مقالات متنوعة

تشاوينغ لي_قصة_قصيرة

أحمد محمود كانِم

سألتني: لماذا بدأت ترفض استقبال مكالماتي ، وحظرتني من قائمة أصدقائك.. ؟
هل ذلك لكره في ، أم رغبة عني ؟
فأجبتها بتلعثم :عفواً صديقتي تشاوينغ ، لم أكن أرغب عنك ، رغبة مني في أن أفعل .. إنما فعلت ذلك سعياً لنيل رضاك وإسعادك وابعادك عن ما يعكر صفو مزاجك  _حسبما ما تعاهدنا_ في تلك الليلة الخالية من البؤس والحرمان .
هل تذكرين يوم أن كنا جالسين على الرصيف قبالة بوابة  الكلية نتقاسم الساندويش الذي كنت قد  أحضرتينه معك في حقيبتك الجلدية المطرزة بألوان قوس قزحية ، حين أبديت ملاحظتي حول غرابة نكهة الساندويش بعد  قضم أول  لقمة..؟
أجل صديقتي.. كنت أعني ما أقول ..لكنك كعادتك  أجبت سؤالي بابتسامتك الساحرة التى أنسنتي غرابة طعم الساندويش..وأفقدتني حاسة الذوق والشم والسمع ، ليحل محلها ذوقك أنت لا شريك لك لسنين عديدة .
لكنني الآن تذكرت.. فاسترددتها..
نعم .. مضى على ذلك وقت طويل ، تخاصمنا خلاله عشرات المرات وتصالحنا..وبالحقائب والأحذية والوسادات و الأسنان  تعاركنا ، ثم اصطلحنا.. ثم نسينا  الأمر برمته وتعانقنا.. وافترقنا ..
لكنني ما إن قرأت  تلك التقارير التي تشير إلى أن ثمة لحوم غريبة المذاق قد تسببت في إمراض عدد من مواطني دولتك؛ حتى عاودني الشعور بالغثيان ورغبة عارمة في التقيؤ لاسترجاع كل لقمة التهمتها من مخزن حقيبتك المنتفخة طيلة فترة بقاءنا معا ،حتى تلك التي كنت قد اختلستها و(كجمتها) من حيث لا تدرين..ثم نكرت واستنكرت..
أجابتني بلكنتها الفريدة : ألم تتحرر بعد من عادة المزاحات البايكة (البايخة) ؟
لم أكترث لسؤالها العفوي  فواصلت القول : صديقيني قرأت  أن تلك الوباء  معدية للغاية .. بل مميتة.. ولست على استعداد للمخاطرة والموت حتى لا أتسبب في تعاستك من بعدي.. لذلك فضلت حظرك  والابتعاد .
ساد صمت مريب ، إلا من طقطقة الطاولة التي تفصلنا ، استطاعت أن تكسره أخيراً بالسؤال : كيف حال الدراسة معك ؟
هل سلمت رسالة بحثك ، أم  وقعت في حب إحداهن بعدي وذبحت طموحك على فخذيها ؟
اكتفيت بالقول: كل شيء على غير ما يرام .
وأشحت بوجهي عنا ..
فاقتربت مني وهمست في أذني قائلة  :نسيت أن أخبرك  بأنني أيضاً قد  قرأت اليوم  تقريراً مفصلا حول ظهور عدوى جديدة تنتشر بشدة ، لكن لا علاقة لها بمأكولاتنا التى عرفها أسلافنا منذ آلاف السنين..
لم أفهم مغزى همسها الذكي،  فطلبت منها شرحا أكثر لماهية هذه العدوى ..
فاستطردت قائلة: تتميز هذه العدوى بأنها تصيب عقول المحبين فقط .
ماذا ؟
عقول المحبين !
ماذا تعني بالمحبين ..هلا أوضحت لي أكثر ؟
قالت بعد إطلاق قهقهتها التى أعرفها جيداً مغمضة عينيها الضيقتين : أجل.. المحبين (الخالطين) فقط .
فإذا أحببت مصاباً  بهذه العدوى أصبت ..
ومن خالط من أحبك أصيب..
ومن خالط من خالط من  أحبك أصيب..
ومن خالط الذي خالط من خالط من أحبك أصيب..
ومن خالط من خالط الذي خالط من خالط المصاب أصيب..
ومن خالط الذي خالط من خالط الذي كان قد خالط من خالط المصاب أصيب .
فقاطعتها قائلا : ما هذه الألغاز الغريبة ؟
وماذا عن أولئك المحبين غير المخالطين ؟
هل سيتسرب إليهم ذلك العدوى المميت ؟
قالت ضاحكة: دعني أخبرك ماذا قرأت أيضاً ..
_حسنا..
قرأت مثلاً يقول : «من أحب ضحى ، ومن كره فضح ».
لذلك قررت أن أضحي بك.. لأنني أحب وطني، وأحب ضيق مقلتي ، وأحب عاداتي وتقاليدي، وديداني وخفافيشي ، وكلابي ، وديانتي،وحشراتي، وبشرتي وحبيبات خدي ، وقصر أناملي..
ثم نهضت واقفة تتقدمها نهداها المشرئبان ، واستأذنتني بالذهاب متعللة بأن ثمة من ينتظرها ، واختفت..
بقيت لوحدي أتصفح شاشة هاتفي ، فتسلمت منها  رسالة متبوعة بعدة قبلات.. فيها  : إطمئن يا صديقي فلم أعد أزعجك برسائلي ومكالماتي الطويلة.. وزياراتي الثقيلة ، فقد ضحيت بك في سبيل من أحبه أكثر منك ومن نفسي.. وطني أغلى من أن يهان أو يذل .
ولن أعود ، حتى أتأكد من خلوك وسلامتك وشفاءك الكامل  من داء العنصرية والكراهية الحمقاء .

#أحمد_كانم
#نصوص_أدبية
#بولتون_انجلترا
14 أكتوبر_

[email protected]2020

تعليق واحد

  1. جميلة يا أستاذ أحمد ،، رغم أن كثيراً من القصص القصيرة طرحت مثل هذه العلاقات الشائكة بين المحبين في موضوعة “الهجران” ولكنك استخدمت تكنيكاً مغايراً أكثر جاذبية!. تسلم

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..