تونس بين فكي رحى … اقتصاد مترنح وجماعات مسلحة بدعوى الجهاد

تونس – طارق القيزاني – تقف تونس اليوم بين فكي رحى، فبينما يتصاعد خطر الارهاب في المناطق الحدودية لا يزال الوضع الاقتصادي مترنحا تحت وطأة الاضرابات والاحتجاجات النقابية.
وأدت تلك المعاناة المزدوجة الى اتساع رقعة الجدل بين أحزاب السلطة والمعارضة ليشمل أيضا الاتحاد التونسي للشغل اكبر منظمة نقابية في تونس، وأصبح السؤال المحوري الآن مرتبطا بمن الأخطر على الأمن القومي للبلاد، الاضرابات ومن ورائها اليسار الراديكالي أم الارهاب وصعود التيار الجهادي.
وتعاني تونس منذ انتفاضة 14كانون ثان/يناير التي أطاحت بحكم الرئيس السابق زين العابدين بن علي من وضع أمني متعثر سمح بصعود تيار السلفية الجهادية مستفيدة من مناخ الحرية وانتشار السلاح على نطاق واسع عبر ليبيا والجزائر في عدة مدن تونسية.
واضطر الجيش والأمن التونسي الى منازلة هذه الجماعات الجهادية التي بدأت بحمل السلاح على الأرض في عدة اشتباكات بالمناطق الصحراوية جنوب البلاد في المثلث الحدودي مع ليبيا والجزائرـ وفي المناطق الغربية على طول الشريط الحدودي مع الجزائر.
ومنذ 29نيسان/ابريل الماضي يقوم الجيش بعمليات تمشيط واسعة في جبل الشعانبي غرب البلاد على الحدود الجزائرية اثر انفجار أربعة الغام زرعها جهاديون أدت لإصابة نحو 15 عنصرا من الحرس الوطني والجيش.
وقال حمة الهمامي المعارض البارز والناطق باسم الجبهة الشعبية الذي يمثل تيار اليسار في تونس لوكالة الأنباء الألمانية (د. ب. أ) إن “الائتلاف الحاكم بقيادة حركة النهضة خلق مناخا سمح بتطور الارهاب والتطرف بسكوتهم على روابط حماية الثورة والمليشيات ودعاة التكفير والعنف في المساجد”.
وأضاف الهمامي “عندما نبهنا الى مخيمات الارهابيين منذ البداية قالوا لنا إنها مجرد مخيمات تدريب رياضي لشباب الائتلاف الحاكم وهو المسؤول الآن عن تطور العنف”.
وأدى تسليط الإعلام المحلي الضوء على أحداث الشعانبي والتحول الدرامي في نشاط الخلايا الارهابية في تونس نحو استخدام استراتيجية الالغام الى حالة من الهلع بين التونسيين ودفع الى إثارة نقاشات واسعة بشأن مستقبل الأمن القومي للبلاد.
وقال الناشط الحقوقي ورئيس “شبكة دستورنا” جوهر بن مبارك لـ(د. ب. أ) “هناك وعي متنامي في تونس بضرورة تأمين الأمن الاستراتيجي للبلاد، لأول مرة في التاريخ المعاصر بعد الاستقلال تعيش تونس هذه التحديات الاستراتيجية”.
وأضاف “تحدي الارهاب هو دائما تحدي استراتيجي لأنه مخرب وشديد الخطورة”.
وتعتبر حركة النهضة الاسلامية أكثر الداعين الى الحوار مع التيار السلفي بدعوى حرية الفكر والتدين والتعدد الايديولوجي، وجلبت هذه السياسة انتقادات واسعة للحزب من قبل الأحزاب المعارضة والنخبة العلمانية الى جانب منظمات من المجتمع المدني أعلنت خشيتها من ضرب البنية الاجتماعية والهوية الوطنية في تونس.
