و.. الساقية لسه مدورة ..!

من ذات نطفة ظهر الحكمة اليمانية التي نبتت في رحم الطيبة السودانية وقد شكلتا تلك الخلطة ..
( السومانية )
كما اطلق عليها الدكتور نزار غانم في إختصار بليغ للتلاقح اليماني السوداني الذي أعطانا البروفيسور عون الشريف قاسم وحسين بازرعة والطيب عبد الله و عثمان اليمني وغيرهم من المبدعين ، والذي حمل الشيخ القدال على مراكب المحبة مع تيارات الوداد الدافقة ليبذر الحرف العربي في أرضه الأولى !
ومن ذلك الترابط الوجداني نسج القدر أوتار ناجي القدسي الذي ترنم بها مع نسائم بحور الشعر الغنائي السوداني سابحاً مع أمواجها التي غرق فيها محبة وانسجاماً ، فمالت مع أنغامه حسان المحافل وأهتز لإيقاعته الحارة صدرها و ترنح كل عودٍ طروب !
قابلته آخر مرةٍ في النصف الثاني من سبعينيات القرن الماضي عند صديقه رسام الكاريكاتير استاذنا العبقري عزالدين عثمان عليهما الف رحمة في مكتبه بجريدة الأيام الخوالي ، ربما كان ذلك قبل سنوات قليلة من رحيله الأول وهو يسعى الي جذوره في صنعاء وإن طال السفر ممزقاً بين ساعد العودة الذي يشده الى الأصول و قدم الحنين الذي يتراخى به الى ذلك الهوى السوداني الذي تراقص معه غصن موهبته الأول !
وهاهو ومنذ ايام قلائل يترجل عن مركب رحلته القصيرة ليستريح عند ضفة الذكرى ويرقد حسه الخالد في حناجر من تغنوا له , فقد توقف ذلك القلب النابض آلماً على فراق الأحبة والنازق على أرض الأجداد !
لم يحتفي برحيله الكثيرون من أهل السودان ولا حتى أصحاب الأقلام ، ربما لأنه مثل ذلك الأديب المصري الذي رحل في ذات اليوم الذي ودعت فيه أرض الكنانة زعيم الأمة سعد زغلول فقال العقاد بسخريته المعهودة لقد مات صاحبنا يوم القيامة !
فقد مات ناجي بعيداً عن السودان ايضا يوم القيامة حيث واكب رحيله الثاني والأخير وداع السودان لشاعر الشعب الكبير محجوب شريف ، ليلحقا معاً بموكب الدوش ولعلهما قد ابلغاه إن..
( الساقية لسه مدورة )
لهم الرحمة والغفران جميعاً من لدن الكريم الرحمن.. وإنا لله وانا اليه راجعون .
[email][email protected][/email]
شاهدته لاول مرة بدعوة من صديق له .كان كـأنه يجري بروفة فردية للحن الساقية رددها مرات وكان اكثر حماسا عندما يحض (احمد) : شد الضراع …. الخ علقت وقتها ان قصيدة كهذه لا تنفع كاغنية لانها قضة وكنت متاثرا بكوتشات الاغاني الغربية الذين من اول نصائحهم : لا تقص حكاية بل قل ما بنفسك . نظر ناجي الي شذرا ومضي في بروفته الفردية كأنه لم يسمع ما اقول , فيما بعد اذهلني انا وكوتشاتي الخواجات لو استمعوا لها ! لقد كانت الاستثناء الذي يؤكد القاعدة . رحم الله ذلك السوماني العبقري الجميل واحسن اليه والعزاء للشعبين
تحية الود والوفاء لك استاذنا برقاوي
ربنا يتقبل الرجل المرهف طيب الذكر ناجي القدسي وكل موتانا
كما الساقية لسه مدورة استاذ برقاوي القيامة في السودان يوميا مدور
كنت معه ايام كانت الساقية داخل وجدانه المنغم لم تكتمل بعد وفي القعدة ترنم بلحنها وكان شديد الحماس في المقطع : شد الضراع . … , اعترضت ان القضيدة عبارة عن قضة ولا تنفع للتلحين وكنت في ذلك متأثرا بنصائح الغربيين واولها : لا تحكِ قصة وقل ما بنفسك َ! نظر الي شذرا واشاح عني ومضي يخرج اللحن الذي اذهلتي وكان سيذهل الخواجات لانه استثناء يؤكد قاعدتهم ! لم اكن صديقه بل صديق احد اصدقائه رجمه الله واجسن اليه . كان سومانيا عبقريا حقا
التقيته قبل اسبوع من وفاته وانا في طريقي الى الممل استوقفني وتجاذبنا الحديث
وقال لي هذه الايام مع الاستاذ شادول قمنا بتلحين اغاني للاخ عاصم البنا والمطربه شذى وهم بيعملو بروفات واخذت رقم التلفون ووعدته بان نلتقي معا ونبرف مع بعض ولكن شاء القدر ان لا اهاتفه وسمعت الخبر المحزن له الرحمه والمغفره