تطوير الصحافة – نحو مُؤسسات صحفية

بسم الله الرحمن الرحيم

الصحافة في السودان ليست بالجديدة و قصتها معروفة.كان من المرتجي أن تتطور مثلما تطورت الصحافة في الدول المجاورة أو أفضل منها و لكنها قعدت حتي من مجاراة المؤسسات التجارية التي قام عليها رجال بعضهم أُمي و كثير منهم شبه أُمي ! بالطبع الصحف ليست كالمؤسسات التجارية و لكنها جميعاً تحتاج لبيئة مواتية لتنمو و تتطور ? و لعل أهم عنصر في تلك البيئة هو الحرية ! ثم تأتي المبادرة و الإبداع مع الخيال و مواهب للعاملين في مجالاتها ، من تحرير و كتابة و تصوير و غير ذلك .
الإدارة الجيدة و المبدعة هي التي تحول الصحيفة إلي مؤسسة ? مؤسسة يمكنها البقاء و الكفاح في غياب المؤسس.
إذا ما عددنا عناصر النجاح لأي صحيفة أو مواد مكتوبة نجد التوزيع النشط هو من يذهب بها إلي آفاق بعيدة و مع السوق الحر سيتوفر الإعلان للأفضل و الأوسع إنتشاراً و الأكثر إحتراماً ! وهنا تعوزنا مؤسسات إستطلاع الرأي العام التي تؤدي عملها بنزاهة و أمانة لترتب الصحف و فقاً لمؤشرات كثيرات ? منها التوزيع و حجمه و الكُتاب و تميزهم و نوعية القراء فقراء التايمز اللندنية ليسوا كقراء شارلي هبدو الباريسية !
لنأخذ مقومات القوة في الصحيفة لنعززها و من نقاط الضعف للتخلص منها أو للتخفيف من وطأتها ! و بتصور آخر لنحول المشاكل جميعها إلي أهداف ? نسعي لتحقيقها – و هنا أعني الملاك و الإداريين و الصحفيين و الكتاب و غيرهم من العاملين.إذا ما تناولنا التوزيع مثلاً و وجهنا السؤال إلي الجميع ، قد نجد إختلافاً فمنهم من يزعم بأن المطبوع لا يعني ما يتم توزيعه أو بيعه فعلاً ! و هنالك من يتحدث عن نمط جديد من القراءة في السودان و هي القراءة بالإيجار ! إبتكار لا شك فيه جاء نتاجاً للفقر أو الإفقار و لقد شاهدنا قبل يومين عملاً مماثلاً – فقد تم إدخال إيجار الدجاج في منظومة الأعمال المبتكرة و الجديدة ! لك أن تؤجر عدداً من الدجاجات و إذا ما أعجبتك تشتريها و لك أن تعيدها ! كذلك إيجار الصحيفة ? فقد إنتشرت هذه الظاهرة في الأسواق و التجار أهل شطارة ? يمر عليهم بائع الصحف و يأتي بعد حين مستبدلاً ما قرأ القارئ بصحيفة أخري و هكذا يقرأ التاجر الشاطر و غيره من أهل السوق ثلاثة أو أربعة صحف بقيمة صحيفة أو صحيفتين و ربما يحتفظ أحدهم بالصحيفة إذا ما وجد فيها موضوعاً مهماً ? لجأت الصحف إلي ختم الصحف باللصق و لكنه لم يصمد أمام القارئ الذكي ! لذلك إذا ما أرادت الصحف أن يتمسك بها القارئ ، عليها تجويد الكتابة و تأتي بالجديد و بالمفيد و بمواضيع مرجعية ! و علي كل حال قد توزع الصحيفة 10000 عدد و لكن قد يبلغ قراءها 20000 قارئ أو 30000 قارئ و فقاً لحجم الإيجار ! ظاهرةً تستحق التحري !!و مؤشر يصعب قياسه ! أما علي شبكة الإنترنيت فيمكن حساب عدد الزوار في كل ثانية ! وهنا تتجلي الشفافية و تبرز قيمة الصحيفة الحقيقية !