نظرية الحاج ادم

كاد الحزب الشيوعي السوداني ان يقولها وللمرة الثانية “حضرنا ولم نجدكم” وذلك في محاولاته لتبرير ما اسماه الحزب بحالة التراخي والخنوع التي صاحبت تنفيذ فكرة العصيان المدني فعلي ذمة التقارير التي نشرت امس ان الرفاق عكفوا في اجتماع خاص علي دراسة وتقييم تجربة العصيان التي شهدتها الايام الفائتة فكانت خلاصة التقييم ان هذه التجربة تعرضت الي ما هو اشبه بالخذلان من القوي الحزبية التقليدية التي كانت قد راهنت ايضا علي خيار الشعب لكن يبدو ان هذا الشعب ربما لم يجد في المعارضة ما يمكن ان يكون قائدا ملهما لقيادة الدولة في مرحلة ما بعد الانقاذ .
لكن الواضح في تجربة الحزب الشيوعي السوداني انه لم يكن يبني رهانا قويا علي تحالفاته السياسية والحزبية في محاولاته لقيادة مواجهاته مع الانظمة والحكومة وانما كان دائما ما يلجا الي اساليبه وخططه (العقائدية) الخاصة وبالاعتماد الكامل علي الطبقة العاملة من المهنيين والزراع والصنايعية , فلماذا اذن يراهن الان علي حلفائه في القوي الحزبية المعاضة فهو رهان خاسر لان هذه القوي لم يكن من بين خياراتها للوصول الي السلطة ان يتحرك الشارع لاسقاط الحكومة فالمعارضة بما فيها التي تقف خارج حلف الحوار الوطني هي في نظر الحكومة (قوة ناعمة) لا تخيف الحكومة اما الحزب الشيوعي فقد ظل هو ثابتا علي مبدأ اسقاط الحكومة عبر خيار الانتفاضة الشعبية ولهذا ربما يفكر الحزب الشيوعي منذ الان للبحث عن حلفاء جدد يتفقون معه تماما من حيث الفكرة والمبدأ والتنفيذ لاحداث هذا التغيير عبر الية الشارع حتي لا يخرج الحزب للراي العام السوداني وللمرة الثالثة “حضرنا ولم نجدكم ”
مشروع للبيع
دائما ما تتحدث الدولة عن اصلاحات ومعالجات نظرية لمشروع الجزيرة حينا تكتبها علي اوراقها الخاصة وتركنها في مكاتبها ودواليبها وحينا اخر تطلقها علي الفضاء هكذا فتتلقفها الاسافير والفضائيات والميديا الجديدة وفي الحالتين فان هذه الاصلاحات هي اقرب الي “السكرة” او الانفعالات المزاجية لا اساس لها من الحقيقة ولا الواقع الا بالقدر الذي يستوعب مطلوبات والتزامات هذه الحالة المزاجية .
هكذا صممت الحكومة وانتجت اكبر سيناريو للخديعة والتسويف بمشروع الجزيرة ففي اكثر من مناسبة جاهرت الحكومة وتعهدت واقسمت واعلنت بان مشروع الجزيرة سيعود با قوي مما كان بل مضت الي ابعد من ذلك حينما وصفت مشروع الجزيرة بانه ركازة السودان ومطمورة الاقتصاد الوطني ولكنها اي الحكومة عادت وانتكست وسحبت توصيفاتها القديمة واستعاضت عنه بتوصيف اخر كان بمثابة الصدمة علي اهل المشروع فوصفته بانه العبء والثقل الاكبر الذي ظل علي عاتق الدولة السودانية واقتصادها وجاثما علي خزينتها منذ حقبة السبعينيات .
ولكن الحكاية لن تنتهي هنا فقط فبالامس بدأ مسلسل اخر من الاغتيال لمشروع الجزيرة الي الابد حينما اقدمت ادارة “سمساعة” الي تنفيذ فكرة رهن الاصول الثابتة والمتحركة للمشروع وهي المباني والمخازن والعربات والسرايا في كل من بركات وبورتسودان لتوفير ما قيمته 341 للبنك الزراعي حتي يقتنع هذا البنك بفكرة تمويل مزارعي القمح بالجزيرة , اما الادهي والامر ان البنك الزراعي الذي كان يرجي منه الدفع بالعملية الزراعية الي افاق التقانة والحداثة والتطوير ولكنه ربما يتراجع عاما بعد اخر في هذا المنحي فهو الان ياتي بفكرة “المطامير” وهي التي وصفت بعبقرية مزارعي القرن الثامن عشر لتخزين انتاجه الكثيف من محصول الذرة فما الذي يمنع الدولة ان تقيم عشرات الصوامع العملاقة لتخزين الانتاج الزراعي بكل اصنافه في بلد زراعي عملاق والسؤال هنا ..كم تصرف الدولة من دولاراتها لاستيراد الخيش او بالاحري الجوالات الفارغة ؟ ثم ما هي هذه الجهات التي تحتكر هذه “الفضيلة” وتقف في ذات الوقت سدا منيعا ضد فكرة انشاء الصوامع والمخازن الكبيرة ؟ .
