رياح أكتوبر.. أوراق “التسوية” تتناثر بعيداً عن الشوارع

الملف السياسي – عبدالناصر الحاج
في وقت تقول فيه الأخبار الواردة محلياً وعالمياً من عدة منصات إعلامية، بأن المؤسسة العسكرية في السودان اقتربت من وضع اللمسات النهائية لتسوية سياسية بينها و تحالف الحرية والتغيير الذي انقلبت على شراكته في 25 أكتوبر الماضي، إلا أن مواكب أمس الأول 21 أكتوبر التي خرجت في الخرطوم وعدد من مدن السودان الأخرى، أرسلت رسائل أخرى في غاية الأهمية في بريد اللجنة الرباعية والآلية الثلاثية وفي بريد الحرية والتغيير أيضاً، بأن قوى الثورة الحية ترفض أية نوع من التسوية السياسية التي تقود إلى شراكة حكم الفترة الانتقالية مرة أخرى مع ذات القيادات العسكرية التي انقلبت على الفترة الانتقالية، والتي تتهمها قوى الثورة بارتكاب مجازر وحشية في حق الثوار منذ فض الاعتصام وحتى بعد انقلابها في 25 أكتوبر الماضي. ولم تكن ذكرى انتفاضة 21 أكتوبر التي درج الثوار الاحتفال بها، مجرد إحياء لذكرى تاريخية فقط، بل تزامنت هذه المرة مع استمرار الحراك الثوري الرافض للعسكر ورافض لأية تسوية سياسية تؤسس لاحتمالات فرارهم من العقاب وفق ما تقول لجان المقاومة التي تقود الحراك الثوري على الأرض.
تسوية الحصانة
وفقاً لصحف عالمية، منها على سبيل المثال صحيفة (العرب اللندنية)، تقول : ينص الاتفاق المقترح على أن يوافق الجيش على تعيين رئيس دولة غير عسكري، ورئيس وزراء يختاره المدنيون، فيما يمنح شكلاً من أشكال الاستقلال والحصانة للجيش من الملاحقات القضائية، وهي التنازلات التي من شأنها أن تلغي الالتزامات الواردة في الوثيقة الدستورية التي كُتبت بعد سقوط الرئيس السابق عمر البشير. وكذلك نقلت وكالة بلومبرغ عن وزارة الخارجية الأميركية أنّ الاتفاق الذي تتم صياغته قد يساعد في “تشكيل حكومة انتقالية وشاملة بقيادة مدنية مقبولة على نطاق واسع”. وأضافت الوزارة أنّ الحكومة السودانية “يجب أن تكون بقيادة مدنية، وأن توفر العدالة، والازدهار، والسلام”، مؤكدة أنّ “الحكم العسكري ليس، ولن يكون، مستداما”. وشهدت المحادثات التي أُجريت خلال الأسابيع الأخيرة مفاوضات مباشرة بين الجيش وائتلاف “قوى الحرية والتغيير” المعارض، وفقاً لأشخاص مطلعين، بينهم دبلوماسيون. وكان المتحدث باسم تحالف “قوى الحرية والتغيير” شهاب إبراهيم، قال في تصريحات صحفية سابقة، إن اللجنة الرباعية سهّلت المحادثات مع وفد عسكري يضم البرهان ونائبه، الفريق أول محمد حمدان دقلو “حميدتي”، قائد قوات الدعم السريع. وكنقطة بداية للاتفاق، استخدم دستور انتقالي جديد مقترح صاغته نقابة المحامين السودانيين، على الرغم من إضافة عناصر تتضمن تنازلات لصالح الجيش. كما تنص مسودة الدستور الانتقالي على دمج قوات الدعم السريع في الجيش النظامي. وكان المبعوث الأممي للقرن الأفريقي فولكر بيرتس قد قال في تصريحات تلفزيونية الأسبوع الماضي إن الفصائل السياسية “توصلت إلى تفاهم مشترك” بشأن تشكيل حكومة مدنية انتقالية، مع إجراء انتخابات مقررة في غضون عامين. وأيضاً قال عضو المكتب التنفيذي لقوى الحرية والتغيير في السودان خالد عمر يوسف ، إن التيار علم بقبول المكون العسكري بالدستور الانتقالي الذي أعدته نقابة المحامين كأساس لترتيبات نقل السلطة إلى المدنيين، واصفاً ذلك بأنه “خطوة إيجابية”.
رياح أكتوبر
أحاديث التسوية السياسية التي ترعاها أهم دول في المحيط الدولي والإقليمي، فضلاً عن بعثة الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والإيفاد، لم تجد أذناً صاغية ولا حماساً داعماً ومسانداً أوساط القوى الثورية الحية التي ظلت تقود الحراك الثوري الرافض لانقلاب المؤسسة العسكرية في 25 أكتوبر، رغم أن دعم التحول المدني الديمقراطي وقيام حكومة مدنية كاملة هي أهم الدوافع التي تُحرك الشارع الثائر. ويقول نُشطاء أن أية تسوية سياسية مع ذات قيادات المكون العسكري الذي لم يتوانى من قتل الثوار ولم يتردد في الانقلاب العسكري مُمزقاً الوثيقة الدستورية التي أيدها الشارع من قبل رغم علاتها، فهي تعتبر مجرد ذر للرماد على العيون، وأنها لا تعني شيئاً غير نجاح العسكر في شرعنة انقلابهم على أهداف ثورة ديسمبر، وأن كل التعهدات التي بذلوها للمجتمع الدولي بالابتعاد عن السياسية وموافقتهم على قيام حكومة مدنية كاملة، فهي لا تعدو غير أنها مجرد تكتيكات ومناورات سياسية لتشكيل حكومة مدنية يمكن السيطرة عليها تماماً من خلال ما بمسمى بالمجلس الأعلى للأمن والدفاع، هذا بجانب أن أية تسوية يكون المكون العسكري الحالي هو طرفاً فيها، فهي بالتأكيد تجئ لأجل حمايتهم من العقاب من كل الجرائم التي ارتكبوها خلال فترة سيطرتهم على الحكم في البلاد. ووفقاً لبيانات لجان المقاومة والتي اطلعت عليها (الجريدة)، فإن لجان المقاومة أكدت رفضها القاطع لأية مشروع تسوية مع القيادات العسكرية الحالية، وتتمسك لجان المقاومة بضرورة إسقاطهم وتقديمهم لمحاكمات، مؤكدة على انخراطها في التحضير لحراك ثوري واسع النطاق خلال ما تبقى من شهر أكتوبر، خصوصاً في يوم 25 القادم والذي يتزامن مع الذكرى الأولى للانقلاب. ويجد حراك المقاومة الرافض للتسوية، قبولاً كبيراً عند عدد من القوى السياسية والمهنية والنقابية ومنظمات المجتمع المدني وتؤيده تجمعات أسر الشهداء قاطبة.