?حقبة الأمين? انتهت الفوضى في سوق القضارف بـ?ميدان الحرية? لجراج سيارات، وترد بيئي مريع

القضارف ? حسن محمد على
لا يمكن أن تكون هذه مدينة القضارف..!، وبأي حال من الأحوال، فقد مرت على هذه المدينة الكثير من الحقب الحكومية، وأسهمت معظمها في النهضة التنموية ولو بقدر ضئيل، لكن تعذرت التنمية لهذه العُهدة التي يتسنمها العقيد الطيب الأمين، ورغم ذلك فإنه احتفظ بمقعده بأمان في تشكيلة حكومة القضارف الأخيرة، ولم ينل الحظ آخرين نالت محلياتهم رضا من الحراك التنموي، أو معتمدين بذات الوسم من العجز في خلق الأفكار والمبادرات، لكن الأمين ?قام بجماعتو وقعد براه?
(1)
لا تبدو فترة (الأمين) فقيرة فقط في سفلتة الطرق ومراقبة العملية التعليمية والصحية، وتنفيذ مشروعتها المختلفة، بل تمتد لسكون غريب يلف المدينة من أي صخب وحراك تشهده بقية المدن، وتتميز به الحواضر، ورغم أن مدينة القضارف تضم خشبة المسرح القومي، إلا إنه فارغ من أي فعالية، ومليئ للآخر بالحشائش، وتغطي مداخله حفر وبرك المياه، وحيث لا توجد دور للسينما بعد أن أجهزت الحكومة على المبنيين المخصصين للسينما الوطنية وسينما الخواجة (كوكس)، فإن على المواطنين أن يزجوا وقتهم في شاشات عملاقة وسط السوق تنقل مباريات كرة القدم العالمية، تخلع حالة انتمائهم لمدينة ثرة يمكن أن تفتح عشرات الأبواب للتداعي الثقافي والإبداعي.
(2)
تنعدم الجماليات في القضارف وتتوفر لمدن أقل منها ولا تحظى مثلها بعملية اقتصادية وإنتاجية، وبخلاف متنزهات أقامها أفراد فإن بلدية القضارف لا توفر لمواطنيها متنفسا واحدا ولو في موسم الخريف الذي تتهيأ فيه الطبيعة بصور مبهرة، وتنفتح فيه كوة لدخول مورد السياحة في أماكن جميلة كما كان يقضي المواطنون وقتهم في المتنزه ذائع الصيت (سد السرف)، ويبدو من بعيد بعد أن تم تفريغه من جميع أدوات التسلية والترويح كأنه غابة استوائية، لم يجد العناية الكافية، وماتت وتشردت الحيوانات النادرة التي كانت فيه، فيما تبدو سفوح الجبال الخضراء متأهبة لأي فعل يمكن أن يرسم فيها لوحة لكن ريشة معتمد القضارف تفتقد للجمال ولا يبدو مستعدا للتفكير خارج صندوق الاجتماعات المتواصلة التي تسد عليه الأفق.
(3)
يغرق السوق العمومي أحد أكبر الوحدات الإيرادية في بلدية القضارف في عالم من الفوضى والزحام، وتأثرت أو انهارت الإصلاحات التي كان قد بدأها المعتمد الأسبق محمد عبد الفضيل السني من رصف الأرضيات بالأنترلوك، ونصب الحواجز لعدم دخول السيارات في مناطق يقضي فيها المواطنون أغراضهم مثل سوق الخضار والجزارة، ولم يتسن لإدارة بلدية القضارف حتى الآن رصف أي طريق بالسوق، يتمكن المواطن عبره من ارتياد محاله التجارية بسهولة وأمان، ونتجت من تلك الفوضى والزحام حادثات كثيرة خاصة للمختلين عقليا، أو جرائم قتل في وضح النهار مثلما حدث لإحدى بائعات الشاي، وما إن يهدأ الحادث وينصرف من يوميات المواطنين بعد مراقبة مفتعلة لسلطات بلدية القضارف إلا ويعود الحال كما كان.
