نعم للتصعيد بعزم من حديد

جعفر عباس
فور سماعي مساء أمس الخميس بمقتل خمسة متظاهرين في أم درمان، سجلت هنا كلمات غاضبة دعوت فيها لتصعيد النضال وأساليب النزال، وكانت ردة فعل البعض عجيبة، خاصة من قال إن في ذلك دعوة لسفك المزيد من الدماء، وتعطيل للمفاوضات بين قوى التغيير والمجلس العسكري، وسؤالي لهؤلاء: يقتلون شبابنا في السوكي والأبيض وأم درمان بعد ان قتلوهم بالجملة في الخرطوم في 3 يونيو، وعلينا ان نقول: المسامح كريم و”نسردِب” ونلزم بيوتنا وأن ذلك سيجعل العسكر يحترمون إرادة الشعب، ويتصدقون علينا بالحكم المدني
في مرحلة مبكرة من عمر الثورة أنكر المجلس العسكري أهلية قوى الحرية والتغيير (ق ح ت) لتمثيل الإرادة الشعبية، فكان التصعيد الذي بلغ ذروته بوصول قطار عطبرة التاريخي، فاعتبر المجلس ق ح ت الممثل الوحيد للثوار، ثم حسب المجلس ان تصفية الاعتصام امام قيادة الجيش كفيل بتخويف وترويع الثوار واجهاض الثورة، فخرجت المواكب الهادرة وبدأ العسكر في الجرسة، وقبلوا مجددا بأمور سبق ان قبلوها ثم رفضوها في المفاوضات مع ق ح ت، ثم جاءت مواكب الاحتجاج على سقوط شهداء في الأبيض يوم الاثنين الماضي، ووجد المجلس العسكري نفسه مضطرا الى اعتقال 9 من عناصر الدعم السريع، وإعلان طردهم من الخدمة وتقديمهم للمحكمة
ولكن المجلس يجرح ويداوي حسب حساباته الخاطئة، فكان أن سقط خمسة شهداء أمس في ام درمان، وهو الامر الذي حدا بي للدعوة للتصعيد الثوري، مما جعل بعض القراء يقولون إنني بذلك أدعو المواطنين للموت، ويفوت على هؤلاء أن يسألوا أنفسهم: ولماذا أصلا يتعرض مواطن مسالم للموت وهو يردد النشيد الوطني ويطالب بأمور ظلت الثورة مشتعلة بسببها لأكثر من سبعة أشهر؟ من الذي يتسبب في الموت؟ وهل السكوت عن القتل يمنع القاتل من ممارسة القتل مجددا؟
هناك علم اسمه علم الثورة، قام على دراسة الثورات الشعبية عبر التاريخ، وتفيد أدبياته بأن خروج ما بين 3 و5% من المواطنين ضد أي حكومة كفيل بإسقاطها، وبأن أعتى الدكتاتوريات لا تجرؤ على استخدام الرصاص لتفريق مظاهرة يشارك فيها ستة آلاف شخص أو أكثر، وكان الاستثناء الوحيد ما قامت به قوات شاه ايران في يناير 1979 عندما تصدت لمظاهرة ضخمة وقتلت المئات، وبعدها بساعات اضطر الشاه الى الهرب الى الخارج
ذئاب نظام عمر البشير مارسوا القتل المجاني في ديسمبر 2018 ويناير 2019 عندما كانت المظاهرات متفرقة ومحدودة العدد، وما أن صارت المواكب ضخمة حتى توقف القتل نهائيا، فكانت الضربة القاضية له في 6 و11 إبريل
وطوال المسيرات الحاشدة خلال الشهرين الماضيين لم يسقط شهيد واحد، بينما سقط شهداء في كسلا والسوكي وغيرهما عندما فتح جنود النار على حشود صغيرة، وحتى في الأبيض لم يقابل الموكب الكبير باي درجة من العنف، بينما قام جندي جبان بفتح النار على مجموعة صغيرة كانت منعزلة عن الموكب الرئيس فكان ان سقط شهداء
وكان كثير من الشباب على وعي بأن العسكر يستهدفون المواكب والتجمعات الصغيرة، ولهذا كان النداء منذ أول أيام الثورة “ابقوا كتار”، والتصعيد الذي اقصده يكون بالمواكب الضخمة ليعرف العسكر مدى قوة عضلات الجماهير المسالمة، ويكون بإشهار سلاح الاضراب والعصيان، ولكن ليس بقصد الصدام، بل لتبليغ رسالة أخيرة للمجلس العسكري بأنه لصبر الجماهير حدود، فيكف عن المراوغة والمناورة ويتعامل مع جدول أعمال المفاوضات مع ق ح ت بجدية وصولا الى تشكيل حكومة مدنية ليعود الناس الى بيوتهم آمنين مطمئنين ويناموا بعيون مفتوحة لحراسة ثورتهم من المؤامرات والانتكاسات، وهم يعرفون أن من قتلوا الثوار في طريقهم الى الزنازين والمشانق
من يؤمن بان الثورة عمل مستمر لا يجوز له ان ينكر او ان يستنكر التصعيد الثوري الذي هو ضروري حتى لو حادت حكومة الثورة الانتقالية عن جادة الصواب