حديث عن القراءة..

وسط مجموعة من الطالبات الجامعيات سألتهن عن نوع القراءة التي تستهويهن.. قالت لي احداهن لا نكذبك أنا شخصياً لا أقرأ حتى الصحف اليومية وذلك لأسباب كثيرة على رأسها ندرة وغلاء الكتب والمجلات وحتى الجريدة ذات الخمسة جنيهات.. والباقي ظروفنا نحن نلهث من الصباح خلف المواصلات في سبيل أن نصل إلى قاعات المحاضرات.. هذا بالنسبة لنا نحن بنات ولاية الخرطوم أما إخواننا بنات الولايات الأخرى ساكنات الداخليات المتناثرة لسن بأحسن حالا منا.. واستمرت في حماس كأنها تترافع أمام محكمة خطيرة الاتهام وحتى إذا وجدنا فسحة من الزمن للترفيه يأكلها التلفزيون بفضائياته العديدة أو أخبار آخر صيحات الكريمات والموضات وشمارات الفيس بوك والواتساب واستمرت بذات الحماس.. أنت عندما كنت تتحدثين عن قراءة جيلكن واهتمامه بالاطلاع مما جعل نقاشكن حول روايات مكسيم جوركي وتلستوي ونجيب محفوظ والسباعي واحسان عبد القدوس ومقالات وكتب طه حسين والعقاد ونقاشكن حول طبيعة العلاقة ما بين سارتر وسيمون دي بفوار وخلافات البير كامي مع سارتر ومدارس واتجاهات الأدب الواقعية والاشتراكية والتقليدية ومدرسة الخرطوم في الفن التشكيلي ورواد مدرسة الغابة والصحراء.. باختصار عندما كنت تتحدثين كنت أتابعك بدهشة واعجاب ولكن بلا فهم فأنا سمعت بنجيب محفوظ من خلال الأفلام وشاهدت بعضها في السينما والبعض الآخر في الفيديو مثل «قصر الشوق وبين القصرين والسكرية» وتابعت محاولة اغتياله من قبل المتطرفين التي قيل انها بسبب روايته «أولاد حارتنا» وسمعت أيضاً في الأخبار بوفاته. أما ناس مكسيم وتلستوي وهمنغواي فأين نجدهم.
٭ أحسست بحيرة مريرة وحقيقية سيطرت علي تماماً عندما قالت احدى الحاضرات إننا كلنا كتلك الزميلة.. فما رأيك في هذه الظاهرة وضحكت في ألم.
٭ والحيرة سببها من أين أبدأ فأنا أمام صفوة أمام عقول تمتاز بقدر لا يستهان به من الذكاء وإلا لما استطعن الوصول إلى الجامعة بمختلف كلياتها الأدبية والعلمية والفنية وأيضاً أمام ظاهرة مؤلمة تمنيت ألا ألحظها ولا أتحدث عنها ولكن الواقع شيء والأماني والتمنيات والمفترض أن يكون شيئا آخر.
٭ قلت لهن بدأت المشكلة تطفو على السطح خلال الخمسة والعشرين عاماً الأخيرة أو بالأحرى عندما أصبح التلفزيون جوازاً شعبياً بفضائياته المتعددة حتى أخرج لنا جيلاً نطلق عليه جيل التلفزيون تسيطر عليه الصورة لا الكلمة كما كان من قبل في الأجيال السابقة.
٭ والمعروف أن الصورة ليست لغة الانسان وحده بل يشترك معه فيها الحيوان والكلمة المكتوبة وحدها الخاصة بالانسان المتعلم وهي التي تقهر الموت وتبقى فأين الذين تحدثنا عنهم ذهب بهم الموت ولكن بقيت كلماتهم.
الصحافة