مقالات وآراء

حول إنتصاب القونة ودموع الأفندي المُمزَّق ! (مدخل إلى أنثروبولوجيا المغنى والتطريب ضمن المشهد السوداني)

محمد عثمان (دريج)

 

كان من الضروري البحث في “أصل” الاسم التوصيف “قونة” لما قد يُرفدنا به مثل هذا المبحث من دلالات تاريخية أو اجتماعية أو ثقافية ، أو غيرها ، تُقربنا من التعرُّف عن كثب على هذه “الحالة” التطريبية الصاعدة والمتصاعدة ضمن مشهد المَغْنَى والتطريب في السودان ؛ ولكننا حتى لحظة هذه الكتابة لم نحصل على “تعريف” شافٍ ومُحكم يُمكن الإعتماد عليه في مقاربتنا الأولية هذه . وكل ما وجدناه في هذا المنحى لا يعدو أن يكون تخمينات كسولة لم يُبذل أصحابُها أي مجهودات شاخصة من شأنها أن تُعين على سبر غور الدالة “قونة” بصورة أفضل . ومن ضمن هذه التخمينات محاولة البعض الربط ما بين القونة والقون (حارس المرمى) في كرة القدم . وبحسب هؤلاء ، فإن المطربة قد لُقِّبَت بالقونة لأنها تقف أمام عازف الأورغن تماماً كما يفعل القون في لُعبة كورة القدم ، ولكن في هذه الحالة يُصعب إدراك وجه الشبه بين الأمرين . وبالمثل هناك من رأى بأن المُطربة قد وُصفت بالقونة للإشارة إلى “أردافها” لكننا لم نجد أي رابط بلاغي أو ثقافي معقول يُؤكد مثل هذا الزعم أيضاً . ولعل من أكثر التخمينات التي توقفنا عندها هو ذاك الذي يري أن الدالة “قونة” ربما هي صيغة المؤنَّث من “القوني” وهو مُقريء أو مُرتِّل القرآن في المناسبات العامة ، خاصة في بعض بلدان غرب أفريقيا . ولذا نلاحظ أنه ومع إختلاف السياقات إلا أن هناك “شُبهة” ما تربط ما بين وظيفتي القونة والقوني وبذا يصبح هذا التخمين هو الأكثر قوة ولكن تعوزه الحصافة البحثية الصارمة. إذن ، في ظل غياب تعريف منهجي يمكن الركون إليه في معالجة الدالة المعنية ، لا نجد أمامنا إلا القفز مباشرة إلى القونة خارج دوائر اللغة الميتة والباردة وولوج حلبات المغنى والتطريب الحية والحيوية حيث تنتصب “قونتُنا” مليئة بالثقة والقدرة على تحريك الساكن والمسكوت عنه في معجبيها (أو بالأحرى مشاركيها) من الجنسين (أو ابعد من هذا التوصيف الثنائي) ، ومن مُختلف الأعمار والإنتماءات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية في طقس تطريبي كامل الدسم ! ولا ينحصر معجبو القونة على هؤلاء النفر الذي يحُج إليها بدمه ولحمه من كل “فج عميق” ليلتحم بها في منصات الرقص والطرب ، ولكن ذلك أيضاً يُشمل الآلاف من “المُكسرين/ ات” اللائي والذين يلجون حلبات القونات عبر تطبيقات اليوتيوب والهواتف الذكية وغيرها! و لذا يُمكن القول بأن القونة قد إستطاعت أن تُحلّ مكان القلب في فضاء المغنى والتطريب في السودان . لكن هذا الصعود للقونة والحيوية الكثيفة التي قدمتها لهذا الفضاء لم يُعجب الكثيرين، وبخاصة في أواسط دوائر “الأفندية” ولربما كان ذلك بسبب الخوف أو الغيرة أوبسبب إنتفاخ الذات الكاذبة والممزّقة للافندي!