غير أن احداث الشعانبي الأخيرة أدت الى تحول في موقف الحزب الذي أدان بشكل صريح نزعة التيار المتشدد الى الجهاد في تونس.
وقال راشد الغنوشي زعيم حركة النهضة الاسلامية ، في مؤتمر صحفي :”الآن ليس وقت الحوار الآن وقت تطهير البلاد من الإرهاب والجماعات المسلحة حتى تلقي سلاحها وتستسلم عندها يمكن الحوار”.
وأضاف الغنوشي :”العنف غير مبرر ويجب أن يحارب بشدة، جنود الشرطة والجيش مسلمون وهذا البلد مسلم وتتوفر فيه الحرية للجميع لا مكان للجهاد في تونس سوى جهاد التنمية والديمقراطية”.
ومع ذلك فإن حركة النهضة تعتبر أن المخاطر التي تحدق بالأمن القومي في تونس ليست حكرا على الجماعات المسلحة والتيار السلفي الجهادي، وإنها تقف على نفس المسافة كذلك مع شعارات العنف التي يرفعها أنصار الجبهة الشعبية التي تمثل أغلب أحزاب اليسار.
وفي مقابلة منفردة مع وكالة الأنباء الألمانية في أذار/ مارس الماضي اعتبر رئيس الحكومة المؤقتة الحالية علي العريض أن خطر العنف والراديكالية في تونس متأتي من اقصى اليمين تماما كما هو متأتي من أقصى اليسار.
وقال علي العريض “سنكون حازمين ضد أي منزلقات سواء كانت فردية أو عبر منظمات أو حزب سياسي والحكومة لن تكيل بمكيالين، أي أنها لن تكون متشددة مع طرف ومتسامحة مع طرف آخر”.
وأضاف العريض “هناك دعوات للتطرف واستفزاز الآخر من اليمين واليسار، مثلا البعض يدعو الى الجهاد وهناك من يدعو الى اسقاط الحكومة، الاثنان يدعوان الى العنف والكراهية”.
ودأب انصار الجبهة الشعبية على ترديد شعار “الصدام.. الصدام حتى يسقط النظام” و”الشعب يريد اسقاط النظام” خلال المسيرات التي ينظمها الحزب، وتنظر حركة النهضة الى تلك الشعارات على انها دعوة صريحة الى الشارع لاسقاط حكومة شرعية.
ووجد هذا التفسير تأييدا لدى احزاب الائتلاف الحاكم الذي اعتبر الدعوة كذلك الى الاضراب وتعطيل الانتاج وعمل المؤسسات ضربا من الارهاب وتهديدا مباشرا للأمن القومي لتونس.
وقال راشد الغنوشي إن تعطيل المصانع وعرقلة الانتاج في مختلف المؤسسات شكل من أشكال الارهاب ، مشيرا الى صناعة الفسفات بمنطقة الحوض المنجي بمحافظة قفصة والتي تكبدت خسائر قياسية.
وقال “الفسفات مورد استراتيجي بالنسبة لتونس وتعطيل انتاجه بمثابة الاعتداء على الأمن القومي”، وأوضح أن الارهاب ينشأ في المناطق الأكثر فقرا وأن تعطيل الانتاج عمل تخريبي يشجع على الارهاب.
وأحصت الحكومة التونسية أكثر من 28 ألف إضراب واعتصام في مختلف انحاء البلاد عقب ثورة 14 كانون ثان/يناير.
وبسبب الاضرابات والاحتجاجات الاجتماعية ومطالب التشغيل سجل انتاج الفسفات بالفعل هبوطا حادا بنسة 70 بالمئة بين سنتي 2011 و2012. وبلغت خسائر شركة فسفات قفصة حوالي 2ر1 مليار دولار منذ سنة2011.
ولم يتعد الانتاج عام 2012 عتبة 2 مليون و600 ألف طن بينما يبلغ معدل الانتاج ما قبل سنة 2010 حوالي 8 ملايين طن.
