جبهة تحرير ود المكي الشاعر

سهرت ليلة رأس سنة 2012 وسمرت مع كمال سويكت وخالد الفانوق وعثمان مصباح في برنامج عن حب الوطن على تلفزيون السودان عنوانه “سحر الإنتماء”. واكتشفت خلال إعداد نفسي للبرنامج الشاعر ود المكي من جديد. بدأت بمقطع من قصيدته “واحة” وهو:
يا عبير الأضرحة
كيف جاوزت المشاوير إليَّا؟
والمدى ما بيننا منطرح
والعهد طال
وأعجبت بعطر هذه الضرائح حتى راوحت على معناها في بعض كتاباتي بقولي “عبير الأمكنة” عن سحر الأمكنة على من ألفوها. وعدت قبل البرنامج لقراءة قصيدة الشاعر “واحة” وهي عن واحة البشيري بجهة بارا وموطنه. واستذكر فيها من عمروها من أجداده من الركابية أهل الصَّلاح الذين هاجروا من منحنى النيل إليها. وسماها “واحة الأجداد”. وبدا انشغال مكي بهذه الهجرة كبيراً. فقد زار الشمالية في وقت ما في الستينات وكتب سلسلة مقالات عنها في جريدة الرأي العام أعادت “الأحداث” نشرها.
لقد جاءت ذكرى هؤلاء الأجداد إلى ود المكي في ليلة قمراء بالواحة:
ظل هذا القمر العابث
طول الليل يستغوي الحقولا
ناثراً فضته الزرقاء
ممدوداً على أوراق زهرة
وبإبريق رخام
ظل حتى احتقن السمسم بالحب ونام
ومن أبواب “عَمَارَهم” لواحة البشيري استصلاحهم أرضها وإنتزاعها من براثن الرمل:
وضعوا الساعد في الساعد
فالرمل انسحب
والنخيل انبثقت بين الجراح الصادحة
فأنظر “أنسنة” الشاعر للرمل حتى صار جيشاً أدركته الهزيمة. وكانت زورة الأجداد له عبئاً تاريخياً مزلزلاً فطلب منهم أن يكفوا عن السهر:
ايها الأجداد عودوا
ولنقل إنَّا تسامرنا طوال البارحة
بينما تنتثر الفضة في السهل
وملء الأضرحة
حين فرغت من قراءة قصيدة “واحة” وأخريات من قديم الشاعر بدا لي أننا ربما ظلمناه بتركيزنا الفظ على أكتوبرياته وزنزبارياته وبرتقالته أنت. فقد ناسبتنا هذه القصائد في حمى إيدلوجياتنا المختلفة من ثورية وهويولوجيا (في قول حسن موسي) وغابة وصحراء. وحجبنا عن أنفسنا شعره الباكر الذي سحرنا نحن جيله من شباب أدباء الجامعات في الستينات. فقد كان الشاعر يُستزاد متى اجتمعنا من “الشرف القديمة” و”الشرف الجديدة” و”أمان” “وإهانات شخصية لقيس بن الملوح” و”أصيح للخرطوم في أذنها” التي نثر فيها كنانة غضبه على أولئك الذين”أعتذروا بالأيام” عن الفعل، وحلم فيها بوطن آخر: “فلتلدي ثورتك الأولى وبعثك الجديد”. ومتى ثار الوطن أخذنا حداء ود المكي له دون بذور الذهب في غيرته الأساسية عليه.
لا أعرف شاعراً في خفض ود المكي من اللغة والمجاز. فهو “بطران” باللغة يعبث بها عبثاً يكشف عن شهوتها الغريزية للبلاغة والأسر. فأنظر بالله: “”الحدائق واسعة العيون” و”عار الدكاكين الآرائك والمقاهي” و”أجفان الناس مكحلة بالعفة والإغضاء” و”وهذا عصير الشمس فوق جبهتي”و “ويا أخت كيف المعاد ولم أفن ضرع الحياة احتلابا” و “وعلى وسائدنا يفح النجم” و”مبهماً مثل عيون المئذنة” و”أتوكأ ظلي”، و”بهذا الوعي أقبل ما بأيديكم وأنذر أن اعيش مع وضد وداخل الآخر”. فلا قدسية عند الشاعر لمواضعات اللغة فهو ينفضها نفضاً فتذروها البلاغة.
يحتاج ود المكي إلى جبهة تحرير من ولعنا الشرير القاصر به.

