات عليها في غمرة الإنتشاء بالجاه و السلطة أن تُنقذ أطفال السودان مما عانوه وما يعانونه من ويلات الفشل السياسي والإقتصادي والإداري والفني بالقدر الذي جعل الطفل السوداني أكثر المتضررين والدافعين لثمن ما يحدث الآن من طوفان ، فحين تغفل الدولة عن متابعة آليات تفعيل قانون الطفل الأخير ليكون أداةً فعَّالة لكبح جماح الإعتداءات الجنسية على الأطفال والتي أصبحت ظاهرة لا تخطئها عين متابع ، وذلك خوفاً من تشويه الصورة العامة للحالة الأمنية والأخلاقية لمجتمع مزَّقته الحروب والتناقضات الفكرية والثقافية والسياسية والإقتصادية ، فسوف لن يكون هناك على الدوام ضحايا في هذه المعركة سوى أطفال السودان ، وحين لا يكون لموضوع غذاء وإستشفاء ودواء الطفل خصوصية تدفع بالدولة إلى إستثنائه من موجة تنصلها عن واجباتها تجاه الوطن والمواطن وترك مصيره الصحي على المستوى النفسي والبدني في موجة هيجان العملة الصعبة وطموحات مستوردي الأدوية والأدوات الطبية ، سوف لن يكون لذلك معنى غير أن دولتنا وحكومتنا الحالية لا تُلقي بالاً لإستراتيجية رفد المستقبل الآتي بمواطنين أصحاء وقادرين على العطاء ، وحين تهييء الدولة البساط ممدوداً والباب موارباً بلا كابح لمافيا منظومة التعليم الخاص حتى ترتاح وزارتها التربوية من عبء تمويل صيانة المدارس الحكومية ورفدها بحاجيات الإجلاس والمعينات اللوجستية والرفع من المستوى المادي والمعنوي والمهني لمعلميها أو ربما تشبثاً بالفوائد المادية المُتمثِّله فيما تدفعه المدارس الخاصة من رسوم ترخيص لخزينة وزارة التربية ، يكون حينها لا منظور لدينا أصدق من دفع حكومتنا مع سبق الأصرار والترصُد لأطفال الغُبش والبسطاء إلى مهالك الجهل والظلام السرمدي ، وحين لا تدعم حكومتنا مادياً ولا معنوياً المنظمات والبرامج والبروتوكولات المُتعلِّقة بصحة الطفولة في مجال ختان الإناث ومخاطر الزواج المبكر للفتيات ومشكلات سوء التغذية في مناطق الحروب والنزاعات وقضايا صحة الأمومة ، ولا تلتفِت وزارة الصحة إلا للمصالح الشخصية والذاتية المتعلِّقة بتجفيف المراكز الإستشفائية العامة لصالح القطاع الخاص ،فضلاً عن التفرغ التام لتصفية الحسابات المهنية على المستوى الإداري والفني و(التمكيني) ، نكون فعلاً قد وصلنا بأمر الطفولة في السودان إلى نهاياته المُظلمة ، فالطفولة هي المهد الثاني لصناعة الإنسان بعد خلقهُ من قِبل إلهٍ بديع مجيد ، ومهما تطوَّرت وتفاعلت منظمات المجتمع المدني وإجتهدت وثابرت ، فلا كابح للإنهيار الذي يحدث في أمر إستحقاقات الطفل السوداني إلا إذا تبع ذلك إيمان تام من الدولة بأن (الإنسان) هو غاية التنمية ومِعوَّلها وقلبها النابض.

صحيفة الجريدة

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..