اقتصار جهود واشنطن على الجانب الإنساني لن يدفع بالسلام في السودان
زيارة بريللو إلى بورتسودان تتوقف على موافقة الجيش لتمديد فتح معبر أدري.

أثبتت سياسة العصا والجزرة التي استخدمتها الولايات المتحدة مع أطراف الصراع في السودان فشلها إذ لم تبذل جهودا كافية للضغط باتجاه وقف القتال، وتقتصر جهودها على الدور الإنساني الذي يحتاجه البلد المنهك لكنه لا يكفي لإنهاء معاناة السودانيين.
بورتسودان- فشلت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في إحداث تحولات ملموسة في الصراع الدائر حاليا في السودان، ما جعل التعويل على دور فاعل قريبا محل شك، تزامنا مع تركيز المبعوث الأميركي الخاص بالسودان توم بريللو، على مسألة ضمان استمرار دخول المساعدات الإنسانية وفقا لما تمخضت عنه اجتماعات جنيف ولم يشارك فيها وفد الجيش.
وأعلنت الخارجية الأميركية إجراء مشاورات مع الحكومة السودانية لترتيب زيارة محتملة للمبعوث الأميركي إلى بورتسودان، من دون أن تحدد موعدا لها، ونفت في الوقت ذاته وصوله إلى شرق السودان الخميس، لافتة إلى أن بريللو بذل جهودا عدة لزيارة بورتسودان، وأن واشنطن ملتزمة بإجرائها، على خلفية عدم إتمام الزيارة سابقة بسبب عدم استقرار الأوضاع الأمنية في المدنية التي تتخذها الحكومة مقرا لها.
وبدت الإدارة الأميركية غير متحمسة لإجراء الزيارة دون الحصول على ضمانات من جانب الجيش لاستمرار دخول المساعدات والحصول على وعود بشأن إمكانية الانخراط في مساعي السلام، وأن لا ينفلت زمام الحرب بين الجيش وقوات الدعم السريع وتتحول إلى صراع أكبر يشكل تهديدا مباشرا على المصالح الأميركية.
وبات من الصعب على واشنطن ممارسة ضغوط حقيقية لوقف القتال نتيجة اشتعال جبهات الاشتباكات في بؤر مختلفة قي ولايات متباينة والانشغال بملف الانتخابات الأميركية، إلى جانب مساعيها لضبط الصراع بين إسرائيل وإيران.
ودعا توم بريللو في منشور له على منصة إكس إلى ضرورة تمديد اتفاق فتح معبر أدري الحدودي الذي ينتهي في الخامس عشر من نوفمبر المقبل، لمدة ستة أشهر إضافية على الأقل، لأن له دور حاسم في تسهيل تدفق المساعدات الإنسانية إلى المناطق المتضررة.
ويعد معبر أدري، بين السودان وتشاد، شريان حياة حيويا لإيصال الإمدادات الإنسانية إلى دارفور والمناطق المحيطة بها، ومع انتهاء الاتفاق الحالي لفتح المعبر، تتزايد الضغوط الدولية لتمديده لضمان استمرار وصول المساعدات، في ظل الأوضاع الأمنية الصعبة والعقبات التي تواجه المنظمات الإنسانية، وسط مخاوف من تعنت الجيش الذي وافق على فتح المعبر بعد ضغوط مارستها عليه أطراف عدة مؤخرا.
وقال عضو تنسيقية القوى المدنية والديمقراطية “تقدم” شريف عثمان إن الولايات المتحدة لم تمارس ما يكفي من ضغوط على طرفي الصراع لوقف الحرب، وأقصى تطلعاتها الحفاظ على ما جرى التوصل إليه من تفاهمات تضمن وصول المساعدات الإنسانية، والشواهد تشير إلى أن الحرب اتخذت أبعادا أكثر خطورة جراء الانقسام المجتمعي الحاد، مع تصاعد خطاب الكراهية والتصعيد العسكري، وزيادة حدة الاستنفار وإعلان قوات الدعم السريع وقف التفاوض، ونهاية بمخاطر أن يصبح السودان ساحة لإدارة الصراع الإقليمي حول مياه النيل.
وأضاف في تصريح لـ”العرب” أن الملف السياسي لن يكون الأبرز في زيارة بريللو لبورتسودان، وسيحظى الملف الإنساني وجهود إيصال الإغاثة وفتح المعابر الحدودية والمطارات لتسهيل وصول المساعدات بالأولوية، وأن ضعف التحركات السابقة يقود إلى نتيجة حالية تظهر فيها الولايات المتحدة غير قادرة على التأثير في مشهد الحرب.