لقد إنبرى أفندينا المذكور يوزع الشتائم للقونة مُقتبساً من قاموس “الأيديولوجية الأفندوية” والتي يستخدمها كلما أراد أن يقلل ممن يختلف مع تصوراته الخاصة فيما يجب أن تكون عليه الحياة “العادية” أو “المقبولة”، وتنهض الأيديولوجية الأفندوية على مرتكزات كاذبة تتوسل “الأخلاق” و”القيم النبيلة” و “عاداتنا السمحة”، إلخ . ويتضح كل ذلك جليّاً في حرب الأفندي الشعواء ضد القونة ، بصفة خاصة ، وضد كل ما لايتماشى مع حيثيات بُرجه العاجي المزعوم . فلا تكاد تتصفح أي موقع يتحدث عن القونة إلا وتجد أطناناً من الشتائم ومحاولات مستميتة ويائسة تسعى إلى نبذ القونة ورميها خارج حلبة الفن وذلك عن طريق وسم غنائها أو أدئها بالـ”هابط”، أو عدم “إلتزامها بالحد اللائق من شروط الفن”. فعلى سبيل المثال ، لخص أحد الأفندية ما ذكرنا أعلاه عن القونة في قوله : (إقتباس)” هي مغنية تقدّم فاصلا غنائيا في المناسبات الخاصة مصحوباً بالرقص المثير والإيقاع الحار دون التقيد بالكلمات او الموسيقى أو حتى بالحد الأدنى من شروط الغناء وواجباته ، ودون مراعاة للمكان ، فقط هي تتغنى وتطلق العبارات المسيئة والجارحة والخادشة دون حياء او اهتمام ، ويحدث ذلك وسط موجة من الهياج يدخل فيها الحضور ،وحالة من الرفس والتنطيط بفعل الموسيقى الصاخبة والمتواترة الممتدة دون توقف ، ودون توقف هذه نعني بها انها قد تستمر لقرابة الساعتين دون ان يتوقف العزف ولو ثانية او ان تمتد اغنية قرابة الساعة في ثلاث كلمات ، كحال أن تمسك المغنية في كلمتين (يا عمر أقول ليك .. يا خالو أقول ليك .. ياحيدر أقول ليك) ، فتصبح جملة “أقول ليك” هذه هي الاغنية .”(إنتهى) (التصحيف من عندنا) .
هذه الإقتباس يكشُف على نحو جلي “أسلحة الدمار الشامل” التي تأتي مباشرة من قاموس الافندي وهي عبارة عن تعابيرهُتافية وغامضة تُطلق هكذا على عواهنها حتى دون أن يحاول هذا “الإله” الأخلاقوي الصغير أن يرفدنا بدلالاتها المحددة مثل “دون التقيد بالكلمات أو الموسيقى”؛ أو “الحد الأدنى من شروط الغناء وواجباته”؛ أو عبارات “مسيئة وجارجة وخادشة” وهكذا. وأكثر من ذلك أيضا نلاحظ كيف أن هذا الافندي لم يتوقف للحظة ليسائل نفسه عن سبب إمتداد الأغنية إلى ساعة من الزمن تتكرر خلالها فقط “ثلاث كلمات” ومع ذلك يستمر المشاركون في “الرفس والتنطيط” -بحسب قوله- دون كلل أو ملل؟ للإسف ، لا يتوقف الافندي لمراجعة ما يشاهده لأنه في قرارة نفسه يعتقد جازماً بأنه يمتلك حقاً مُقدساً يهبه وصاية كاملة على الكل تُخوّل له محاكمة الآخرين كيفما يشاء!! نقول للأفندي المتعالي باعمدة مُتخيّلة ، ليست الأغنية / الكلمة هي الشرط الأوّل والأخير للطرب . فالاغنية لا تعدو أن تكون مجرد شذرة واحدة من شذور طقس الطرب كبنية متكاملة ولحظة إلتحام تجمع بين الإيقاع والنغم ولغة الجسد والمطربة والجمهور المشارك.
وكذلك نقول ، بأن القونة ليست “ظاهرة” وليست “دخيلة” كما يحاول الكثيرون توصيفها إستهجانا أو خُبثا للتدليل على غربتها وحداثتها وصعودها كنبت بلا مرجعيات تاريخية أو إجتماعية أو ثقافية إيذاناً ببدء محاربتها ونبذها كـ”شخصية” غير إعتبارية وافدة إلينا من “مكان” “غير معروف/ غير مُحبّب” وبالتالي فهي “لا تشبهنا” وبل هي معادية “لقيمنا” و”عاداتنا” و”معاييرنا” و”مُثلنا”، إلخ . وللحق نقول ، هذا التوصيف ذو الصبغة السلطوية /السياسية من شأنه أن يُعطي أصحابه مُتنفّسا أخلاقياً مُتخيّلا وإحساسأً بالإنتماء الكاذب إلى معسكر “الخير” المزعوم والذي ليس هو سوى “حيز آيديولوجي” آمن إجتماعياً وربما دينياً كثيراً ما يجنح الأفندي إلى الإحتماء تحت ظلاله الهشّة كذباً ، لأن أفندينا – هذا الإله الأخلاقوي الصغير – لا يهُمهه في نهاية المطاف سوي صورته المُنعكسة في مرآة خطاب إجتماعي