مقالات وآراء

عبد العزيز الحلو في لقائه مع قناة “الحدث”: خطاب بين الثورة والمأزق

 

في مقابلة مثيرة للجدل مع قناة “الحدث”، رسم عبد العزيز الحلو، قائد الحركة الشعبية – شمال، ملامح خطابه السياسي الراهن، الذي جاء مشبعًا بأفكار إعادة التأسيس، لكنه لم يخلُ من التناقضات والتحديات الكامنة. وقد تنقل الحلو بين قضايا تتصل بجوهر الدولة السودانية، وتاريخها الدموي، وتحالفاتها الراهنة، وملامح المستقبل الذي يطرحه، وهو ما يستدعي قراءة تحليلية متأنية لمضامين الخطاب ودلالاته.

وثيقة التأسيس: عقد اجتماعي جديد أم مظلة لتحالفات متناقضة؟
يبدأ الحلو بتقديم ما أسماه “وثيقة تأسيس السودان الجديد”، بوصفها عقدًا اجتماعيًا يهدف إلى إعادة تشكيل النظام السياسي. تقوم الوثيقة على ثلاث دعائم رئيسية:

فصل الدين عن الدولة (العلمانية).

توحيد الجيوش عبر دمج المليشيات في جيش قومي مهني.

تطبيق لا مركزية حقيقية تُنهي هيمنة المركز على الأطراف.

غير أن اللافت في الخطاب، هو محاولة الحلو ربط هذه المبادئ الثورية بالتحالف مع قوى ذات سجل دموي، مثل قوات الدعم السريع، التي اعتبرها جزءًا من “الهامش” الموقع على الوثيقة، ما يطرح تساؤلات حول مدى التزام الموقعين الحقيقي بهذه المبادئ.

إدانة الجيش وتبرئة نسبية للدعم السريع
في سرده للتاريخ الدموي للصراع السوداني، وجّه الحلو سهام النقد العنيف للجيش السوداني، وخصّ حقبة التسعينيات باتهامات جسيمة، منها مجازر المساليت في 1992، مذكّرًا بأسماء قيادات عسكرية بارزة مثل محمد عثمان الدابي وعبد الفتاح البرهان.

لكن الأكثر إثارة للجدل، كان قوله إن انتهاكات الدعم السريع تمت “بأوامر من الجيش”، محاولًا تحميل المؤسسة العسكرية كل تبعات جرائم الحرب، بما فيها تلك التي ارتكبتها قوات حميدتي، والتي وثقتها منظمات دولية بشكل مستقل.

وبرغم توقيع الدعم السريع على وثيقة تلزمه بالمحاسبة، فإن تبرير الحلو لتحالفه معها باعتبارها “جزءًا من الهامش المهمش” لا يمحو تورطها العميق في جرائم دارفور وتجنيد الأطفال. فهل هو تحالف تكتيكي لموازنة قوة الجيش، أم مجازفة أخلاقية وسياسية ستكلفه الكثير؟

النقد الجذري للنظام القديم: الكيزان في مرمى النار
أعاد الحلو تعريف الجيش باعتباره الحارس الأخير للنظام القديم، ذي الخلفية الإسلامية، مشيرًا إلى أن الإسلاميين “استخدموا الدين كسلاح لقمع الأطراف”. وتحت هذا التوصيف، جاء نقده لحكومة بورتسودان، التي وصفها بأنها:

تتبنى خطابًا تمييزيًا (مثل قانون الوجوه الغربية).

تعيد إنتاج مشروع “مثلث حمدي” الانفصالي.

توظف الدين في الحرب، كما في فتوى عبد الحي يوسف بقتل “ثلث الشعب”.

وبذلك، رسم الحلو صورة لحكومة تسعى إلى إعادة إنتاج السودان القديم، في مقابل مشروعه للسودان الجديد القائم على العلمانية واللامركزية.

المستقبل كما يراه الحلو: بين الواقع والطموح
رؤية الحلو لمستقبل السودان ترتكز على تأسيس دولة مدنية علمانية، تعترف بالتعدد الإقليمي والإثني، وتضمن حكمًا لا مركزيًا حقيقيًا. ويقدم نموذج إدارات الحركة الشعبية في النيل الأزرق وجنوب كردفان كمثال على هذا التصور.

لكنه حذر من امتداد الحرب شرقًا نحو بورتسودان ومروي، ما لم تفتح الحكومة الباب أمام حل سلمي، وهي إشارة ضمنية إلى خيار الحرب الشاملة كأداة ضغط سياسي.

نقاط الإشكال: بين خطاب الحقوق وتحالفات الدم
التحالف مع الدعم السريع:
يحاول الحلو أن يلبس الدعم السريع ثوب الضحية، متجاهلًا دوره الأساسي في جرائم دارفور. الخطورة هنا أن التحالفات القائمة على المظلومية المشتركة قد تتحول إلى شراكة في العنف، لا مشروع للتحرر.

المغالطات الرقمية:
القول بمقتل “أربعة ملايين سوداني” على يد الجيش يفتقر للدقة، إذ تشير تقارير الأمم المتحدة إلى 300 ألف قتيل في دارفور، ومليوني نازح. استخدام الأرقام بهذا الشكل يُضعف من مصداقية الخطاب حتى لو حمل في طياته كثيرًا من الحقائق التاريخية.

الخطاب الانتقائي:
رغم نبرة العدالة والمحاسبة، لم يقدّم الحلو مراجعة ذاتية لسلوك الحركة الشعبية في مناطق سيطرتها، وسط اتهامات بارتكاب انتهاكات في جبال النوبة. العدالة الانتقائية تُقوّض أي مشروع وطني حقيقي.

