الأخطاء الكبرى للأستاذ محمود محمد طه (2)

(1) كان الأستاذ الكبير محمود محمد طه وهو في ( غباش ) الخمسينات و الستينات وأوائل السبعينات من القرن الماضي , وفي ذروة غيوم الحرب الباردة لا يرى في الإقتصاد الرأسمالي سوى قشرته الديمقراطية الفوقية التي تتبدى في ما يحبه ويبشر به الرجل الأصيل وهو مبادئ حقوق الإنسان , فلم يدرك أويستشف قدرة هذا الاقتصاد الداخلية على ( التطور ) و التحور و ( الإستجابات ) المرنة لما تخفيه حركة وحاجات المجتمعات الحديثة كما ظهر مؤخرا جليا للعيان في إقتصاد ( السوق ) الذي تبنته الإنقاذ برؤية دينية مذهبية (تمكينية ) فدمرته وسلكت به طرقا وعرة فجوعت به الشعب وأرهقت به الإنتاج , دون أن ترى فيه – كما فعل الأستاذ سابقا – اقتصاد ( المشاركة ) والحرية , بدلا من الإحتكارات , والرعاية الإجتماعية , بدلا من القسوة والخراب الإجتماعي لرأس المال المحلي , والخبرة الوطنية , والشرائح الشعبية كثيرة العدد التي تحتاج ليد الدولة القوية كي تدخل في الدائرة الإقتصادية , ذلك الإقتصاد الذي تبناه العالم من أقصاه إلى أقصاه وفشل فيه الإنقاذيون والطفيليون وحولوه إلى احتكارات حزبية وإجراءات مفتعلة وخيانات إقتصادية كبرى دون أن يدركوا لبه ويتوغلوا في كنهه . نظر الأستاذ لما ظنه نهاية التاريخ في الستينات حيث انتظمت العالم نهضة ثقافية وفكرية عظيمة فلم ير سوى الشيوعية في الشرق والرأسمالية في الغرب فلم يفرق بينهما كثيرا لوجود قوى عظمى خلفهما , فاختار من تلك نظرته الإشتراكية من وجهة نظر صوفية , واختار من هذه شكلها الديمقراطي من ذات الوجهة الصوفية التي تختار كما تشاء حسب ما تظنه إنسانيا وإلهيا ومستقبليا, ولم يختر في الحقيقة سوى أضعف حلقات هذه النظرات الإجتماعية مفرطا بذلك في قدرة الرأسمالية على إنتاج نفسها من جديد , ومفرطا كذلك في أكبر أفكار ( كارل ماركس ) الذي كان معجبا به , وكثيرا ما ينتقد فلسفته عن القوة والعنف , وهي تلك الفكرة التي تقول إن الأشكال السياسية والقانونية والأيدلوجية ما هي إلا تعبير فوقي عن الجوهر المادي في الحياة الإجتماعية , فأخذ الديمقراطية من أعداء الشيوعية , وأخذ الاشتراكية من أعداء الرأسمالية دون أن يحدد ويكشف عن الأسس التي تدعم هذا الإتجاه وتؤيد هذا الإختيار تاريخيا واجتماعيا واقتصاديا , وظن في زمن الظنون ذاك حيث تنتشر وتجد الأتباع حتى النظريات الفلسفية والأدبية المجردة (كالوجودية) و( النتشوية ) ونحن أقرب ما نكون يومئذ من التأثير الأوربي بسبب الاستعمار أنه يستطيع تكوين كتلة عالمية ثالثة مقنعة – كما حاول الترابي فيما بعد أن يجمع كل الحركات الإسلامية من أصقاع العالم – ويكون بذلك وسطا بين نظريتين عالميتين , وظن بذلك أنه سيسد النقص في كليهما دون أن يرى أو يؤيد انتصار أو صحة إحدهما على الأخرى أو على الأقل قدرتها على مقارعة تحولات المستقبل وقبول اكتشافاته ومبتكراته في كل النواحي الحياتية , ودون أن يرى تناقض هذه الفكرة ( التلفيقية ) المرحلية والتاريخية مع حركة التاريخ وإمكانيات المستقبل .