مُنافق حيث يتم رسمها وتحنيطها ومن ثمّ تُعلق هناك حتى يراه الكُل ولكنه وفي تلك اللحظة بالذات ينسحب “هو” خلسة إلى مواخير صوره الأُخرى يغتنم ويلتهم كل الفُرص الآمنة للإنخراط في ممارسة ذات الأفعال والطقوس التى يُدينُها ويرفضها تحت شمس “السوق” الاجتماعي المقبول بما في ذلك الإستمتاع حتى الثمالة بالطقس التطريبي للقونة. ما أعجبك من كائن أيها النرجسي ذو الشخصيات والوجوه العديدة والمتعددة تلك التي تنمو سرطانياً بالدقيقة وبالثانية حسب متطلبات السوق الاجتماعي وخطابه السائد!
نقول ، القونة كحالة هي حاضرة ضمن مشهد المغنى والتطريب في السودان حيث لا يُمكن نكران قوتها وقدرتها على تجييش أهل الطرب وبالتالي فهي كحالة تطريبية جائشة تنتمى إلى حيز ثقافي وإجتماعي أصيل ، وهو الحيز الذي تفنّن “افندينا النرجسي” في وسمه بـ”أغاني البنات” في خُطوة محسوبة لمُحاصرته آيديولوجياُ حتى يتسنى له تتفيهه وتحقيره والتقليل من قيمته ومن شأنه ومن ثم إنتباذه ونفيه من مشهد الغناء والطرب السائدة وليس من أجل إعطاء صاحبات الحق حقهن الفني والأدبي المُتميّز . و”أغاني البنات” – كحبل سُري خصب وخالد – أيها السيدات والسادة ، خاصة ، بالنسبة ، لنا نحن الذين تربينا وترعرعنا في أطراف الريف السوداني حيث تنعدم وسائل التواصل غير المباشرة أو تنحصر لدى القليليين من ذوي الحُظوة والإمتيازات ، نقول في تلك الشروط التاريخية الصعبة شكّلت “أغاني البنات” وجداننا لأنها ببساطة كانت تتغنى بصور ومواقف وحالات تُعبر تماماً عن أحلامنا وتطلعاتنا ومُحيطنا الإجتماعي والثقافي والمعرفي (الريفي، إذا لزم التأكيد) وعن حالات الوجد والتشاكي والحنيّة والاشواق ، إلخ . و”أغاني البنات” كانت أيضاً تتغنى وتتغزل في المدن والقُرى وفي وظائف إجتماعية أو سياسية أو أمنية كالمُدرس، والدياشي (دياشي زمان ) ، وسائق اللوري ، والطبيب ، إلخ ، و هي كما ترون وظائف فاعلة في حياة المجتمع ولذا كنا نتفاعل معها أيّما تفاعل. وهنا أيضاً لابد من الإشارة إلى أن “أغاني البنات” تحمل صفة قلّ أن تجد لها مثيلاً في صور الغناء الأخرى ، ألا وهي قدرتها على التفاعل والتكاثر والمشاركة غير المحدودة ، حيث تتمكن المغنيات/ المطربات في كل مدينة وقرية إستبدال أسماء الأماكن والأشياء الخاصة بهن وإحلالها في مكان الأسماء والأماكن الأخرى التي تأتي إليهن مع النسخة الأولى وبالتالي تُصبح لها قدرة “تمكينية” تُعطي المطربات القدرة على التحرير النصي وإعادة الإنتاج السياقي/الزمكاني . هذه القدرة التفاعلية الحرة لها قيمة اجتماعية وفنية هائلة وعظيمة !  وهناك صفة أخري تُميّز “أغاني البنات” وتزيد من درجات التطريب والمشاركة الجماعية ، وهي تلك اللحظة التي نشاهدها بكثرة ضمن أداء القونة المُتمثّلة في الإصرار والقدرة على إدراج المشاركين لها ضمن “خطاب التطريب” في لغة بسيطة وسهلة وذلك بذكر الاسماء أو الإنتماءات الثقافية أو الجهوية للمشاركين ، إلخ ، حيث يشعر المشاركون بأنهم حاضرون ضمن اللحظة الحيوية للتطريب و ليسوا غرباء عنها كما هو الحال مع أشكال الغناء الأُخرى! . هذه اللحظة التطريبية الفريدة للقونة تستمد أصالتها من إرث في الغناء والتطريب لدى الكثير من المجموعات الثقافية أو الجهوية المنتشرة في بلاد السودان حيث تتميز تلك اللحظة بالأداء والمشاركة الجماعية ، من ناحية ، وكذلك بتحقيق الإرتباط النهائي للجملة الفنية حيث تندغم الكلمة مع اللحن مع الأداء إندماغاً لا يمكن الفصل بينها ولا ينبغي ، من الناحية الأخرى ؛ وحيث يمتزج ويختلط الكل في حالة أقرب إلى الجذب الصوفي في وحدة نادرة وفاعلة ربما لا ولن تجد لها مثيلاً في أشكال الطرب الأخرى خاصة تلك التي أقحمها الأفندي إقحاماً وسوّقها لتصبح “بقدرة قادر” في صدارة النشاط التطريبي الرسمي كـ” جلسة الإستماع” والتهويمات الصفوية الأخرى تلك التي تأبى أن تهضمها “المعدة الشعبية” المجبولة على المشاركة الجمعية والجماعية الكاملة.
نقول ، و”الأغنية” كمُنتج وممارسة آنثروبولوجية ، تدخل الذاكرة الجمعية ليست ككلمات منفصلة عن لحنها أو عن أدائها وأحياناً كثير حتى عن مؤديها / تها لتبقى هناك كمستودع لأحاسيس ومشاعر ولحظات فريدة بإمكاننا استعادتها أو الإستمتاع بها كلما إستمعنا إليها . وهذه الخدمة أو الوظيفة الاجتماعية والجمعية التي تقدمها “الأغنية” كطقس جمعي كثيف يتمتع بالأمانة والحيوية والحية هي من أعظم وظائف الغناء وهي كذلك موجودة بغزارة شديدة ضمن “غناء البنات” و غناء القونات .
وهنا لابد من التأكيد بأننا في هذا المُقام لا نحاول بأي صورة من الصور تبخيس أحلام وطموحات أو حتى أوهام “سيد أفندي” والتي تأتي من مفاهيم “الأدب الرفيع” التي لربما قد وفدت إلينا من العصر الفكتوري (من الملكة فكتوريا) ، ولكن ما نود فضحه هنا هي تلك الصفوية النافية التي ميّزت ليس فقط منظور “الأفندي المُتسلط” حول الفن و الطرب/ التطريب ولكنه شمل جُل مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية ، إلخ . فسيادة الأفندي المزعومة هي حالة فريدة من الشمولية والدكتاتورية غير المرتبطة بمشروع ديني أو سياسي محدد ، ولكنها تتناسل نحو “عود أبدي” وتنوجد في حالة شوق دائم إلى مصدرها الأول ، أي آيديولوجيا مشروع “حداثة” الرجل الابيض الآنجلوساكسوني الناهضة على مشروع “تطوّري” أُحادي النظر وإقصائي يبدأ من النقطة (أ)(والتي هي في الغالب “المكان” الغامض الموسوم بـ”إفريقيا”) وتنتهي بالنقطة (ب) حيث موطن هذا الآنجلوساكسوني الابيض السعيد) . وفي هذه الرحلة الاسطورية (الآيديولوجية) تصبج رؤى ومنظورات وقيم الآنجلوساكسوني هي مفتاح التقدم وهي الحقيقية الكاملة وهي كذلك وليدة العلم والمعرفة والتحضر الإنساني وبالتالي يجب عليها أن تتحكم وتسود وحتى لو كان ذلك بالقوة سواءاً كانت ناعمة (الآيدولوجيا و أهلها – من نظام تعليمي وأئمة مساجد ووسائل الأعلام المختلفة) أو مُفرطة (جيش وشرطة وأمن‘إلخ) ! فمن أين إذن لأفندينا هذه القدرة الهائلة على النفي والإقصاء؟ . ألاجابة : من حداثة الرجل الأبيض الناعمة التي تُلقن له من خلال أكثر مؤسساتها إخلاصاً وخطورة وهي المؤسسة التعليمية التلقينية . وللأسف ، فما يُسمى بالتعليم “الحديث” لا ينظر الكثيرون إليه كآيديولوجيا ترتبط عضوياً بالسلطة الغاشمة وإعادة إنتاجها ولكن يعتبرونه الوسيلة الوحيدة والأكيدة للوصول إلى مكامن “الحق” و”الحقيقة” وتحقيق المجتمع الفاضل ، ولذا فكل من أو ما يأتي من ضمن “العلم” يصبح مقدساً ومقبولا ويشمل ذلك “العاملين عليه/ أهل التكيّة” وبخاصة أفندينا المُمزق “ابو دموع رقراقة”! نقول ، التعليم التلقيني هو أخطر أداة لسلب الذات وإغترابها ، بحيث يصبح الإستلاب والإغتراب من المكونات الأساسية للذات الافندوية المتهافتة وغير المُتسقة ! .