لذلك علي الصحف أن تلجأ لتحسين مواقعها علي الإنترنيت و لتجود إخراجها و لتجعلها صديقة ? كما يقول الإفرنج Friendly . ويبقي السؤال ، كيف نزيد من توزيع الصحيفة ؟سؤال سنجد له إجابات عديدة إذا ما عرضناه علي جلسة عصف ذهني !يقول أحدهم “قدموها ? أي الصحف لسائقي الحافلات و ليتم الحساب بعد إنتهاء الرحلة” يقترح آخر “ضعوها مع حراس المباني و المؤسسات الجماهيرية مثل البنوك بإتفاق مع الشركات المخدمة لهم ? زيادة في دخولهم و زيادة في التوزيع و الكل رابح”. يصيح آخر ” أتركوها مع بوابي المستشفيات بأجر معلوم ” الفكرة تُولد الفكرة و هذا جوهر جلسات العصف الذهني ? لإنتاج الأفكار فقط دونما نقد، لاحقاً يأتي ترجيح فكرة علي أُخري.و يقترح أحدهم ” ليتم توزيع الصحف مع باعة اللبن ” و إقتراح أكثر وجاهة ” لتوكل مهمة التوزيع لطلاب الإعلام و أمنحوهم دراجات تُخصم خلال عام” ? دخل إضافي و تدريب و إكتساب معارف بأهل الصحافة و الإعلام- قد تساعدهم في حصولهم علي عمل سريع عند التخرج ! و تُحفزهم علي الكتابة . و هنا يُذكر بالمليونير بوفيت و الذي بدأ حياته في توزيع الصحف . عملٌ شريف يستحق التشجيع. و تتوالي المقترحات لزيادة توزيع الصحيفة بوضعها في محطات الوقود و عند بائعي كروت الشحن و الرصيد و في محلات الإتصالات …وهكذا نستطيع أن نوزع أكثر و قد نتمكن من خفض السعر و زيادة الإعلان وبالتالي الربح و المكاسب!
وجلسة عصف ذهني للبحث في المقر ! مقر الصحيفة ؟ في وسط المدينة أم في الأطراف وسط حي هادئ حيث الإيجار خفيف و البيوت واسعة بما يسمح بأنشطة أُخري مثل إنشاء مكتبة أو مركز معلومات ? يخدم الجوار ، و مع توفر وسائل الإتصال و شبكة المعلومات قد يكون خياراً جيداً.سيوفر بيئة عمل هادئة و جيدة و ربما يسمح بتشييد ميدان للكرة الطائرة أو كرة السلة و ربما طاولة للبينق بونق و هكذا نوفر للعاملين عناصر غائبةً -الرياضة و الإستقرار، مما يساهم في البناء المؤسسي.إضافة لإكتساب العقول و القلوب و زيادة الولاء و تجويد العمل و الحد من مشاكل العاملين و تقليل فرص الفشل و تسريح العاملين. إذ الجميع شركاء ! وهنا قد يكون مفيداً إذا ما تحولت الصحيفة إلي شركة مساهمة و مُنح العاملون أسهماً و وُضعت أُخري في البورصة ? قيمة السهم سيكون مؤشراً آخر لقوة و ضعف الصحيفة .
لزيادة التوزيع و الدخل لا بد من الطباعة الجيدة و الورق الجيد و الأحبار الثابتة. وقد يكون مناسباً إنشاء صندوق للإستثمار ? تساهم فيه الصحيفة و العاملون و ليدعم أنشطةً أُخري ذات صلة بأعمال الوراقين مثل النشر و الطباعة، كأن تشتغل الصحيفة و العاملون بها بطباعة صحيفة في مجال آخر كالتربية أو التعليم أو الصحة و العمارة و ربما الزراعة و الإستثمار و قد تكون مجلة و ربما تنتج كتباً.