[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. ” فانظر انسنة الرمل . . الخ ” هذا لاشيئ يا شيخنا ! هو التشخيص الذي درسناه في البلاغة في الثانوي العالي . وانسرب معناه بنعومة وضحكات صافية حينما قرأ المعلم (نجيب الريحاني) لابناء فصله : وقال الاسد . . فتصدي له طفل شكس العقل : هوَ الاسد بتكلم ؟ ليجيب الكوميدي متهربا : لا يابني ! بس وزارة المعارف عايزاه يتكلم ! يا سيدي ود المكي ارفع من الكلفتة التي تريدنا ان تدخل في معمعانها ! البرتقالة انت ليست كما صنفتها بل هي قصيدة نالت استقلالها مثل لوحة المحارب كما اثبت ذلك اوتو فريدريك في مقالة مسؤولة لا نضحك علي العقول لان فيض علمها يسمح لها بذلك ! اسألك بالله لم ازاح شاعرنا فيها اداة استفهام (قدر الكتلة) ان لم يكن ليغرقنا طربا ونشوة :
    فليسألوا عنك افواف النخيل رأت
    رملا كرملك مغسولا ومسقيا—————————- اين هل قبل (رأت) ؟
    وليسألوا عتك افواج الغزاة رات
    نطحا كتطحك والايام مهدية ——————————- ذلك ما اخذه الصادق المهدي من جمهورية البرنقالة المستقلة ولا تثريب عليه فهو سياسي اخذ ما بناسب اجندته ولكنا لم نتوقع من ناقد ولن نتوقع منه الا ابراز مواطن الجممال ومواطن الضعف بلا زيادة ولا نقصان ! يا سيدي شاعرنا الفذ ليس مأسورا ولا مسجونا فما معني مقالك المتعجل وعنوانه الغريب

  2. لاحقك راس السوط عندما قلت (بتركيزنا الفظ على أكتوبرياته)
    الم تكن فظا وظلمت نفسك مرتين؟
    – مره حين دخلت السياسه سرا ولما ضاق وسعك فجرت
    – ومره حين دخلت السياسه جهرا منافسا علي الرياسه ولم تدري انك لعبت دور المحلل!!
    – ارجع للادب واتحفنا ب كتابات مثل التي سطرتها اعلاه او زودنا من الدرر امثال(من ادب الرباطاب الشعبي او تعال لتنقز المسرح من الحفره الواقع فيها
    – وبمناسبه مساخه الرباطاب:
    رباطابي سالوهوا
    صحيح البشير صلح ركبوا عشان يترشح تااااني؟
    فاجاب:
    نان قايلنوا صلحن عشان يتسجل في اهلي شندي

  3. دا كلو علشان في نظرك ( الباطني ) الراجل رجع وصالح النظام زيك استحق الشكر

    خلينا كده ، روسينا وذاكرتنا مافيها قنابير

    امبارح ساعة شتم النظام وقفت ليهو الف احمر ، الليلة خلاص طاب ليك

  4. الان بدأت في الدفاع عن ودالمكي وانت داخل من بوابة شعره بعد ان دحرجته الى مرافئ الانقاذ السياسية.

  5. بتغازل يالاقرعالامرد الارزقى فى ود المكى عشان رقد مع الشيطان احمد هارون مطلوب العدالة
    زى ما انت انبطحت ورقدت مع البشير ياعرة

  6. الشعب السوداني لاينسي لمحمد المكي الانبراشة الانتهازية في مطلع الانقاذ
    حتى لو كتب المعلقات السبعة جميعا
    الشعب السوداني مسكين مبتلى بالمتعلمين الانتهازيين

  7. الله يشغلك كان شغلتنا يا ع ع ابراهيم … قلنا ليك الزم بيت امك … كل حصيلتك المعرفيةمن ضهر تعب الشعب السوداني تفرغها بسخاء في سبيل استمرار حكم الاخوان …

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..