(2) أكثر ما أضعف ودمر الفكرة الجمهورية في نفوس الأجيال ,هو نفس ما يحتفي به الأستاذ العظيم وتلاميذه , المذهبية , ولم تكن هذه المذهبية مذهبية علمية أو تاريخية أو تحليليه , وأكثر ما عطلها , وفت في عضدها , محاولاتها الأحادية من قبل الأستاذ أن تكون ( شاملة ) وأن تقوم على الشرح والتعليل والإقناع وليس على الدراسة والتعليم والتلقين . هذه المذهبية جعلت الأستاذ ومن بعده التلاميذ في صراع دائم لا يلين ولا يتوقف مع كل من هب ودب حتى أرهقت الفكرة كل من انتمى إليها , ولف حولها , وآمن بتخريجاتها , ولا زلت أذكر – والحق يقال – ذلك الصراع الفكري الدامي العنيف بين الأستاذ ( عمر القراي ) في تلك الأركان الحامية في جامعة الخرطوم مع الأستاذ المرحوم ( محمد طه محمد أحمد ) التي تستمر طيلة النهاردون أن يصلا إلى خطوط تماس . فالمذاهب ما هي إلا انشقاق من فكرة عامة ولم تستطع ولن تستطيع هذه المذاهب أن تحل محل الفكرة العامة مهما حاولت خاصة إذا كانت الفكرة العامة هي ( دين ) ومن طريق آخر جعلتهم ( المذهبية ) في صراع دائم مع كل خطوة سياسية عالمية أو محلية فبإسم
( الاشتراكية والديمقراطية ) الهلاميتين اللتين توصلت إليهما عبقرية الأستاذ الفريدة في الإنتقاء والتخير عارضوا ما سمي بالحياد الإيجابي و ( الكتلة الثالثة ) التي تزعمها نهرو وتيتو وجمال عبد الناصر , فهي مذهبية تنظر إلى السماء دائما , فكيف يعجزها أن تنظر إلى ما وراء الحدود ؟
(3) ومن أكبر الأخطاء التي ظهرت نتائجها في ما بعد , ذاك الاحتفاء التعيس بالتفوق الفكري و ( التكفيري المبطن )والاستعلاء الجمهوري الساخرمن الإخوان المسلمين, والأنصار , والختمية , وأنصار السنة , بل وعلى عامة أهل الإسلام من أصحاب النظرة الوسطية والديانة الشعبية – وظهر ذلك بجلاء ووقاحة أيضا عند حسن الترابي الذي قاد جماعة صفوية انتهازية تتمسح بالدين العام بلا مذهب محدد و الذي كان ومازال يسخر ويحتقر ويضحك على الصوفية والمتصوفة بل ويسخر من قيادات حزبه الذين انشقوا عليه – وأهل الفكرة الجمهورية لذلك هو عملها التلفيقي لجمع أشتات المذاهب وثقافة الأستاذ محمود الواسعة ومعرفته الدقيقة باللغة الإنجليزية وتفرغه للعبادة والقراءة وتحولت الفكرة عنده مع مرور الزمن وكثرة المؤلفات ذات الصفحات القليلة إلى فكرة ( رفض ) و ( مقاومة ) تنتشي بهذا الموقف ( التدميري ) و ( التفكيكي ) للعقل والثقافة ومع أنها دعوة سلمية إلا أنها كانت من أعنف الجماعات في نضالها الفكري وفي تزمتها المذهبي وكانت في حقيقتها ( مليشيا ) كان يمكن أن تحمل السلاح لو تلقت إشارة من زعيمها مشفوعة بتخريج قرآني أو نظرية وضعية .
(4) من أكبر أخطاء الفكرة الجمهورية أنها حاربت الطائفية بسلاح ( الصوفية ) الفلسفية وصنعت مذهبا جرأها على الوسط السوداني الفقير دون أن تستمده من واقع الحال وحالة التاريخ ولم تكن الطائفية سوى نظام اقتصادي وتاريخي واجتماعي , فلم تبلغ في حربها معها سوى العزلة والمزيد من الرفض .

