مفارقات تأجيل الضربة

على هامش المفاوضات والمناورات التي تدور حول حل سياسي لأزمة استخدام نظام بشار الأسد السلاح الكيماوي ضد شعبه يجنّبه الضربة العسكرية الأميركية والغربية، يستوقف المرء بعض الخواطر والاستنتاجات والمفارقات، بعيداً من البروباغندا الترويجية عن النصر الذي حققته هذه الدولة أو تلك، إن على الصعيد الديبلوماسي أو على الصعيد العسكري أو الأمني.

من أبرز الملاحظات أن الدول المساندة للنظام السوري لم تعتمد على قوتها وقدراتها العسكرية من أجل تجنيب الأسد الضربة الأميركية، بل راهنت على التأثير في موقف الكونغرس الأميركي وتصويته ضد تأييد توجه الرئيس الأميركي باراك أوباما نحو تنفيذ الضربة.

من تابع تصريحات قادة الدولتين الأبرز المساندتين للنظام السوري، روسيا وإيران، لا بد من أن يلاحظ أنهما تجنبتا تهديد أميركا بالرد في حال نفذ أوباما قراره، بل فضلتا تحذيرها من عواقب الضربة، لجهة استفادة «القاعدة» والمنظمات الإرهابية منها من أجل التوسع في عملياتها ضد المصالح الأميركية والغربية. وأعلنت موسكو بصراحة أنها لن تشترك في أي حرب تندلع الى درجة أنها لن ترد على إصابة إحدى سفنها إذا حصلت خطأ، وقد لا ترد حتى إذا أصيبت عن قصد، فيما شددت الحملة السياسية ? الإعلامية الإيرانية على أن أول المتضررين من الضربة هو إسرائيل، مهددة بأن الصواريخ ستسقط عليها عند بدء سقوط الصواريخ على مواقع النظام في سورية. والحجتان، الروسية والإيرانية، هدفتا الى التأثير في أعضاء الكونغرس الأميركي المترددين أو الذين قد يغيّرون موقفهم إذا تأثروا بالحملة التي قادها أوباما لإقناعهم بوجهة نظره. نزلت موسكو وطهران الى اللعبة الديموقراطية في واشنطن بموازاة إرسال موسكو سفناً لإخلاء الرعايا ولرصد التحركات العسكرية الأميركية في المتوسط، لعل الرادارات الروسية تساعد في الإنذار المبكر لنظام الأسد عند انطلاق الصواريخ من السفن الحربية الأميركية، ومقابل تسريب أنباء عن أن «حزب الله» تولى مسؤولية بعض المنصات الصاروخية السورية، على الأراضي السورية، في تلويح الى أنه قد يرد من الأراضي السورية لا اللبنانية، على إسرائيل. راهنت طهران على أن يقود ذلك اللوبي الإسرائيلي في واشنطن، من شدة قلقه على أمن إسرائيل، الى التأثير على من يستطيع أن يؤثر فيهم من أعضاء مجلسي الشيوخ والنواب، لرفض الضربة، في وقت ما زال حفظ أمن إسرائيل من ثوابت موسكو.

وظّفت طهران «لوبي» أميركياً للعمل على تحذير الرأي العام الأميركي من عواقب الضربة، لعلّ ذلك يساعد في الحفاظ على أكثرية في الكونغرس رافضة للضربة. ووعدت بمساعدات إنسانية واقتصادية لسورية. وذهب الأمر بالرئيس فلاديمير بوتين الى حد كتابة مقال في «نيويورك تايمز» ليتحدث «مباشرة الى الشعب الأميركي وقادته السياسيين»، في خطوة نادرة، دعا فيها الى حماية القانون الدولي، متبرئاً من حماية نظام بشار الأسد.

وإذا كان أوباما نفسه لعب لعبة تأثير الخارج على الكونغرس عبر حشد الدعم الأوروبي وتمكن من تحقيق تقدم عبر الموقف الأوروبي الداعي الى «رد قوي وواضح على استخدام النظام السوري الكيماوي»، فإن المفارقة تكمن في تشابه أسباب ما يدأب الجميع على وصفه بـ «تردد» أوباما لمجرد قراره اللجوء الى الكونغرس للحصول على تأييده، وفي أسباب لجوء كل من موسكو وطهران الى الأساليب السلمية و «الديموقراطية» في مقاومة الضربة.

