مقالات وآراء

كانَ قِصَّة بالصُدْفة

شكري عبد القيوم

كانَ بهنس لا يزال حَيَّاً في مثل هذه الساعة ،من مثل هذا اليوم ، في مثل هذا الشهر ، من العام 2013م ، عندما تناولَت شابَّة  اسمها ,, تغريد ,, جرعة قاتِلة من صبغة الشعر .إلا أنَّ بهنس لم يعش للصباح التالي حتى تأتيه أنباءُ ما فعلت تغريد  .
لم يَعِش بهنس ، لأنَّّهُ كانَ قِصَّةً بالصدفة.  والصُدْفَةُ لا تعيش .كانَ صُدْفة أكبر من الظروف التي وُلِدَ وعاشَ فيها ، فكانَ قَدَرُه الوقوف وحيداً خارج المجتمع ، كإلهٍ في منفى .كانَ بهنس إلهاً أكثر مما تستطيع الأرضُ تَحَمُّلَه .فبينما شرعَ غيرُه يعلِّم الناس كيف يتوهَّمون ويحلمُون داخل سجن كبير من الجدران العالِية دونَ أن يكون في وُسْعِهم رؤية ما وراء الجدران ، أخذَ بهنس في تعليمهم كيف ينتبهون ويفكِّرون ويرتقون أسباب الجدران فينظروا ما وراءَها .ولو عَلِمَ اللهُ أنَّ بهنس ، يوماً سيكتب : { أهديك الفوضى } .. لما خَلَقَه ، ولا خَلَقَ العالَم  ذاتو .
غاب بهنس لفترة شارك خلالها في معرض في فرنسا ، واقتنى قصر الأليزيه لوحةً من لوحاتِه. وعادَ إلى السودان مطروداً من فرنسا ، ففُوجِئ بأنَّ أُمَّهُ قد ماتت من زمن .وشقيقه الأكبر ماتَ أيضاً .فكانَ طلبُه من الناس والدنيا أن قال : ( أنا داير أوضة وطن ). فكانَ باب الأوضة يتكئ على كتف الداخِل إليه، وعلى حيطتها حمامة تحضن بيضاً ، وبجانبها لوحةُ طفلٍ باكي ، وتحتها كتبَ بهنس ;( أنتو بس اضحكوا .. والباقي خلُّوهو عَلَيَّ أنا. ). ظَلَّ بهنس في هذه الأوضة لسنوات معتزلاً لا أحدَ يزورُه ولا يَزُورُ أحداً إلا الرفيق :  Bakri Bagdach..في الثورة بالشنقيطي .
وفجراً ،في 12 ديسمبر2013 م ، وعلى أحد الأرصفة بميدان إبراهيم باشا بالعتبة ، عُثِرَ على جسدٍ هزيل متكوِّماً في وضع الجنين ، متوسِّداً بُقْجَته ، فنُقِل إلى مستشفى الدُقِّي ، فكانَ تقرير الطبيب أنَّهُ مَيِّتٌ .قتلَهُ الجوع والبرد والإهمال . وأنَّكُم مَيِّتُون مفضوحون تتجوَّلُون عُرَاةً .قد عَرَّاكُم بهنس تماماً ، ومضى . وصرخَ فضيلي جماع في الناس ; ( بهنس مات .. الحقوا محسن خالد .).
كانت تغريد ابنة رجُل من الكادحين .يجب أن تكون في السابعة عشرة من عمرها .وكانَ رجُلٌ ستيني ثَرِيٌّ يلاحقها داعيها إلى فراشه .وكانَ وعدُه جزيلاً بالقمح والتمنى .إلا أنَّها ظلَّت صامدة في رفضها بيعَ نفسها بأيِّ ثمن سوى الزواج .ليسَ فضيلةً بالضرورة وإنَّما نوعاً من المكر التجاري .فتزوَّجها .وسرعان ما أصابها الملل لكونها زوجة رجُل في سن جَدِّها .كانت لها أحلامها بحياة رومانسية مثيرة ، فأخذت تنفق أموالاً طائلة في الملابس ومستحضرات التجميل والعطور. وكانت مارست الحب لأوَّل مرَّة مع أحد أبناء الجيران.كانت جميلة ورشيقة .ولما أدركَ شفوت المنطقة أنَّها فريسة سهلة أخذوا يحومون حولها. فاتخذت لها سلسلةً من العُشَّاق. لم يظل معها أحدٌ منهم لفترة طويلة .وبعد مُضِيّ سنوات على هذه الحال أصابها الإفلاس العاطفي، ولم تعد قادرة على الحُب .أما زوجها الذي لم يكن يدري بما يدور، فقد كانَ على شفا إفلاس مالي. ولما دمَّرَها الإشفاق على ذاتها ، تناولت صبغة الشعر بكمية قاتِلة وقضت نحبها في غضون ساعات. كانت في الثانية والعشرين من العمر. وكانَ زوجُها قد تورَّط في حبها وأُغْرِم بها، فأُصِيبَ بالصدمة جَرَّاء موتها .ثُمَّ ما لبث أن اكتشف حجم ديونها وتفاصيل علاقاتها ، فتجرَّع هُوَ الآخَر سُمَّاً ملتحقاً بها،  تارِكاً الجمل بما حمل ، قاطِعاً وديان السَّهْوِ مَشِي.

تعليق واحد

  1. الله عليم،،وهو العليم،،،،واقحام كلام مثل(……أن بهنس سيكتب أهديك الفوضى..،الخ..)،لا معنى له ولا يضيف شيئا،والأفضل عدم كتابته اصلا،،،لا تستغل مساحة الحرية للتعبير،،فهذا الموقع ليس صفحة خاصة في الفيس بوك،،تكتب فيه على كيفك،، (.،يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم)…التادب واحترام مشاعر الوسط الذي تكتب فيه مهم،،،نفترض انك في إحدى دول الخليج هل تسطيع كتابة اي كلام يقلل من شأن الملك…ونشره في اي صحيفة…

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..