وأفندينا هو المُنتج الأول والأخير للتعليم كآيدولوجية إقصائية. وأفندينا هو حرفيّاً “نسخة كربونية” من الرجل الآنجلوساكسوني الأبيض ولذا كانت ولا تزال مهمتهه -بوعي منه أو بدون ذلك- هي إعادة إنتاج وتسييد المخطط الكولونيالي قديماً وحديثاً (Blue Print) كبداية ونهاية للتاريخ لتصبح عدمية لا مفر منها! نعم ، إستطاع الأفندي بوشيجة إمتلاكه للمعرفة الحقة والحقيقة الكاملة والاُوحادية ، إستطاع أن يفرض تصورأً خياليّاً لإنسان السودان وللقيم النبيلة التي تتحكم فيه (أي إنسان السودان المثالي) وإحتقر القيم المحلية المتنوعة والراسخة على اعتبار أنها خرافات وأنها غير علمية ، أو أنها تُجانب ألأنساق الأخلاقية السائدة ومعايير المجتمع السليم ، إلخ ، وبالتالي يرى في نفسه هو صاحب الحق في الدعوة إلى ضرورة التخلص منها ومن كل من يدافع عنها أو يُعبر عنها ، وهكذا يضع “الأفندي الكربوني” الهوية والهوى اللبنة الأولى في الطريق المُعبد نحو الإبادة الجماعية (معنويّة وماديّة) لكل ما هو مُختلف ولكل ما هو مغاير ولكل ما لا يتسق مع ذوقه المتعالي والمُؤسس – بحسب زعمه – على قيم الخير والحرية والحق والحقيقة الكونية/المُطلقة والتي تنسحب على جميع مناحي الحياة السياسية والثقافية والإقتصادية والفكرية . وإذا أردت أن تتعرف عن كثب على حجم ترهات ونرجسية أفندينا الهُمام حامي الأخلاق والقيم النبيلة فما عليك إلا أن تتبع أداءه في ما تُعرف بمنصات التواصل الاجتماعي حيث يحتفل وبل يتلذذ بـ”علميته” المزعومة تتبعه من الخلف جوقة من الجوعى والتائهين من الذين واللائي يرتدون زي الافندي حتى يتسنى لهم تسول حفنة أو شذرة من شذور “المعرفة الحقة” التي أُنعم بها على الأفندي من قبل جهاز الدولة (هذه المؤسسة الاستعمارية) متمثلة في أداتها الآيديولوجيا – التعليم التلقينى – التي ما فتأت تُشجع على وتُزكّي من أهمية ونرجسية وتعالي وصفوية منتوجها الخراب – الأفندي الكربوني الهوية. وما فشل الدولة السودانية، هذا الفشل الماثل ، هذا الفشل الكارثي والمرئي ليس هو إلاّ دليلاً قويّاً على تهافت الأفندي وعلى عدم قدرته بل عدم تأهله على إدارة التركة الاستعمارية – الدولة – وذلك بسبب أنه لا يعدو أن يكون مجرد نسخة كربونية تتشدق بما لا تستطيع أن تجعله واقعاً ملموساً سواءاً كان ذلك على المستوى الشخصي أو العام . للقونة قدرة مشهودة على تمثُّل واقعها الذي تعيش فيه والتعبير عنه (إختلفنا معها أو إتفقنا معها شئنا أم أبينا) وهي المُستحقات التي فشل أفندينا الممزق والتائه في الإيفاء باستحقاقاتها ضمن واقعه المقموع والمُتخيّل وذاته الممزقة وغير المُتسقة! .

 

[email protected]

‫4 تعليقات

  1. القوني بلغة الريزيقات وامتدادهم في غرب أفريقيا تعني الفكي،، الفكي بتاع الحجبات والمحايات..

    .. القوني دقلو الشقيق الأصغر للجنجويدي حميدتي تعني بلغة الزغاوة فكي دقلو…

  2. القون هو الشيخ للجماعة الصغيرة و منها النسب القوني و القونه مؤنث بمعني شيخة الغناء (النوع المتداول من الغناء)

  3. لو كانت لك ادنى علاقة بعالم المزيقاتية لعلمت ان المغني منذ ثمانينات القرن المنصرم كان يدعى قونا بمعنى حارس مرمى في راندوك العازفين

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..