إقامة «مؤقتة»..!ا

اوراق متناثرة
إقامة «مؤقتة»!!
غادة عبد العزيز
دأبت منذ حضوري إلى السودان على تصحيح السؤال الذي اتلقاه دائما، «جايين إجازة طويلة ولا قصيرة؟». فاسارع اولاً بأن انفي مسمى الإجازة، فأنا كنت قد قررت أن اطلق على فترتي في السودان لقب «الإقامة المؤقتة». ولدي عدة اسباب، اولها ان الإجازة لها معاييرها، فهي فترة قصيرة «جدا» ويسعى الإنسان فيها للخروج عن المألوف، ففيها يريد أن يخلو بنفسه من عناء «الجري» والسعي ويخلد إلى الراحة ما استطاع. وفي الإجازة ايضا يرى الإنسان، بصفة عامة، أن الحياة جميلة وردية فهي عبارة عن فترة استرخائية هدفها هو دعم النفس حتى يتمكن الإنسان من العودة مرة إخرى إلى «دواسة» حياته الطبيعية وروتينها.
ومن الأسباب الأخرى أن الإقامة تعطي إحساسا بالاستقرار حتى، في تقديري، وإن كانت مؤقتة. ففيها تسترخي الملابس في ارفف الـ«دولاب» ويسعى الإنسان في الأرض الجديدة وكأنه ينتوي ان يعيش فيها ابدا. فيخلق علاقات وصداقات جديدة، يود فيها العائلة ويصل علاقاته القديمة، وتبقى دنيته وكأنها هي الباقية له. لكنني وجدتني «اظبط» نفسي وهي متلبسة، تتصرف كما وهي تقضي إجازة. فأسير صباحا في الطرقات في محاولة لا ادري إن كانت لحفظ اكبر قدر ممكن من معالم البلاد في ذاكرتي «او كما قالت لي إحدى الصديقات ممازحة: «تحفظي ليها شنو؟ كلها تراب ونفايات»، ام هي محاولة لكي اقنع نفسي بأنني لست زائرة او سائحة، بل انا مقيمة احاول ان اتعرف، لا اتحسس، ملامح المنطقة التي اعيش فيها.
وفي سعى الصباحي ذاك، اجدني اتوقف لدى الباعة اسأل عن اسعار الخضروات والفواكه. وبالرغم من انني أفكر في نفسي بصفتي مقيمة، إلا أنني أثق أن البائع الذي يجيب على اسئلتي الكثيرة يدرك تماما، ويفكر فيّ على انني زائرة «إحساس يمكن ان اخلص نفسي منه، لكنه يصبح من الصعب ان تقنع الناس من حولك بتركه والتخلص منه». ولأنه لم يكن لدي معيار محدد وقتما حضرت، فكانت الأسعار التي تقال لي افترض فيها «حسن النية» وانها اسعار البلاد الـ«معقولة» التي تناسب العباد، حتى اتى يوم وافق الخامس منذ آخر مرة خرجت فيها.. لكنني لم اكن مستعدة للمفاجأة.
لقد تغيرت الأسعار خلال الايام الماضية وارتفعت بصورة جنونية، وهنا اعني الجنونية حقيقة وليست مجازا. فحينما سألت في اول محل عن اسعار الطماطم والبرتقال مثلاً، ظننت أن البائع يبالغ في حديثه و«يضرب» سعره في العالي، فسريعاً تجاوزته فقط لاكتشف أن الأسعار قد تغيرت لدى جل الباعة الجالسين على مد البصر. وبدأت أسأل، يا «جماعة» أنا كنت هنا قبل خمسة أيام فقط، هل تغير السعر كل هذا؟ ما الذي يجعل «كيلو» الطماطم يرتفع إلى العشرة جنيهات؟ وما الذي دفع بـ «كرتونة» البرتقال إلى ان يزيد سعرها من 22 جنيها إلى 33 جنيها؟ وليت الأسعار ارتفعت بالجنيه او الاثنين، بل نحن نتحدث عن ارتفاع مكوكي يجب أن يتعلم منه الخبراء في «ناسا»، فربما يستطيعون أن يصلوا بالصواريخ إلى كواكب لم يصلوها من قبل. وبالرغم من إصراري على يوم قريب استقر فيه بالسودان، إلا انني «ظبطت» نفسي هذه الأيام تجيب مباشرة ولا تصحح سؤال الأصدقاء والأقارب عن مدة «الإجازة»!!
الصحافة
سلمي لي علي بت خالتك السمحه وتحياتي لاوباما وقولي ليهو صاحبك زعلان منك كان تشاورو قبل ماتقتل بن لادن . واحكي ليهو بالاسعار الجنونيه دي والسخانه والمطر الابي ماينزل دا وماتجيبي ليهو سيره المحكمه ولادارفور ولاجنوب كردفان ولاابيي ولا مشروع الجزيره ولا جامعه البطانه.
أخيرا فهمتى ……………
(ارتفاع مكوكي يجب أن يتعلم منه الخبراء في «ناسا»، فربما يستطيعون أن يصلوا بالصواريخ إلى كواكب لم يصلوها من قبل) – هذا التعبير كان الأكثر و أقوى جاذبية لوجداني بين حنايا مقالك الجميل و ربما يرجع ذلك الى خلفيتي الصاروخية سابقاً في السودان بعد أن نهلنا منا عذب مائها الكثير من الذي روى عطشنا و شبقنا التقني و لم يزل لدينا الرغبة و الأمل في أن نعود للوطن كخبراء في هذا المجال لتحويل اخبرات المكتسبة في أحشاء هذا الجيل الهش من حيث الثقافة و اللغات الأجنبية و خاصة التقنية الصاروخية قمة الإبداع في عملية الإرسال و الإستقبال الكهروميغناطيسية !!! لك التحية و لتعبيرك الحلو يا أخت غادة العائدة للوطن الجريح راجياً منك عدم العودة للغربة للمشاركة في بناء السودان فالأوطان ليس لها ثمن!