الفساد: السرطان السياسي الذي يحتاج الى عملية إستئصال عاجلة

🔵 دول خرجت من مستنقع الفساد -3:
💥 بلغاريا: تحالف المجتمع مع الحكومة قضى على الفساد..
🛑 الأجهزة الحكومية الأمنية والنظامية هي أدوات المجتمع في الحرب على الفساد..
✍ بلغ الفساد في بلغاريا ذروته وانتشر فيها لسنوات عديدة من تاريخ 1997م، حيث انتشر الفساد في المجتمع وفي مؤسسات الدولة بصورة واسعة، ومع اذدياده تم رفض انضمام بلغاريا لدول الاتحاد الأوروبي، وتم وصف القضاء البلغاري بأنه (يعاني من الإضطراب والفوضى)، فكيف استطاعت الحكومة البلغارية الخروج من هذا المستنقع، مستنقع الفساد، واللحاق بركب الدولة المتقدمة والمتطورة؟.
✍ للتغيير وبناء المؤسسية وتركيز هيبة الدولة في نفوس الشعوب وسيادة مكانتها بين الدول، لا بُدّ من سيادة روح القانون واحترام الأجهزة القضائية بالدولة، وفرض هيبتها وسطوتها، ولكي يتم هذا لا بدّ من إستقلاليتها من الحزبية والأنظمة السياسية وابعاد كافة الكوادر السياسية التي تعمل بها، تجنباً للمحاباة الحزبية وتفادياً للتغاضي عن فساد السياسيين، وهذا هو مربط الفرس وبداية طريق الإصلاح والحرب على الفساد، وهو أن يكون هنالك جهازاً قضائياً، مستقلاً فعلياً من التدخلات الحزبية ونقي كبياض الثلج من مُلوثات البيئة السياسية.
✍ المؤتمر الوطني كحزب سياسي نجح في هيكلة الحزب عبر المؤسسات والوزارات المختلفة، عبر قطاعاته الفئوية ووحداته التنظيمية بكافة قطاعات المجتمع بما فيها مجالات المرأة السودانية، ولكن لم تهتم قيادات الحزب بمنهجية وتنظيمية التأسيس وانما كان جُلّ اهتمامها بكميّة انتشار كوادرها في القطاعات المختلفة، وتسبب هذا في خلق منافسات بين كوادر لوبيات متعددة داخل الحزب يفتقد معظمها المؤسسية والتخصصية، واستوطنت هذه الكوادر هيكلة الحزب وغرست جذورها في تنظيمه، لدرجة أن صار بعضها قيادات تنظيمية، ونتج عن هذا خللاً واضحاً في مخرجات الحزب المجتمعية في كافة مجالات الحياة، ولحاكمية الحزب أثّر ذلك في اوضاع البلاد الاقتصادية والسياسية والأمنية.
✍ استعانت الحكومة البلغارية بمن هم خارجها من قيادات مجتمعية فعّالة بعد أن أجرت استطلاعاً واسعاً بكل مكونات المجتمع البلغاري للتعرف على رؤية المجتمع للفساد ومكامنه وبؤره ونوعيته، وتأثيراته المختلفة على الاقتصاد البلغاري.
✍ جاءت استعانة الحكومية البلغارية بمكونات المجتمع على مستوى الأفراد والأشخاص وليس على مستوى التنظيمات السياسية كما فعلت حكومتنا السودانية، حين منحت كافة الأحزاب السياسية فرصة المشاركة في عملية الحوار الوطني، ونتج عن هذه مشاركة واسعة لمختلف الأحزاب السياسية عبر كوادرها بقطاعات ومؤسسات حكومية مختلفة، ولكن لم تشهد الساحة الاقتصادية السياسية الأمنية أي تغيير للأحسن يُذكر في أرض الواقع.