لمزيد من الإنتاج لتتحول الإجتماعات الدورية و التقليدية إلي جلسات للعصف الذهني(سأكتب عنه لاحقاً إنشالله) مثلما ذكرتُ آنفاً لإنتاج الأفكار الجيدة و من بعد إنتخاب بعضها للتنفيذ. و لتتم دعوة المفكرين و المثقفين و العلماء و غيرهم ليقدموا معارفهم و خبراتهم ? ذخيرةً لمن يريد أن يكتب ! و زيادةً في رفع الوعي و الثقافة و التواصل مع المجتمع .حتي الأجانب يمكن دعوتهم للحديث و المحاضرات و ليكن مرةً في الشهر( منظمات و سفارات و شركات …) ? مُلتقي الصحافة و المجتمع – خلال عملي كضابط إعلام بمنظمة أوكسفام البريطانية ، إقترحتُ عليهم تنظيم ملتقي شهري ?ليعرفوا عن السودان أشياء أخري خلاف الحرب و الجوع و الفقر ?الحضارة النوبية والتقاليد مع الثقافة، و ليعرف أهل البلاد نظم الإدارة الحديثة و أعمال الطوارئ و إدارة الكوارث و لنتعلم منهم تكنولوجيا المعلومات و الإتصال و الحصول علي الدعم و التمويل Fund Raising (له في كل منظمة أو كثير منها موظف يعرف فنون الإتصال).تم تنظيم عدد قليل من المنتديات قبل أن يتم إخراجها من السودان ! و هنا أُذكر بأهمية تشجيع العاملين علي المبادرة و تقديم الأفكار التي تخدم العمل و تطوره.
ليسعي كل العاملين لتجويد أنشطتهم ?المصور يتعلم فنون التصوير و الضؤ و الصحفيون بفنون الكتابة و التحقيقف ? قد ينجح صحفي في إجراء حوار مع رئيس دولة أو مخترع أو عالم في بلد بعيد دون أن يتجشم عناء الأسفار مستخدماً شبكات التواصل .
من مؤشرات الجودة في الصحيفة الكتابة الجيدة الخالية من الأخطاء و الأغلاط، وهنا يأتي دور المصحح أو المدقق .
يمكننا أن ننظر و نعيد النظر في شتي جوانب العمل الصحفي و دوائره المترابطة- التوزيع يزيد الإعلان و الإعلان يزيد التوزيع. وتبقي الحرية أكبر دافع لنجاح العمل الصحفي ، بل لتقدم البلد و تطوره.الإنسان الحر هو الذي يخلق الصحافة الحرة .و السلطة المطلقةتُفسد كل شئ و تحيل حياة الناس إلي جحيم يدفع للفرار و الإبزعرار في لغة إبن خلدون !
بيئة الثصحافة تشمل المؤسسات الرسمية و شبه الرسمية مثل المجلس القومي للصحافة و المطبوعات ? بسياساته الجيده و قيادته يمكن أن يساهم في عملية التطور و يمكن أن يؤدي إلي شللها و هلاكها .هنالك نقابات الصحفيين و روابطهم و هنالك حكومات إقليمية و سلطة إتحادية.بعض حكومات الأقاليم أقدمت علي خبث عظيم بفتح بلاغات في بعض الصحفيين جرجرتهم إلي سجونهم السيئة- خُبث وصفه بروفسير عبد الله الطيب بخبث الأفندية ، مقارناً له بخبث الشيوخ ? وهو أشد و أفظع! تري من يحمي الصحفيين من خبث السلطة و كيدها ؟
لعلي أغفلتُ جوانب مهمة لتطوير الصحافة. ولتخصصوا جلسة عصف ذهني حتي نُلم بالمسألة كلها و من أطرافها. و ليبقي الصحفي متسلحاً بمهارات لغوية و معرفية تسهل مهمته و ليزيد عليها بالقيم الرفيعة، من صدق دال علي الحق و أمانة تقي من الخلل و شجاعة علي حمل الرسالة، مع النزاهة و كل كريم من الخصال يجعل من الإنسان زولاً- زولاً سمح.

[email][email protected][/email]
زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..