انهم يحصدون “اسفا”
في منطقة العكد بنهر النيل وما جاورها من عموم اهل الدامر وعطبرة واريافها المتناثرة قضية وشكوي لن تنقطع جراء ما يعانيه المواطنين هناك من الاثار السالبة لمخلفات و ملوثات صناعة الاسمنت التي تتميز بها ولاية نهر النيل وتجعل اراضيها واستثماراتها تحت رحمة عدد من مصانع الاسمنت .
كم من الاتفاقيات والتعهدات والالتزامات التي قطعها اصحاب هذه المصانع المنتجة للاسمنت لمعالجة ما يمكن ان يكون مهددا لحياة المواطنين ويجلب عليهم مخاطر التلوث والامراض وانهيار البئة الصحية فالحياة هناك بات يهددها ويقلقها وجود هذه المصانع بل ان قري ومناطق نهر النيل المتاثرة سلبا بهذه الصناعة لم تستفد من هذه الصناعات بالقدر الذي يعينها في خدماتها وتنميتها بحدها الادني رغم ان التعاقدات الخاصة بتاسيس هذه المصانع تواثقت علي ضوابط وجزاءات واشتراطات وحددت كذلك نسب ومقادير من المسوؤليات الاجتماعية والخدمية التي يمكن ان يفي بها اصحاب مصانع الاسمنت لصالح المجتمعات الاهلية هناك والتي تقوم المصانع داخل اراضيها .
والذي حدث حقيقة لاهل منطقة العكد منذ تاريخ بداية انتاج هذه المصانع يحدث الان بذات السيناريوهات في مناطق البترول وبالاخص في مناطق غرب كردفان وغيرها من مناطق السودان التي تتوفر فيها مشروعات للبترول حيث يشكو مواطنيها من الملوثات الاشعاعية والبيئية التي تصاحب عمليات التنقيب والانتاج والنقل والتصنيع ولكن يبدو واضحا ان معظم المناطق التي تنتج البترول اصبح البترول فيها كنغمة اكثر من كونه نعمة علي المجتمعات المحلية لان الحكومة المركزية ربما اوكلت مهمة توفير البنية الخدمية والتنموية الي منظومة الشركات والجهات التي تعمل في مجال البترول وعبر اتفاقيات حقيقية الا ان هذه الشركات فشلت علي ما يبدو في الايفاء بما عليها من التزامات فظلت هذه المجتمعات بلا وجيع فقيرة وبائسة وهي علي سطح الارض ولكنها ذات ثراء وغناء بما تحمله في جوفها من نفائس وكذا هي دائما مشروعاتنا القومية كشجر الدليب ضنينة بظلها علي القريب وترمي باطيب الثمر للبعيد ولهذا اصبح هناك صراعا ازليا ما بين المركز والاطراف البعيدة من السودان فيما اصطلح عليه سياسيا بصراع “المركز والهامش” .
والصورة ذاتها يمكن الاستدلال بها او مقايستها بقضية اخري مماثلة ففي مناطق جنوب امدرمان افلحت بعض الشركات التجارية في ان تهدم اركان (جبل طورية) وتغوص اليات هذه الشركات داخل اعماق هذا الجبل وتستغل موارده وتربته الصخرية والجيرية في رصف عشرات الكيلومترات من الاسفلت بالاضافة الي الاستخدامات الاخري داخل ولاية الخرطوم بحضرها وريفها ولكن يظل الريف الجنوبي بامدرمان لوحده يلعق جراحاتها ويتاسي علي نعمة جبل طورية الذي اوشك علي التلاشي دون ان تعود منه اي خدمة تنموية لصالح مجتمعات مناطق الصالحة وماجاورها ولكنها تحصد اصفار من الاسف والمخاطر والامراض والملوثات حيث لا رقيب ولا وجيع , ولكن الاخطر من كل ذلك حينما تتحدث لجنة الطاقة بالبرلمان عن فتح بلاغات ضد شركات التعدين لتجاوزاتها بالاعتداء علي مناطق التعدين التقليدي .
نظرية الحاج ادم
ما الذي يقنع النائب الرئاسي السابق الحاج ادم يوسف بان “الوفرة” او ذيادة الانتاج لا تعني بالضرورة كبح جماح الاسعار ولا هي بالالية التي يمكن عبرها ان يحصل كل مسكين او فقير جائع علي السلعة التي يريدها من ضرورياته وبسعرها الادني ؟ لو ان الحاج ادم الي اي سوق يجاوره او الي اي بقالة في الحي الذي يسكنه فانه سيفاجأ بسقوط ادعائه هذا الذي اطلقه في صحافة الامس حينما توهم الرجل بان الغلاء يمكن علاجه بذيادة الانتاج فنظرية العرض والطلب في السياسة التحريرية تحتاج الي عامل اخر يحفظ توزان الاسعار وبالاخص للسلع الضرورية وهذا العامل هو الدور الرقابي الذي غابت عنه اليات السوق واهملته الحكومة فانفرط عقد البيع والشراء في اسواقنا المحلية فانتعشت “مافيا” السلع واستقوت ثم طغت وتجبرت وبالتالي لم يعد هناك منطق يسند فكرة ان ذيادة الانتاج تحد من ارتفاع الاسعار اذا انعدمت الرقابة علي الاسواق .

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..