صرافات جامدة وبنوك جاحدة

قبل أيام قليلة ذهبت مضطراً لأحد البنوك بعد أن حفيت أقدامي ونضب وقود عربتي اللاهثة في البحث عن صرافة آلية فاعلة تجود عليّ ولو بالقليل وتكفيني مجانية إضاعة الوقت وملل الانتظار الطويل بصالة العملاء. وبالطبع لم يكن هدفي إيداع شيء ينعش قلب حسابي الخافت الضربات وإنما كان السحب لما يعين على تلبية بعض المتطلبات الضرورية. وحقيقة لقد دهشت لكون عدد العملاء في ذاك البنك العريق الكائن وسط الخرطوم كان أقل من المألوف قبل شهرين حيث كان البعض يودعون ويسحبون ما لا يحمل إلا بالحقائب السفرية. ثم حين تابعت الذين تم استدعاؤهم بأرقام التسلسل لم يكن بينهم أحداً من الزاهدين أو الموسرين الذين يودعون أموالهم للحفظ والصون والادخار الاستثماري، بل أن جميع من عانقوا كاونتر الصراف في ذلك اليوم أضعفوا مخزون البنك ونالوا مبتغاهم أو جزءاً منه ? بحيث لا يتجاوز السقف المسموح به – وغادروا حامدين شاكرين.

ويقيني أنه إذا استمر الحال بهذا الغموض المشوب بالحذر وسكتت الصرافات الآلية عن الكلام المباح رغم محدودية سخائها اليومي، في حين ظلت البنوك تتردد قبل أن تعطيك من حر مالك ما تريده، فقد يترسخ الانطباع العام الذي بدأ ينمو لدى العملاء بفقدان الثقة في مستقبل العلاقة مع والبنوك. ولعل هذا يعني حتى بالنسبة للذين لا يفقهون الكثير في علم الاقتصاد، انهياراً كاملاً لركن هام من مقومات التعامل المصرفي وضربة موجعة في عصب العملية الاقتصادية. أما إذا كان لدى الذين رسموا خارطة الطريق الاقتصادية بهذه الضوابط ما يبشر بالخير ويكبح جنون الأسعار الموازية للعملات ويحد من جشع التجار فليخرجوا علينا بتفاصيل البشريات وسديد القول. وعلى سبيل المثال صاحب تلك الضوابط المصرفية ما يشيء بتشجيع التعامل الكترونياً في معاملات الشراء التجارية والتحويلات الحسابية وسداد الرسوم الحكومية بقدر الامكان بدلاً من حمل زكائب النقود، وتلك لعمري خطوة تتبعها بالفعل مختلف دول العالم المتحضرة ولكنها تحتاج إلى الارتقاء بوسائل الاتصال عندنا تفادياً لتوقف التعاملات نتيجة لضعف أو تعثر الشبكة الذي تعاني منه حالياً بعض المؤسسات والبنوك ذاتها وجهات التحصيل الحكومي، فلا يستقيم ظل التعامل الالكتروني وعود وسائل الاتصال أعوجاً.

وإذا جاز لي أن أختم القول فإن الفترة، التي انصرمت منذ أن تم وضع السياسات والقيود الجديدة في التعاملات البنكية وحتى الآن، تعتبر كافية جداً لكي يتم التقييم، ولو جاء مستنداً على مقولة (الثورة تراجع ولا تتراجع)، لإعادة النظر فيما سلف وإحياء الثقة المفترضة بين البنوك والعملاء. ولكن الشاهد أن الأمور تسير على عكس ذلك إذ تصاعد الوضع إلى مستوى إجبار المجنبين أموالهم بعيداً عن البنوك لإيداعها مجبرين بهدف تغيير فئة الخمسين جنيهاً بالطبعة الجديدة حتى لا تصير القديمة بعد فترة زمنية لم تحدد بعد غير مبرئة للذمة، ليعلموا بأن امكانية سحبها وقت ما يشاءون بعد الايداع صار أضغاث أحلام. ولكي يضطر الناس إلى إيداع ما لديهم، أشيع بأن هناك مبالغ مزورة من فئة الخمسين الحالية لذا تم طباعة أخرى جديدة بدلاً عنها، غير أننا لم نسمع شيئاً عن مصير الأوراق المزورة إذا ما تم اكتشافها بتقنيات البنوك عند الإيداع. هل سيتم استبعادها فوراً دون مساءلة لمودعها أم سيتم اعتمادها وتتحمل الدولة وزرها باعتبار أن حاملها لا يعي ذلك. لم يرد على الإطلاق شيئاً حول هذه الجزئية الهامة في عملية تغيير العملة مما جعل الناس غير مصدقين وظلوا يتعاملون بفئة الخمسين القديمة دون ريبة أو شك.

صلاح يوسف
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..