في تشاد.. طالبان جامعيان يبتكران على طريقتهما مدرسة لتعليم أطفال بدويين


ويعتبر الدخول إلى المدرسة إجباريا في تشاد في سن السادسة لكن الفوارق في القدرة على الحصول على التعليم تبقى كبيرة. فحسب تقرير لسنة 2017 للمخطط الانتقالي للتعليم في تشاد، الذي أقرته الحكومة لتحسين أداء النظام التعليمي في البلاد، فإن نسبة الأطفال الذي يدخلون المدارس في جيل واحد هي في حدود 64 بالمائة. وحسب هذا التقرير، فإن هذا الرقم لم يتغير منذ عشر سنوات. ومن بين أسباب ذلك، بقي نقص البنية التحتية المدرسية على حاله خاصة في الوسط الريفي.
ويبقى الدخول إلى المدرسة أصعب للأطفال الرحل فقد انحصر تطور النظام المدرسي وسط مناطق حضرية لأسباب متعلقة خصوصا بالاستقرار.
“لقد كانوا يعتقدون أنني أمزح… إلى حين رؤيتي قادما بسبورة”
نا طالب ماجستير في علوم التربية في جامعة ياوندي، في الكاميرون، وعدت في نهاية السنة لإعداد رسالة الماجستير. وفي شهر نوفمبر، التقيت ببدويين رُحّل استقروا غير بعيد عن قريتي ولاحظت أن الأطفال لا يذهبون إلى المدرسة خلال النهار بالرغم من أن العودة المدرسية بدأت هنا منذ تشرين الأول/ أكتوبر. لقد جلب الأمر انتباهي: فبالنسبة إلي، إذا لم نتحرك، فسيكون لدينا أميون محتملون بعد عشرين عاما.
اقتربت من آبائهم لمعرفة سبب عدم ذهابهم إلى المدرسة. وعلمت أن كثيرا منهم لم تطأ قدماه يوما مدرسة. وذلك بسبب عدم وجود مدرسة في منطقتهم وبسبب عدم تقبل آبائهم لفكرة إرسالهم إليها: لديهم أفكار مسبقة ولا يعلمون إلى اليوم فائدة التعليم.
هؤلاء البدويون هم من مربي الماشية ولا يعيشون في مكان بعيد عن نجامينا. عموما، يرحلون نحو ماساغيت، في وسط البلاد، عندما تبدأ الأمطار بالهطول في شهر تموز/ يوليو ويعودون من حيث أتوا بعد شهرين ونصف. لم يكن لدي اتصال بهم في السابق. يتحدثون العربية باللهجة التشادية وتعلم بعضهم الكتابة بالأحرف العربية، ومن المرجح أن يعود الفضل في ذلك إلى المدارس القرآنية. في كامل المخيم، يوجد شاب فقط في الثامنة عشرة من عمره تعلم في المدرسة.
عندما قلت لهم إنه بإمكاني تعليم أبنائهم الكتابة والتكلم والحساب باللغة الفرنسية، أبدى أهلهم اهتماما. كما تمكنت من التحدث مع زعيمهم الذي يُطلق عليه “بولامة”. وقبل أن أقدم دروسا للأطفال. أعتقد أن كلهم تصوروا أنني كنت أمزح وعلموا بجدّيتي عندما شاهدوني قادما ومعي سبورة وأخذت مكانا تحت شجرة”.


دروس يقدمها مراقبنا في المخيم. صورة أرسلها ليونارد وتونيغ غامايسي
“غالبا ما كانت الأجواء مرحة، كل يوم هو بمثابة حفلة”
قدم صديقي بيكاملا دجونغيانغ وهو طالب في علوم التربية أيضا لمساعدتي. صنعت سبورة سوداء بنفسي وعندما سأكون بحاجة إلى طباشير سأقوم ببعض الأعمال الصغيرة في المدينة للحصول على المال. منذ شهر نوفمبر، نقدم الدروس من الإثنين إلى الجمعة. لكننا اضطررنا للتوقف في أذار/ مارس بسبب الجائحة قبل أن نستأنف الدروس مؤخرا.يوجد 146 طفلا في المخيم ولكن هناك أربعون إلى خمسين طفلا ما بين سن السادسة والرابعة عشرة ممن يتلقون الدروس. كان الأمر معقدا بعض الشيء لأن عددا منهم يذهب مع أهله لرعي الغنم في المدينة. نلتقي في السابعة صباحا ويجلسون على الأرض لتلقي الدروس إلى الحادية عشرة صباحا. في معظم الوقت، كان الجو مرحا، فالأطفال متحمسون بشدة. كل يوم هو بمثابة حفلة. إنه التزام بالنسبة إلي لأن الجو يكون بادرا أحيانا في الصباح خصوصا في شباط/ فبراير… ولكن عندما نصل ونرى الأطفال في الخارج بانتظارنا، يعطينا ذلك الرغبة في الاستمرار.في بعض الأحيان، يأتي بالغون للاستماع إلينا. الكل فهم أن ترك الأطفال يتعلمون يمكن أن يساعدهم. على سبيل المثال، عندما يشتري الآباء دواء، لا أحد يستطيع قراءة نصائح الاستعمال.
قلت لزعيم المخيم أنه يجب التقرب من السلطات ورافقني للقاء العمدة. في النهاية، لم يتمكن العمدة من مساعدتنا لأن البدويين يعيشون على أراضي الدولة ولا يمكنه إعطاء تصريح ببناء مدرسة. لدينا الحق في إنشاء مدرسة قابلة للتفكيك ولكننا لا نملك الإمكانيات لذلك.
توجهت أيضا إلى وزارة التربية لتقديم المشروع بالصور ومقاطع الفيديو التي بحوزتي. لكنهم لم يتمكنوا من مساعدتي أيضا. يبقى من الأحسن أن ننشئ جمعية حتى نعثر على تمويل.”

سينتهي العام الدراسي قريبا وآمل أن نستأنف الدراسة في أكتوبر. سيكون عليّ لقاء متفقد بيداغوجي للحصول على المقررات الرسمية وكي أكون في تطابق معها في السنة المقبلة. هذا العام، المهم أننا علمنا الأطفال القراءة والحساب بالفرنسية. كما علمناهم أيضا بعض المفاهيم في اللغة العربية.
أنا أملك رغبة في الاستمرار في هذا المشروع. لقد شارفت على إنهاء رسالة الماجستير ويجب علي العودة إلى ياوندي لمناقشتها. إذا حصلت على الدبلوم، أريد أن أعمل كمدرس في المنطقة ولأتطوع في تقديم دروس في المخيم أيضا. على المدى الطويل، أرغب في الاقتراب من مناطق أخرى لتميكن الأطفال البدويين في البلاد من إمكانية الذهاب إلى المدرسة.