✍ استفادت الحكومة البلغارية من عملية استطلاعها للمجتمع ومكوناته في اكتسابها صورة واضحة عن رؤية المجتمع البلغاري بأسره للفساد في كل أجزاء بلغاريا، وتمكنت بعدها من وضع خطة حاسمة للقضاء على الفساد بمشاركة مجتمعية حكومية، حيث قامت الحكومة البلغارية بتكوين هيئات مجتمعية نشطة ومُدركة لخطورة تفشي داء الفساد بالمجتمع البلغاري وتأثيره علي اقتصاد الدولة وانهيارها، فأنشأت الحكومة البلغارية تحالفاً بين القطاع العام والقطاع الخاص في عام 1997م ونتج عنه نظام متابعة الفساد:
Corruption Monitoring System.
فأصبح هذا النظام أداة مجتمعية حكومية مشتركة للكشف عن مواطن الفساد وجذوره واقتلاعها من بين مكونات المجتمع ومؤسسات الدولة الحكومية، ونتج عن هذه الشراكة وضع الإستراتيجية الوطنية البلغارية لمكافحة الفساد في الفترة ما بين 2001م الى 2004م.
✍ وعبر هذه الآلية الحكومية المجتمعية وبمساعدات منهجية علمية مؤسسية إستطاعت بلغاريا من الخروج بصورة شبه كاملة من عنق زجاجة الفساد واللحاق بركب دول الاتحاد الأوروبي، ومازالت الحكومة البلغارية تنتهج منهج الإصلاح المؤسسي للقضاء علي ما بواقي الفساد بها.
✍ ما صرفته الحكومة السودانية لتنمية أجزاء الوطن كان سيكون كافياً لإحداث تنمية ونهضة حقيقية لو أنها استعانت بالمجتمع وقواعده، بدلاً من تركيزها علي الشخصيات والمسميات الحزبية المناهضة لها، وخير مثال لذلك تكوين صندوق تنمية واعمار شرق السودان، فالميزانيات الضخمة التي دخلت هذا الصندوق كانت كافية لاحداث تنمية نوعية ممتازة في شرق السودان بأكمله، ولكن نوعية الكوادر المنفذة للمشاريع التنموية التي استعانت بها الحكومة، كانت أقل قامةً من الفكر التنموي الحديث، وأصغر همّة من الاهتمام بمشاكل الوطن وذلك لافتقداها لكثير من ملامح القيادة الراشدة، وافتقارها للحس الوطني الذي يجعلها تهب للوطن من قوت عيالها من أجل استقراره ونمائه.
✍ الفساد في الحكومة السودانية الآن نتج معظمه بسبب ضعف امكانيات الكوادر البشرية السياسية المختلفة من الحزب الحاكم او من الأحزاب الأخرى المشاركة في حكومة الوفاق الوطني، لم تتلق معظم هذه الكوادر التدريب المؤسس المنهجي العلمي في الممارسات السياسية، وفي تطوير الذات واكتساب مهارات القيادة، والارتقاء بالنفس البشرية لمعاني الإنسانية وقيم المجتمع الفاضلة، ولا يوجد الآن حزب سياسي بالسودان يهتم بأخلاقيات الممارسة السياسية وأخلاقيات الحزب والتنظيم، لذلك كثُر الهرج والمرج وسط السياسيين، وأصبح حالهم كحال اداريي الأندية الرياضية وهم يتجادلون في سوء الوضع الرياضي بالسودان في حين أنّ معظمهم لم يمارس الرياضة ولا يعرف أبجدياتها.
✍ أول خطوات الحرب على الفساد في السودان، ينبغي أن تكون عبر آلية، تُعرف، أو يتم تسميتها ” آلية الإصلاح والحرب على الفساد” ويجب أن تتكون من قيادات حكومية ومجتمعية نزيهة ويشهد الكل بتجردها وحبها للوطن واخلاصها وتفانيها في الحق، ويجب أن يتجاوز اختيار أعضاء هذه الهيئة القومية المعايير الحزبية تماماً، فتكون هيئة منفصلة تماماً، من أي تنظيم حزبي سياسي، لتعمل بكل استقلالية عن أجندة أي حزب أو أي منظومة سياسية، ومن ثمّ يتم تفعيل دور القضاء السوداني وتثبيت استقلاليته تماماً من أي تبعية، ساعتها فقط يمكن أن تكون هنالك بداية جادّة في طريق الإصلاح والحرب على الفساد.
✍ يقول الله عزوجل:( وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (56)- آل عمران.
✍ علي بابا
6-4-2013م.