نابضة بالإيحاء وتحيا في النصوص الروائية والقصصية.. صناعة الشخصيات

أمير تاج السر
في إحدى المرّات، كنت أجلس على مقهى، اعتدت الجلوس عليه من حينٍ لآخر، برفقة جهاز الكمبيوتر، الذي أكتب عليه، كجزء من صنعة الكتابة، وإذ برجلٍ يقف أمامي فجأةً، وأنا أُدوِّن خاطرة، في حوالي الستين أو يزيد، يرتدي ملابس عادية، ونظارة طبية ذات إطار بلاستيكي. كان وجهاً جديداً لا أعرفه، ولم يسبق أن رأيته من قبل، ومن دون أن يُلقي التحية خاطبني سائلاً:
هل أنت راضٍ عمّا تكتبه؟
قلت بلا تردّد: نعم، إلى حِدٍّ ما.
قال وهو يُشير إلى طاولة قريبة، عليها كوب ماء ممتلئ وفنجان قهوة خالٍ كما يبدو: إذن ادفع ثمن قهوتي.
ثم مضى مُبتعداً من دون أن ينتظر ردي أو يرى ما ارتسم على وجهي من دهشة واستغراب.
هذه شخصية حقيقية، ويمكن بشيء من التطريز الجيد، وإضافة بعض التوابل أن تصبح شخصية افتراضية داخل نص، الشخصية هنا تتبع ما يجب أن يحدث فعلاً عند كتابة القصة، أي التقاط الإيحاء من مصادر الإيحاء، ثم تفعيل الخيال لكتابة نص مُتميّز، وبالطبع إِنْ نجحت الحيلة، يستطيع الكاتب أن يصل إلى قرّاء كثيرين بلا عناء كبير.
شخصياً اعتدت على مصادفة مثل هذه الشخصيات، اعتدت على إبهارها وإدهاشها، ومن المفترض أن لا تبدو لي غريبة، لكنها تبدو هكذا في كل مَرّة أصادفها، ولطالما التقطت شخصيات ووظفتها، بعضها نجح في حمل مسؤولية توظيفه، وأدى دوره بإتقان، وبعضها لم ينجح مع الأسف، ومؤكد توجد عوامل ساعدت على عدم نجاحه.
أذكر حين كنت أكتب الشعر، وظهرت وأنا طالب في الجامعة، في برامج تليفزيونية عدّة، أقرأ شعري المتهيج، والذي كان في ذلك الوقت يتحدّث عن انتفاضة مارس- إبريل، في السودان، أن أصبحت هدفاً لمثل هذه الشخصية التي ذكرتها، وما زلت أتذكر تلك المواقف المزعجة، والطريفة في نفس الوقت التي مررت بها، واستفدت منها بالفعل في تقوية إمكانياتي في رسم الشخصيات، أذكر الماحي، مدرس المرحلة الابتدائية الذي اصطادني في قطار، قادم من العاصمة إلى مدينة بورتسودان، وأنا جالس في الدرجة الرابعة، ليوهمني بنجومية لا أملكها، ويقودني للدرجة الأولى بدعوى تكريمي، ثم أكتشف أن المدرس، لا يملك تذكرة للدرجة الأولى ولا قرشاً ليأكل به خبزاً يابساً، وأقوم بدفع تكاليف رحلته كاملة، ولا أجد في جيبي ما يوصلني حتى لبيت أهلي. وأذكر في هذا الصدد، إسماعيل الذي صرخ في موقف الباصات منبهاً كل الناس، إلى الشاعر العالمي، الذي يقف وسط الشعب، مما اضطرني للهروب، وركوب عربة أجرة بصحبته، وبالطبع كنت من يدفع لسائقها.
كثيرة هي الشخصيات النابضة بالإيحاء، ولأنه لا وقت للكاتب ولا عمر أصلاً لكتابة كل شيء، تحيا بعض هذه الشخصيات في النصوص الروائية والقصصية بينما يموت بعضها، بكل ما يحمله من جمال وفوضى
اليوم التالي




شكرا عزيزي سوداني علي ثراءك النقدي وافتقدتك في الفصل الفائت لما اكتب وخشيت عليك
متعك الله بالصحة والعافية ومنك نسلك دروب المنهج الصحيح تذكرة وعبرة وان كان المرء حين يكتي لا ينتبه عادة للنقد من اين ياتي وشكرا الف مرة ومرة.
وشكرا لاخينا وابن مدينتنا امير الروائي الباتع في الدرب الطويل .