السودان بين المطرقة والسندان!!

إن الذي يدور في جنوب السودان والسودان ودول جواره يمثل خطراً مباشراً على كل الإقليم، الأمر الذي سيؤدي في نهاية الأمر إلى إعادة الخارطة الجيوسياسية للمنطقة ككل!!
السودان بموقعه الجيوبوليتكي أطل على غرب إفريقيا ومنطقة البحيرات والقرن الإفريقي كما تمتع بشاطئ طويل على البحر الأحمر أهم الممرات المائية الإستراتيجية في عالم اليوم!!
وللأسف لم تفطن الأنظمة التي حكمت السودان إلى أهمية موقع السودان والدور الذي يمكن أن يلعبه إقليمياً خاصة أن للسودان امتدادات قبلية مع كل دول جواره العشر والتي كان من الممكن أن يكون للسودان دور رائد لقيادتها اقتصادياً!!
من المعلوم أن الصراع في جنوب السودان هو صراع عرقي بالدرجة الأولى، ولكنه لم يكن يتعدى اشتباكات مهما كان حجمها فهي محدودة، وسبب محدوديتها أن السودان كان موحداً في حكمه يتشارك فيه أهل الشمال وأهل الجنوب رغم أن التمثيل الجنوبي كان أقل من المفروض!! وجاءت فكرة الحكم الإقليمي وكانت أسلوب حكم لا بأس به إلا أنه انتهج أسلوباً قبلياً أحيا النعرات القبلية خاصة في دارفور التي رفضت أن يكون حاكمها من غير أبنائها في حين أن بقية الأقاليم حكمها أبناؤها!!
هذا الأمر خلق توتراً في دارفور وبدأت النعرات العنصرية في دارفور تظهر حتى في الشعارات «ألف قطر لأولاد بحر»..الأمر الذي لم يحدث كمقبل وحين عُين حاكم لدارفور من أبنائها تحول الصراع إلى صراع قبلي!!
والصراع القبلي في دارفور مع قصر النظر السياسي للمركز وضعفه الاقتصادي أخذ يتطور فتحول من مسألة أمنية إلى قضية سياسية شديدة التعقيد. فتحت الباب واسعاً أمام تدخل القوى الطامعة في خيرات السودان وموارده، وقد وردت هذه الأطماع في كتاب بلاك ووتر الذي أفرد سبعًا وعشرين صفحة للسودان..
والأطماع في السودان وموارده بدأت منذ دولة محمد علي في مصر وحتى قبلها، لكنها أخذت الطابع التنفيذي بدخول قوات محمد علي طلبًا للمال والرجال، وقد فتح هذا التدخل الباب لبريطانيا التي ألقت بثقلها في السودان، وقد فدت بريطانيا ثلاثة وثلاثين جنرالاً من جملة خمسة وثلاثين أخضعوا العالم للامبراطورية التي لا تغرب عنها الشمس!!
وقد دخلت ألمانيا الخط أيضاً ولكنها حصرت تدخلها في دارفور، فهناك علاقات تاريخية بين ألمانيا ودارفور حين كانت سلطنة مستقلة، لهذا نجد أن السياسيين من أبناء دارفور عادة ما يلجأون إلى ألمانيا التي تستقبلهم بكل حفاوة وتكريم!! وتمهيداً لفصل دارفور تم تجهيز اتفاقية نيفاشا في هايدلبرج بألمانيا وأُجريت عليها اللمسات النهائية في مركز الدراسات الإستراتيجية في واشنطن، وحتى تجد نيفاشا القبول ازدادت النعرات القبلية والعنصرية في دارفور بالذات، وقد قبل النظام السلام المفخخ الذي طرحته نيفاشا ليواجه أزمة دارفور وبقية مناطق الصراع، فلم يجد السلام في الجنوب الذي انفصل، واشتعلت الأمور في دارفور.
ولقد كانت نيفاشا خطراً وجريمة تاريخية ليس في حق السودان وحده بل في حق كل إفريقيا والعالم العربي الذي يمثل وجوده في إفريقيا الثقل العربي في العالم!!
ولا أدري كيف وافقت الجامعة العربية التي كان أمينها العام عمرو موسى شاهد زور على جريمة نيفاشا، ألم يكن وزيراً لخارجية مصر؟ ألم يدرك أن أمن مصر بالذات يُبحث عنه خارج الحدود وعند منابع النيل؟!
ألم يفكر النظام الحاكم في مصر لخطورة نيفاشا عليه وعلى مصر؟
الاتحاد الإفريقي كيف وقف كذلك شاهد زور مع الاتفاقية التي فتحت الأبواب مشرعة لتقسيم إفريقيا إلى دويلات متناحرة وأخرى فاشلة الأمر الذي ينطبق على دولة جنوب السودان!! وبأحداث الجنوب يبدأ تقسيم المقسم وتجزيء المجزأ ليتم رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة التي تضم مجموعة من الدول الفاشلة التي للأسف يعمل أبناؤها وحكامها لتكون فاشلة بسبب العنصرية والكيد السياسي والمنفعة الشخصية الضيقة!!
ولنا أن نلقي نظرة على ما حولنا مصر، ليبيا، تونس، تشاد، مالي، النيجر، إفريقيا الوسطى، جنوب السودان، زائير، الكنغو الديمقراطية وغيرها، كلها دول إما فشلت وإما في طريقها للفشل، ولا أعتقد أن السودان بناجٍ من هذا الفشل، فالذي أججح الصراع في الجنوب قادر على تأجيجه في الشمال والمسرح السياسي جاهز لهذا السيناريو!!
والذي يدور في جنوب السودان لا بد أن يزحف شمالاً بكل تداعياته السلبية، فالذي يهم السياسيين في كل الأزمة هو سريان البترول الذي ستتم عرقلة سيره حتى يكتمل الضغط على السودان الذي دائماً ما يجد في البندقية الحل ووقف الضخ يحرمه من شراء البندقية!!
ودائماً نتائج مثل هذه الصراعات معروفة، وهي عادة ما تدار في الخارج والقصد منها إنهاك الأطراف المتصارعة للحد الأقصى والضغط عليها في نهاية الأمر خارجياً لقبول تسويات مبهمة يطلق عليها اتفاقيات سلام ومن هنا يبدأ مشوار الدولة الفاشلة!!
وبحساب القوى العظمى فإن الدولة الفاشلة عادة ما تكون مرتعاً للمتطرفين والإرهابيين الذين يبارك المجتمع الدولي السيطرة عليها وإعادة ترتيبها جغرافياً وسياسياً، ونحن في السودان إن بقينا مع حالنا هذا فلا ننتظر إلى المرحلة الثانية من نيفاشا التي قبائليًا قسمت الجنوب المنقسم، لتزحف نحو الشمال لتقسيمه كذلك!!

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..