خالد بابكر أبوعاقلة
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. اعتقد ان فكرة محمود محمد طه هي في الاساس ولدت ميتة و لولا ضعف العلم الديني في السودان و انتشار الضبابية الفكرية لما سمع بها أحد, هذه الفكرة انطلقت من اسس غاية في الغرابة فهي :

    1.بنيت على قاعدة كفرية متناقضة الا و هي الادعاء بان الدين الاسلامي رسالة ناقصة و ان محمود جاء لاكمالهافهذا خروج واضح عن الاسلام و الغريب ان الرجل اراد ان يتزعم مجتمعا مسلما بوسيلةتناقض هذا الدين من الاساس
    2.تقريبا كان كل انصار دعوته من الوسط الطلابي غير المتعلم تعليما دينيا و استغل محمود اساليب الفكر الباطني بتنميق العبارات و مزج الافكار الباطنية بالصوفية بشئ من الفلسفةلاقناعهم ,لم ينجح محمود في اقناع علماء الدين او طلبة العلم الديني كما انه لم يجد قبولا عند العامة

    3.لم تصل فكرة محمود الى حد بلورة نموذج اقتصادي فهذه المرحلة تأتي بعد تكوين قاعدة شعبية مناسبة

  2. اقتباس ذلك الصراع الفكري الدامي العنيف بين الأستاذ ( عمر القراي ) في تلك الأركان الحامية في جامعة الخرطوم مع الأستاذ المرحوم ( محمد طه محمد أحمد ) -اقتباس
    وذلك كان اجمل ما في جامعةالخرطوم ان تنتج فكر..ومع مرور الزمن توفى محمد طه تغشاه الف رحمة بصورة فاجعة دللت على المسار الخاطيء الذي تنكبه والموت سبيل الاولين والاخرين..وبقي آتون الكوشي برومثيوس خاطف النار د.عمر القراي يحمل راية التنوير عبر المتاح من المنابر الحرة وشعبيته في تزايد مستمر والمناظرات في الجامعة زمان نورت الكثيرين…

    ما تنسي يا خالد المسار الحلزوني للتاريخ..وتطور المدينة الفاضلة عبر العصور…ونهاية التريخ بالتاكيد هي المجتمع الديموقراطي – الاشتراكي الذى تنبا به الاستاذ واستقرا افول الفجر الكاذب لكافة الايدولجيات من القومجية للشيوعية للاخوانجية…ووقف حمار الشيخ في العقبة-رابعة العدوية-…ولا زالت الازمة الفكرية الثقافية السياسية تهيمن على المنطقة وتتجلي تحولات ديموقراطية مزيفة و مجللةبالعار الراسمالي الطفيلي الذى انهزم في امريكا نفسها بفوز اوباما ممثل المهمشين عل روني ممثل اللوبي الصهيوني الراسمالي بالضربة القاضية
    الاستاذ محمود جاء سابقا لزمانه اسوة لاعلام الفكر عبر العالم غيبه العصر وحتما سينصفه التاريخ

  3. ما عارف لكن عندي شعور كبير بأن الأمور ملخبطة في ذهن الكاتب عن الفكرة الجمهورية بالرغم من أنه كان يتابعها في جامعة الخرطوم.

    كنا نتوقع أن يكون الاستاذ/خالد شجاعاً و يذكر للناس بأن المرحوم الصحفي محمد طه محمد أحمد و بالرغم من أنه كان من أكثر الناس حواراً و رفضاً للفكرة الجمهورية في الجامعةالا أنه و عندما خرج للحياة العملية أصبح يمدح الاستاذ/ محمود محمد طه. الأمانة العلمية في نقل الأخبار أهم من الكتابة من أجل الظهور.

  4. لقد حاول محمود محمد طه هدم عري الاسلام عروة عروة الصلاة الزكاة و ربما لو طال به العمر لأضاف لشهادة أن لا الله الا الله محمد رسول الله ريما أضاف اليها ” و أن محمود محمد طه رسول الرسالة الثانية” كما كان يدعى، و لكن الله أخذه أخذ عزيز مقتدر فأراح البلاد و العباد من شره المستطير و ضلاله المبين

  5. محمود محمد طه عندما تحدث عن الفاسفة الماركسية قال أن الإسلام اشتراكي ديموفراطي , اي ان النظام الإسلامي نظام اشتراكي يستطيع ان يصحح الأخطاء الماركسية وقال الباقي نكمله نحن المسلمون , فقالأن الغرب وجد الديموقراطية ولم يجد الإشتراكية والشرق وجد الإشتراكية ولم يجد الديموقراطية ونحن المسلمون نستطيع ان نقدم نظام إشتراكي ديموقراطي يصلح لنهاية مجتمع البشرية خلافا لما قال به ماركس ان المجتمع الأخير هو المجتمع الشيوعي ,وحكم عليه بأنه لا يصلح لنهاية مجتمع الإنسانية لأنه ينتهج العنف الأسلوب الرئيسي لإحداث أي تغير ومحمود محمد طه يرى ان الصراع الباقي هو صراع الفكر وصاحب البفكر الأفوى ومن يقدم للإنسانية هو من يسود !!!!!!!!

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..