مقالات سياسية

دموع حسرتنا

قبل أيام ذرف الشعب دموع الحسرة والأسف وهو يفقد آخر باخرة من أسطول السودان البحري، والتي قيل إنها غادرت إلى الهند بعد أن تم بعيها كخردة، ولا أدري كيف تكون خردة وغادرت ميناء بورتسودان كما تغادره أية باخرة جديدة؟، حسب فديو انتشر في وسائل التواصل، لم يذكر أحد بكم بعيت الباخرة ولمن؟، فليس مسموحاً لأصحاب الملك معرفة لمن تباع ممتلكاتهم، ولكن لا بد أن خلفها قطط سمان، فليس هناك دولة في العالم تبيع سفنها التاريخية خردة لأن هناك ألف فكرة وفكرة للاستفادة منها، ولكن ماذا نقول فدولتنا تحت رحمة سلطة لا تفهم غير بيع كل ما هو عزيز للسودان وشعبه وكأنها تستعر من التاريخ المشرف.

هي ليست المرة الأولى التي نذرف فيها دموع الحسرة بسبب ملك تم بيعه، فمن قبل ذرفنا دموع الحسرة حين بيع مشروع الجزيرة أعظم مشروع زراعي عرفته أفريقيا، وحين بيعت الخطوط الجوية السودانية الأنيقة وكانت من أوائل أرقى الخطوط في العالم، وحين بيعت ممتلكات السودان التابعة لسفاراتنا بالخارج، وحين بعيت الكثير من الأراضي المملوكة للحق العام، وحين شملت الخصخصة أملاكاً عديدة لا ندري لمن ذهبت!!!، ذرفنا دموع الحسرة حين هوى قطاع النقل والمواصلات وفقدنا السكة الحديد، وحين هوى التعليم والصحة وكل القطاعات الاقتصادية، وحين احتلت حلايب وشلاتين والفشقة، أما حين بيع الجنوب بكينا بالصوت العالي وضربنا الخدود وشقينا الجيوب ومضى الأمر، وما زال أمام الحكومة الكثير مما هو عزيز علينا لتبيعه في الدلالات العالمية لصالح قططها السمان.

السؤال الذي يطرح نفسه الآن، إلى متى سنظل نذرف دموع الحسرة ونعض أصابع الندم على إرثنا وممتلكات وطننا وهي تدمر أو تباع بأبخس الأثمان؟!، حتى أصبحنا نملك إرثاً كبيراً من آثار الصروح المباعة أو المدمرة، وإرثاً نفسياً من الحسرة والندم، وإرثاً أدبياً عظيماً من الشعر والغناء والقصص والطرائف التي تحكي عن ماذا فقدنا وكم فقدنا وكم كان عزيزاً علينا ما فقدناه.

المؤسف حقاً ان كل هذه الدموع والحسرة والندم والحزن لم تهز شعرة من رأس الحكومة، ولم تحنن قلبها بل ازدادت قسوة حتى أصبحت تستمتع بدموع حسرتنا وتعمل جاهدة لتعميقها. وهل هناك حسرة أكثر من أن يصبح هذا الوطن القامة متسولاً في البوادي يطلب من عربانها لقمة العيش وقطرة الزيت؟!

أيها السادة المواطنين ذرفنا ما يكفي من دموع الحسرة والأسف والندم والوجيع والحزن حتى جفت مآقبنا وأبداننا وأرواحنا ولم ننل حقاً ولا باطلاً من حكومة تستمتع بعذابنا وأحزاننا، وأعتقد إنه قد آن الأوان لننسى كل ذلك ونعمل من أجل استعادة كل ما فقدناه، وما زلنا نملك القدرة، فقط علينا أن نبدأ قبل أن نتحسر على الوطن كله، فهو الآن يمضي في طريق اللا عودة.

التيار

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..