ولا تتفق المعارضة مع هذه المقاربة والخلط بين الارهاب والإضراب.
وقال حمة الهمامي “هم يعمدون الى تغطية الفشل في مقاومة العنف بالموازنة بين المعتصمين من الفقراء والجوعى من جهة والارهابيين من جهة اخرى، يريدون اعتبار العاطلين مثلهم مثل الإرهابين ومن يهاجمون قوات الامن والجيش”.
وقال جوهر بن مبارك ” ان نسوي بين من يقوم بالارهاب ويفجر الالغام ويقتل الأمن والجيش ويهدد التونسيين وبين من يدافعون عن مطالب اجتماعية ولو ان بعضها يتضمن مبالغة بقطع الطرق وتعطيل عجلة الاقتصاد، فهذا يعكس قمة سوء النية ودليل على غياب الارداة السياسية في التعامل مع الارهاب”.
ولكن، أي كان مأأتاه الارهاب، فإن أغلب الاحزاب التونسية اليوم، في المعارضة او في السلطة، تتفق على ضرورة عقد مؤتمر وطني للاتفاق على خارطة وميثاق للتصدي للارهاب بما في ذلك الدعوات الى الاسراع بإصلاح المنظومة الامنية وحفظ حقوق الأمنيين المتدهورة.
وتلقي قيادات نقابية في المؤسسة الأمنية باللائمة على السلطة السياسية بسبب افتقادهم الى الضمانات القانونية والصحية عند التدخل وغياب المعدات والتجهيزات لمواجهة جماعات مدججة بأسلحة نوعية وأجهزة اتصالات متطورة.
وخلف انفجار الألغام بجبل الشعانبي حالة من الحنق والتململ بين ضباط الأمن بعد إصابة بعض الافراد بإصابات بليغة بينما تم تسجيل حالات وفاة في احداث سابقة دون ان يكون في المقابل تعويضات مناسبة.
وقامت نقابات قوات الامن بوقفة احتجاجية أمام المجلس الوطني التأسيسي أول أمس الجمعة للمطالبة بإصلاحات واصدار قوانين جديدة تضمن حقوقهم.
وقال محمد علي الردادي عضو بنقابة الحرس الوطني والحماية بمنطقة العوينة بالعاصمة لـ (د. ب. أ) “احتجاجاتنا ومطالبنا أصبحت متكررة ومعروفة للشعب التونسي، نطالب بتفعيل قانون التغطية الاجتماعية لأعوان الأمن، مللنا من الوعود والتسويف”.
وأضاف الردادي “إذا كنا نريد أن نرفع من معنويات رجال الأمن حتى يكونوا أكثر تركيزا وهدوءا في العمل فيجب ان نتمتع بحقوقنا، زملائنا توفوا ولم تتحصل عائلاتهم عن اي حقوق الى اليوم”.
وأوضح أن النقابات الأمنية تطالب وتضغط مثلها مثل الشعب والمجتمع المدني بتحييد المؤسسة الأمنية وبناء أمن جمهوري.
وقال بن مبارك “الأحزاب السياسية والمجتمع المدني تقف وراء النقابات الأمنية، الأمنيون اليوم هم في طليعة المطالبين والمدافعين عن أمن جمهوري ومحايد وهذا تحول نوعي في تونس”.
لكنه أضاف “الإرادة السياسية غير متحمسة للاصلاحات الأمنية وهناك تلكؤ في هذا المجال من قبل الحكومة بدليل ان القوانين ومشاريع الاصلاحات عرضت على المجلس الوطني التأسيسي منذ أشهر لكن لم يقع النظر فيها”.
وعقدت النقابات الأمنية اثر وقفتها الاحتجاجية الجمعة اجتماعا مغلقا مع ممثلين عن المجلس الوطني التأسيسي لكن لم يعلن عن فحوى التفاهمات الذي تم التوصل اليها.
هدهد