مقالات وآراء

حربهم ذكية … وحربنا بدائية : تأملات في مسرحية الدم والغباء!

حسن عبد الرضي الشيخ

 

صادفني على وسائط التواصل نص ساخر مؤلم، يُجسّد عبر الضحك مأساة إنسانية دامية. أغراني أن أُجاري فكرته الساخرة، علّي أكتب عن واقع لا يُضحك إلا من فرط القهر، ولا يُبكي إلا من عمق الحماقة.

 

في زمن تُدار فيه الحروب من غرف التحكم تحت الأرض، تُطلق فيه الصواريخ الذكية التي تعانق سرير العدو دون أن تُزعج وسادة الزوجة النائمة، ما زلنا – نحن – نخوض معاركنا على طريقة “لصوص وحرامية” و”الكرّ والفرّ على ظهر الحمير الهزيلة”، بكل بدائيةٍ ووقاحةٍ نادرة.

 

أنظر إلى حرب إيران وإسرائيل، رغم وحشيتها، إلا أنها تُدار بتقنيات عسكرية متقدمة: صواريخ تُطلق من أعماق الأرض، طائرات شبح تعبر أجواء عشرين دولة بلا استئذان، ثم تهبط على الهدف مثل يد جراح خبير، تُنهي المهمة دون أن تفسد على السيدة مسلسل “حريم السلطان” أو وجبة العشاء.

 

أما نحن؟ طيارنا يطارد “دفار” دعم سريع في صحراء مهجورة، يُسقط في طريقه عشر قرى، يُحرق بها بيوت الفقراء ومحطات الكهرباء وصهاريج الماء، ويفتك بأبقار لا دخل لها في الخلاف السياسي، ثم يعود ليصرّح: “نجوتم هذه المرة، لكني سأعود!”

بالله هذا طيار … أم سائق كارو غاضب يبحث عن انتقام شخصي؟!

 

هناك، القادة يرتدون البدلات ويُديرون المعارك بلغة “الكود” و”الليزر”، بينما قادتنا يفرّون إلى القاهرة وأنقرة، يحرّكون الجبهات من شقق مفروشة في إسطنبول، بين زغرودة على نغمة “براؤون يا رسول الله” وتعليقات على “تيك توك” يصرخ فيها أبو رهف والمنقّب وحسن طرحة!

 

في حروبهم، لا تُقطع الكهرباء ولا يُحجب الإنترنت ولا يتأثر بث الدوري الإسباني. أما عندنا، فطلقة واحدة تكفي لتحرم ولاية بأكملها من الماء والكهرباء والاتصال، وتجعلنا نصوم عن الحياة حتى إشعار آخر.

 

هم يحاربون بأخلاق الصواريخ الذكية، لا يسرقون، لا ينهبون، لا “يشفشفون”، لا يبقرون بطون المدنيين ولا يذبحون خرافهم. أما نحن؟ فجنودنا يتسابقون لاختيار “الخروف الأنسب” من منازل الأبرياء، ثم يلتفّون حول “الشية” وكأنهم في عقد قران.

بالله عليكم، هل من الرجولة أن تفتح شهيتك للحرب والشواء في آنٍ واحد؟! هل هذا جيش أم معازيم مناسبة؟!

 

في حروبهم، المستشفيات والمدارس تُصان. أما نحن، فالعشرات يُذبحون في أطراف القرى لأن أحدهم “شَكّ” في سحنة أو لهجة، فصار القتل تهمة بلا محكمة ولا دفاع، فقط بنزوة جندي لا يفرّق بين لهجة غرب دارفور ولهجة جنوب كردفان!

 

حربهم تُخاطب العقول … حربنا تُخاطب الغرائز.

تحليلهم في “واشنطن بوست”… وتحليلنا في “قروبات الواتساب”!

 

وكلما اشتدّت مجازرنا، زاد “الجغم”!

كل شيء عندنا يُختزل في مقطع فيديو يقول فيه أحدهم “مييييع”، وآخر يرد “باااااع”، كأننا في زريبة أبقار، لا في ساحة قتال.

 

بينما هم يُسقطون طائرات تجسس ويخترقون أنظمة إلكترونية، نحن نخترق دكاكين المواطنين وغرف نومهم، ننهب “الفنائل الداخلية” و”الملاح البايت” و”الكسرة الناشفة”… أي خزي هذا؟!

 

إنها ليست حربًا، بل مهزلة.

حرب يُديرها الجهل، ويغذّيها السفه، ويباركها التهريج.

حرب الطمع، وحرب “رؤوس الضأن”، وحرب لواءاتٍ لا يعرفون سوى قيادة “الخلاء”. ورغم كل ذلك نسميها بكل وقاحة: (خرب الكرامة). “في ذمتكم”، اين الكرامة من كل هذا العبث؟!

 

اللهم اخزِ كل من يدعو للحرب، وكل من ارتضى أن يكون بوقًا لها أو متفرجًا أخرس لا ينطق إلا بما يُرضي القتلة: “بل بس” و”جغمناهم جغم”!

اللهم اجعل من يرفض السلام عبرة… ومن يخوّن السلم، خزيًا على مرأى الشعوب!

[email protected]

‫2 تعليقات

  1. ياسلام عليك يا استاذ شرحك وافي وحقيقة في حربهم التي بدون كرامة تدار علي المواطن وتدمير البلد ربنا لا ترفع لهم راية واجل كيدهم في نحرهم ربنا اضرب الظالمين بالظالمين واخرج اهلنا منهم سالمين

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..