إنه الاقتصاد. وإذا كان الرأي العام الأميركي، الذي لا يريد أن يسمع بحرب جديدة بعد ما سببته الإخفاقات الأميركية في العراق وأفغانستان من تراجع في الاقتصاد الأميركي، هو الذي كان وراء تردد أوباما، خوفاً من انعكاس الضربة العسكرية سلباً على الوضع الاقتصادي، وعلى وعود أوباما للأميركيين بقرب تعافيه، فإن الأمر لا يقل أهمية بالنسبة الى روسيا وإيران. فالوضع الاقتصادي في كل منهما لا تحسدان عليه، وانزلاقهما الى أي نوع من المواجهة العسكرية، سواء المباشرة أم غير المباشرة، مع أميركا في حال نفذت الضربة سيضاعف صعوباتهما الاقتصادية، نظراً الى كلفة إقبالهما على أي منازلة. والكلفة الاقتصادية المحتملة هي التي دفعت الرئيس الصيني شي جين بينغ في قمة العشرين (الاقتصادية) قبل أسبوع، الى التحذير من الانعكاس السلبي لأي حرب.

ومن دون التوقف عند مفارقة اعتراف النظام السوري بامتلاكه الأسلحة الكيماوية والاعتراف الضمني من قبل الروس بأنه استعملها، طالما أنهم يقترحون وضعها في عهدة الأمم المتحدة (لأن الأزمة نتجت عن استعماله إياها وليس عن امتلاكه لها)، فإن المفارقة الأخرى هي أن المبادرة الروسية تتيح العودة بحكم آلياتها الى الأمم المتحدة لمعالجة الأزمة السورية، بعدما حالت دون ذلك 3 فيتوات روسية وصينية في مجلس الأمن. باتت العودة (بجدية) مطلباً أميركياً لا روسياً. فواشنطن تراجعت عن أحادية قيادتها للعالم بعد أقل من سنة على اجتياحها العراق وفشلها في إدارته، في عهد جورج بوش نفسه. وللتذكير فإن أولى ثمرات انهزام أحاديتها كانت القرار الدولي الرقم 1559 حول لبنان، الذي لحقته قرارات عدة أهمها ما يتعلق بالعقوبات على إيران، بموافقة روسية وصينية… وتصر واشنطن على التعاون مع موسكو حفاظاً على التوافق الدولي في شأن الملف الإيراني.

لكن أكثر ما يدعو الى السخرية والشفقة في لعبة التأثير على الديموقراطية الأميركية، هو الرسالة التي بعث بها رئيس مجلس الشعب السوري الى برلمانات بريطانيا وفرنسا وأميركا مطالباً أعضاءها بـ «عدم التهور».

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. فوبيا العراق تخيم على البيت الأبيض

    جاسـم الشمـري / العراق
    تاريخ المقاومات القريب والبعيد أثبت حقيقة مهمة وساطعة كسطوع الشمس، وهي أن مقاومة الاحتلال والظلم والطغيان والدكتاتورية تكون باهظة الثمن، وتدفع الشعوب فاتورتها من حياتها وكرامتها وحريتها ورزقها.

    الشعوب حينما تُستهدف في أوطانها، وشرفها، وهويتها، فإنها تكون مستعدة لبذل الغالي والرخيص، من أجل الحفاظ على وجودها، وكيانها، وكرامتها، ولن تكون الخسائر الفادحة مانعاً من مواصلة العمل من أجل الاستقلال، والحياة والكرامة والحرية، وهذا بالتحديد ما حدث للعراقيين عام 2003، وما بعدها.

    العراقيون والمقاومة العراقية وجدوا أنفسهم في مرحلة من مراحل هذا الزمن العجيب أمام آلة حربية متطورة وفتاكة وعملاقة، تهابها حتى الدول المتقدمة، وأعني بذلك جيش الولايات المتحدة الأمريكية، المصنف بأنه الجيش الأول في العالم، وحينما نقارن بين القوتين العراقية والأمريكية، نجد أن الحسابات المنطقية والفكر العسكري ترجحان الطرف الأمريكي على المقاومة العراقية، التي لا تمتلك سوى أسلحة بسيطة تعد أسلحة بدائية قياساً بالترسانة الأمريكية الهائلة والمتطورة، وعلى الرغم من كل هذا الميل الواضح للكفة الأمريكية، فان المقاومة العراقية حققت نصراً متميزاً بكافة المقاييس العسكرية والسياسية والأخلاقية.