(4)
تتسارع يوميا في عمق المدينة أعداد السيارات والركشات، لكن رغم ذلك لا يوجد أي ضبط لهذه الحركة على مستوى تصديق واستئجار الركشات في السوق والأحياء، أو لمواقف السيارات، وبخلاف معظم المدن السودانية لا تتوفر القضارف على ملمح (الموقف العام)، وقد شوهت صورة السيارات الكثيفة بلا طائل منظر أحد أشهر الميادين في بلدية القضارف وتحول إلى (جراج) ضخم للسيارات، وساحة لبائعي الأطعمة والخردوات، وزائدة دودية من السوق العام بدلا من أن يتم رصفه ويتحول لميدان مثلما هو في المدن الكبيرة والعالمية يحوي إرث وتاريخ القضارف السياسي والاجتماعي، ويضم ذخيرة من أمجاد الزراعة المطرية الآلية، أو حتى يشمل مقهى ضخما مزودا بجميع وسائل المعرفة من مكتبات الصحف والكتب الثقافية، وهو ما يمنحه على أقل تقدير ميزة ورمزية اسمه (ميدان الحرية).
(5)
استجابت فوضى سلطات بلدية القضارف وبصورة سريعة للمبارزة اليومية لأصحاب المطاعم الجديدة، التي يحمل أغلبها صفة ونعت (السياحي)، لكن بنظرة سريعة لموقع (نظافة الأواني) أو مكان إعداد الطعام، بإمكانكم ملاحظة التردي الذي لا تعكسه اللافتة الساحرة للمكان من الخارج، وبما أن المطاعم الجديدة تنقُد سلطات البلدية غاية حاجتها من الرسم اليومي أو الشهري، فإنها غير مكترثة لإعداد الطعام أو جودته أو سلامته الصحية، وينصب كل صاحب مطعم جديد مغسلته في العراء تزيد من القاذورات، وتنفي صفة وعنوان المكان الجديد الذي يتوق إليه المواطن.
(6)
في أوج الأزمة الطاحنة لدقيق الخبز بمدينة القضارف، وتوالي مظهر الصفوف امام المخابز، استدرك مجلس حماية المستهلك مهامه بتنفيذ حملات عشوائية لمعرفة أوزان الرغيف، تكشفت لتلك الحملات فوارق كبيرة وضخمة وتلاعب بأوزان الرغيف، وبجانب ذلك فإنها كشفت عن انعدام رقابة سلطات بلدية القضارف التي تضم العدد الأكبر من المخابز، وانصرافها التام من القيام بدورها أمام تجاوزات في رغيف الخبز حتى وصل لأقل من نصف الوزن القانوني للرغيفة الواحدة، فضلا عن تجاوزات سلع الاستهلاك اليومي مثل اللبن الذي ضبطت حملات مجلس المستهلك إضافات مواد كيميائية مثل البنسلين لمنعه من التخمر، والاحتفاظ بحالته، وتدرك سلطات البلدية أن الحليب الذي يباع في ساحات وسط السوق وأمام اكشاك موظفيها يتم استجلابه من أماكن بعيدة وبظروف ترحيل بدائية وأدوات وأوانٍ تقليدية، لكنها تكتفي فقط بفرض الرسوم وتسريح المخالفين لا منعهم من إصابة صحة مواطن البلدية في مقتل.
(7)
تنحدر الرقابة التشريعية لمستوى الحكم المحلي في ظل غياب المجالس لأدنى مستوى، وحيث لا يجد المعتمدون وأبرزهم معتمد البلدية الرقابة اللصيقة من السلطات التنفيذية لوالي الولاية، فإن موقعه في حرز أمين، وبالتالي فإن المهام الموكلة إليه متروكة لتقديراته، وهو ما يعزز فرضية أن حكومة القضارف تعيش في جزر معزولة، ولا يتقيد المسؤولون بانضباط الفريق والعقل الجمعي الذي تمثله قرارات وإرادة مجلس الوزراء، فالمعتمدون غير ممثلين فيه بالمستوى الذي يضمن مساءلتهم ومحاسبتهم أمام الأخطاء الفادحة، ولكي تعود مدينة القضارف لصيتها، على الحكومة أن تفكر بجدية في تشكيل جديد يشمل معتمدا لبلدية القضارف يستطيع التصدي لجيوش الذباب والبعوض ويفكر في الخروج لرؤية ما يدور في رقعته الجغرافية المستلبة بالإهمال.
اليوم التالي.