السياق الأوسع: الهامش ضد المركز أم تفتيت الدولة؟
يرتكز خطاب الحلو على سردية “الهامش المظلوم” ضد “المركز المتغطرس”، وهو ما يبرر، في نظره، التحالف مع قوى مثل الدعم السريع. لكن هذا المنطق يُهدد بتحويل السودان إلى أرخبيل من المليشيات، لا دولة موحدة.

وإذا نظرنا إلى الخارطة الراهنة:

الدعم السريع يسيطر على أربع ولايات.

الحركة الشعبية تدير منطقتين.

حكومة بورتسودان تمسك بالشرق.

فنحن أمام واقع أقرب إلى تفتيت فعلي للدولة، حتى دون إعلان رسمي للانفصال.

دور المجتمع الدولي: غياب التوازن
اتهم الحلو الأمم المتحدة بالتغاضي عن جرائم الحرب، في إشارة إلى تعاملها المستمر مع الجيش كشريك سياسي. وهو نقد يعكس فجوة بين الخطاب المحلي والدعم الدولي، الذي غالبًا ما يتعامل ببراغماتية تحكمها توازنات القوى لا مبادئ العدالة.

خلاصة: خطاب ثوري في مأزق سياسي
يحاول عبد العزيز الحلو في خطابه أن يقدم نفسه كمحور لمشروع وطني بديل، يتجاوز الإسلام السياسي، والهيمنة المركزية، والانتهاكات الممنهجة. لكن مشروعه يصطدم بتحالفاته الهشة، وخطابه الانتقائي، والمشهد الجغرافي المفكك.

يبقى السؤال الأهم: هل يمكن لثورة الهامش أن تنجح، إذا ما تبنّت أدوات النظام الذي ثارت عليه.

‫6 تعليقات

  1. أرض المعركة و تعقيدات الواقع السوداني لن تجعل الأمور وفق المنطق الذي يأمله الاستاذ كاتب المقال.
    كل الكيانات التى بيدها سلاح مجرمة وفق كل القوانين، و أولها الجيش، اذا كان الحلو يحتاج إلى تحالف لتحقيق أهدافه التي يحارب من أجلها، فمع من يتحالف!! و الكل مجرم أصلا!! ام عليه أن يتمثل الطهارة و النقاء الاخلاقي و هو في مرحاض السودان الواسع الملئ بالصراصير و الخر…؟ ام هو كتابة مقال للمطالبة بقفزات تتجاوز الواقع بايجاد آلية تضاهي عصا موسى التي انفلق البحر لها فصار كالجبلين!إيه…

  2. كلامك خارم بارم الدعم السريع وحركات دارفور والشرق والجنوب كلها تعتبر هامش الهامش هو الجانب او الشي الفرعي ،. انت عاوز تحاسب الحركة الحركة الشعبية ليس لها عشر معشار ما اغترفه الجيش ومليشياته.

    ماقاعد أقرأ لك أصلا لان تحليلاتك فطيرة وموقفك الأخلاقي من الحرب مهزوز

  3. اخي هنالك مشاطيب الدراسة وشياطين اللهو بالحروف من يكتبون مثل الذي قرأته في التعليقات أعلاه
    الحلو المر يمثل شطارة التجارة في السياسة وهو من قبيل الذي تستهويه ميزة الاحتماء بالاقوى منه (عندو ضهر/ فقد غرف بكفيه من مال الإنقاذ وولى محتميا بكاودة معتبرا نفسه خليفة الراحل قرنق وزعيم جبال النوبة الاوحد
    كنت أكدت لك سابقا أن كل الحركات المسلحة أو التحررية تتلاشى بانتفاء اسباب نشوئها وعندك حركات التحرر الافريقية انتهت ومحيت من ذاكرة التاريخ وقدتوارثت مكاسبها. اجيال واجيال فالحركات لا تورث ولا تملك فما يحدث أن الحلو وجد في نيروبي تاسيس المال السايب الذي يعلم السرقة فا خذ منه نصيب الأسد
    هنالك مثل سوداني يقول شبهينا واتلمينا والاخر اتلم التعيس على خايب الرجا هما ينطبقان علي تحالف الدعم السريع مع الحلو وليس الحركة الشعبية التي ليس لها وجود الا الاسم الذي ذهب مع مؤسسها ولن يعود
    الحلو لم يذهب من أجل علمانية الدولة حتى ينظر ولا عن المهمشين الذين أصبحوا شماعة كل من حمل سلاحا ولا من أجل الديمقراطية ولا العدالة الاجتماعية فالمهمشين أصبحوا البضاعة الرابحة في سوق النخاسة والعمالة وطننا لن ينحني أو يركع لمثل هؤلاء وان جاءوا بمثلهم عددا

  4. وها قد صار زهير النوبي الحلفاوي بلبوسيا جلابيا مدافعا عن دولة الظلم والقهر والعنصرية محاولا بكل ما اوتيا من قوة تجريم قوات الدعم السريع ولكن هيهات قوات الدعم السريع تشهد لها شجاعتها وكما هو معروف الشجاعة هِيَ أهم الصِفات الإنسانية لِأنها الصِفة التي تضمَن باقي الصِفات .
    فارعي بي قيدك يا زهير واستمر في تعلم اللغه العربيه

    1. زهير ود عثمان حمد ابوه من التي و امه بنت ناس احمد السيد حمد مسكنهم الاصلي خلف مستشفي ام درمان والده كان مدير الورشة الفني في المعهد الفني مع عمك عجب و احمد و كندة و حاج بخيت ما تعلقو من اجل التعليق خليك موضوعي

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..