    العراقيون عَرفوا منذ الأيام الأولى للاحتلال أن الحسابات المنطقية والعسكرية ترجح الطرف الأمريكي في معركتهم للخلاص من المحتل، إلا أنهم كانوا على يقين أن الشعوب الحرة الحية، لا يمكن أن تستسلم للاحتلال، وعليهم أن يقفوا بوجهه، ورغم كل الصعوبات قرروا مقاومة المحتل، وانتصروا في المحصلة النهائية، وأجبروا الأمريكان على الانسحاب الرسمي من بلاد الرافدين نهاية عام 2011.

    ومنذ تلك الهزيمة المدوية للأمريكان في العراق، نجد أن أمريكا تقوقعت على نفسها، وقررت أن تعيد حساباتها عشرات المرات قبل الاقدام على أية حرب، أو تدخل عسكري هنا أو هناك على وجه المعمورة، وهذا ما يؤكده التخبط في السياسة الأمريكية بخصوص توجيه ضربة للنظام الدموي في الشام.

    وفي يوم 28/8/2013، قال الرئيس الأمريكي باراك أوباما، في مقابلة تليفزيونية مع شبكة التليفزيون العامة الأمريكية، “إن استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية ينتهك الأعراف الدولية”، وإن ” الإدارة الأمريكية لا تريد الدخول في حرب طويلة كما حدث في العراق”.

    وفي يوم 7/9/2013، قال الرئيس اوباما: ” لن تكون العراق أو افغانستان أُخرى، أعلم أن الشعب الأمريكي انهكته الحرب التي دامت عقداً رغم انتهاء الحرب في العراق ودنو الحرب في افغانستان من نهايتها. لهذا السبب فلن نقحم قواتنا في معمعة حرب يخوضها آخرون”.

    المتابعون للسياسة الأمريكية الداخلية والخارجية يؤكدون أن أعضاء الكونجرس سواء من الديمقراطيين أو الجمهوريين غير متحمسين لضرب النظام السوري؛ ويرجع ذلك جزئياً لمعارضة الأمريكيين بشدة للتورط في نزاع جديد في الشرق الأوسط، وكل هذه المخاوف في حقيقتها بسبب الهزيمة الواضحة للأمريكان على أرض الرافدين.

    وأظهر استطلاع اجرته رويترز / ابسوس ونشر يوم 7/9/2013، أن” (56) بالمائة من الأمريكيين يعتقدون أن الولايات المتحدة ينبغي ألا تتدخل في سوريا، بينما يساند (19) بالمائة فقط العمل العسكري”.

    وفي يوم 1/9/2013، ذكرت صحيفة “يو إس أيه توداي” الأمريكية، أنه “بعد مرور عشرة أعوام من الحملة العسكرية الأمريكية في العراق، وجد الرئيس أوباما نفسه يطارد أشباح العراق، بينما يسعى لكسب تأييد الكونجرس المرتاب والشعب الذي سئم الحروب من أجل توجيه ضربة عسكرية عقابية ضد نظام الأسد”.

    الحيرة الأمريكية في توجيه ضربة للنظام السوري سببها الرئيس هو تخوفهم المستمر من شبح المقاومة العراقية الذي ظل يلاحقهم في صحوتهم ومنامهم حتى بعد انسحابهم الرسمي من العراق!

    الانتصار الذي احرزته المقاومة العراقية ضد الجيش الأمريكي، والأساليب المتجددة والمختلفة لعملياتها العسكرية، التي أدخلت البنتاغون الأمريكي – حينها – في دوامة من الحيرة في كيفية مواجهتها، هذا الانتصار سيدرس في الجامعات والمعاهد العسكرية في الكثير من بلدان العالم؛ لأنه يحمل في طياته قدرة وتميزاً من حيث التوقيت والأساليب.

    العراقيون اجبروا الأمريكيان وغيرهم على تغيير استراتيجيتهم في المنطقة، وأكدوا للجميع أن ارادة الشعوب أقوى من كافة أنواع الأسلحة.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..