أخبار السودان

القصة السودانية.. دفاتر خصبة منسية

يصعب الحديث عن عند القاص السوداني عيسى الحلو (1939) من دون لمحة تاريخية عن السرد القصصي في السودان والذي بدأ فيها بداية متواضعة في ثلاثينات القرن الماضي.

كانت تقنية الكتابة بسيطة بساطة الموضوع الذي تعالجه. نرى ذلك في قصص محمد أحمد الفيل وآخرين. لكنّ الكتابة خرجت في من سذاجة السرد إلى تلمس قضايا المجتمع، نعطي مثلاً لذلك كتابات عثمان علي نور وخليل عبد الله الحاج وأبو بكر خالد وملكة الدار محمد.

ولعل قيام منبر للسرد متمثلاً في “” للقاص عثمان علي نور، شجع أقلاماً كثيرة لتنخرط في كتابة هذا اللون الإبداعي. من الذين تلمسوا خطواتهم الأولى في مجلة القصة الروائي الذي طبقت شهرته الآفاق فيما بعد – الطيب صالح – الذي نشر فيها قصته القصيرة “حفنة تمر” في بداية الستينات. ثم تبعهم جيل الطيب زروق وعثمان الحوري وعلي المك.

وبنظرة إلى كتابات هؤلاء نرى أنّ أموراً كثيرة تغيرت من حيث تقنية الكتابة. يبدأ الطيب زروق قصته “الأرض الصفراء”: “منذ يومين فقط كانت خطواته فيها كثير من الحيوية والنشاط. لم يكن جسمه يعرق كثيراً هكذا… بضع حبات فقط من العرق كانت منتشرة في أجزاء متفرقة من جسده الطويل المشدود الذي يشبه المومياء”.

أو أن تستعير القصة أسلوباً مغايراً حين يستخدم القاص المونولوغ الداخلي. فيتحوّل الراوي إلى شاهد عيان إذ يسترجع الأحداث كما في قصة علي المك “كرسي القماش”: “لأول مرة تدرك أن هذا الشارع القديم لم تمسه يد إصلاح ، ويبدو أن الأشياء لا تتغير كما ينبغي. “أهذا يومك الأول؟ أو تمضي باقي حياتك على هذا المنوال؟ وما بقي منها هذه الحياة؟ لقد انتهيت عند الحكومة فلفظتك إلى الشارع” – تحدّث نفسك”.

يستخدم علي المك حواراً داخلياً (مونولوغاً) إذ ينقل لنا حالة التشعث لموظف في أول يوم يحال فيه إلى المعاش. الخلاصة أنّ منذ فترة الستينات حتى بداية السبعينات قد استوعبت أشكالاً معاصرة لفن السرد. لحق بهذا التيار في الحقبة ذاتها عيسى الحلو ونبيل غالي وجمال عبد الملك (ابن خلدون) ثم تبعتهم أقلام جديدة في السبعينات تمكنت من تحويل مسار القصة القصيرة وصهره في قالب أكثر نضجاً وحداثة.

تعتبر الفترة التي نضج فيها عيسى الحلو فنياً نقطة انتقال من حيث التحوّل في سبل كسب العيش والهجرات المتواصلة من الريف إلى المدينة. وكاتب القصة الناجح هو من يلتقط القفاز ويحاول محاكاة الواقع الجديد. في مجموعته الأخيرة “رحلة الملاك اليومية”، والتي تضم ثلاثين قصة قصيرة، تتراوح في أحجامها، هناك خاصية يمكن أن نطلق عليها سحرية الزمان والمكان في سرد عيسى الحلو. فالزمان في قصصه دولاب متحرك.

يتأرجح بداخله الكائن الإنساني بين ماض وحاضر. في قصته “رجل بلا ملامح” تقول الفتاة: “اشتد ارتباكي واضطرب الوعي وتشوّش. لقد أصبحت بلا ماضٍ… وهكذا أفقدني الرجل الذي يقف أمامي الآن هويتي بفعل قوة زمانه المعجز الذي قسم حياتي إلى ماضٍ باهت الصور ومنسي، وإلى واقع أكاد لا أتبينه..” ثم إن الوقت يبدو في

العربي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..