وأثبتت سياسة العصا والجزرة التي استخدمتها الولايات المتحدة مع أطراف الصراع فشلها، وأن الانتقال إلى خطة أخرى بحاجة إلى إدارة وفريق عمل جديدين من المتوقع أن يتشكلا بعد إجراء الانتخابات الرئاسية، ما يجعل الجهود الحالية تستهدف التأكيد على التواجد بشكل فاعل في المشهد من دون إحداث تغيير جوهري في التعامل مع الأزمة الراهنة، وقد تمارس واشنطن المزيد من الضغوط التي تدفع الجيش تحديدا لتغيير مواقفه وهو ما يفسر تزايد الحديث عن زيارة بورتسودان.
شريف عثمان: هناك مخاطر أن يصبح السودان ساحة لإدارة الصراع الإقليمي
شريف عثمان: هناك مخاطر أن يصبح السودان ساحة لإدارة الصراع الإقليمي
وقد تمضي الولايات المتحدة الفترة المقبلة في استخدام سياسة فرض العقوبات وتحريك مجلس الأمن نحو حظر توريد الأسلحة لكافة الأراضي السودانية، وليس دارفور فقط، مع إجماع دول الأعضاء الدائمين بمن فيهم روسيا والصين على قرار تمديد الحظر في الإقليم لمدة عام، لكن لن يقود ذلك إلى الانخراط بشكل كامل في الصراع.
ويظهر الارتباك الأميركي بشأن التعامل مع الأزمة السودانية في التصريحات التي أطلقها المبعوث الأميركي مطلع هذا الشهر، وأشار فيها إلى أنه “يعقد مشاورات مع الاتحاد الأفريقي لنشر قوات سلام أفريقية لحماية المدنيين، مع استمرار تدهور الأوضاع الإنسانية وتزايد الدعوات الدولية إلى التدخل لحماية المدنيين”، ثم قام بنفيها في وقت لاحق مشيرا إلى أن بلاده لديها “قنوات اتصال مفتوحة مع الاتحاد الأفريقي حول آلية مراقبة الاتفاقيات الحالية والمستقبلية”.
وأكد المحلل السياسي السوداني عبدالواحد إبراهيم أن الأوضاع الإنسانية قد تكون مدخلا يمكن أن تبني عليه الولايات المتحدة مواقف أخرى مع الحكومة السودانية، وحال جرت الزيارة المنتظرة فإن ملفات أخرى مثل تغيير موقف الجيش من السلام ستكون حاضرة في المشهد، والوصول إلى بورتسودان يبقى مرهونا بما ستقدمه الحكومة من تنازلات بشأن وقف إطلاق النار.
وشدد في تصريح لـ”العرب” على أن الإدارة الأميركية لديها هدف رئيسي خلال فترة الانتخابات يتمثل في عدم توسع الصراع في السودان وبالتالي ستركز محاولاتها على ضمان تحقيق قدر من التقارب بين طرفي الحرب، غير أن ذلك عمليا صعب للغاية مع تباعد المسافات بينهما وتجاوز الحرب مسألة الخلاف الثنائي بين الجيش والدعم السريع.
وذكر أن صراعات القارة تأتي في مرتبة متأخرة من أولويات الولايات المتحدة، غير أن ذلك لا ينفي قدرة واشنطن على ممارسة المزيد من الضغوط لتهدئة الجبهات وتحسين الوضع الإنساني، انتظارا لوصول إدارة جديدة قد تكون لديها مقاربة مختلفة حيال الصراع، مع تنامي الرغبة الروسية في التواجد على ساحل البحر الأحمر.
وبعد أكثر من عام ونصف العام من الحرب، أصبح السودان من بين أعلى 4 دول في العالم من حيث انتشار سوء التغذية الحاد، حسب تقديرات الأمم المتحدة، إضافة إلى تفشي العديد من الأمراض مثل الكوليرا والملاريا وحمى الضنك والحصبة الألمانية.
وتشير تقديرات الأمم المتحدة إلى أن 24.8 مليون شخص في السودان بحاجة إلى المساعدة الإنسانية، ومنذ الخامس عشر من أبريل 2024، نزح داخليا حوالي 8.1 مليون شخص بسبب النزاع المستمر.
وفي سبتمبر الماضي، دعا الرئيس الأميركي جو بايدن أطراف الصراع إلى العودة إلى طاولة المفاوضات بحثا عن حل سلمي للأزمة، ورغم ترحيب الجيش وقوات الدعم السريع بدعوة البيت الأبيض، فإن الشكوك لا تزال قائمة بشأن جدية الطرفين في التوصل إلى تسوية سياسية.
العرب
في اي صراع بمنطقة الشرق الاوسط وشمال افريقيا والتي نحن جزء منها سياسة ومصالح الولايات المتحدة الاميركية تكمن فقط في ادارة الصراعات و عمليات السلام وليس السلام نفسه حتى تتمكن من الحصول على اكبر مصلحة لها من خلال هذه الصراعات وفرض هيمنتها ،وهذا ما قاله ابرز دبلوماسيها “كيسنجر ”
فعندما نري تخبطاتها في ليست كذلك فقط لاننا نريد السلام وهي تركز فقط في ادارة عملية السلام
وشكرًا