ايديولوجيا قوّة العين …

مهدي رابح برير
اهداء الى الصديق العزيز م. خالد عمر يوسف، وكل المعتقلين السياسيين في ظلامات محبسهم. يمكن تصنيف الفريق ابراهيم عبود ونظامه الانقلابي كديكتاتورية محافظة، بمعني انه تم تسليمه السلطة طواعية من قبل المدنيين ممثلين في رئيس الوزراء حينها الاميرلاي عبد الله خليل بمباركة الأمام عبد الرحمن المهدي حسب وقائع التاريخ المدوّن، لأسباب يرى فيها غالب ألمؤرخين تصفية لصراع محتدم على السلطة كان سيُخرج حزب الأمة من مركزها – اي الحكومة- كنتيجة مباشرة لتحالف أغلبية برلمانية مزمع بين حزبي الشعب الديموقراطي ( الميرغني) والوطني الاتحادي (الازهري)، ولم يكن في أجندة الرجل، حقيقةً او ادعاءً، برنامج لتغيير البنية السياسية، الاجتماعية والاقتصادية بصورة جذرية، أو سلوكا ينم عن رغبة في ترسيخ سلطة الديكتاتور الفرد على قمة هرم الدولة وتحقيق اطماع شخصية او طموحات مجموعات سياسية او مجتمعية داعمة للاستمرار في حكم البلاد، وهو ما تجلي في انخفاض نسبي (مقارنة بالديكتاتوريات اللاحقة) في القمع السياسي والفساد المالي والإداري وعدم وجود أثر ملموس لدعاية سياسية propaganda لنظام نوفمبر ١٩٥٨م في ارثنا الثقافي.
بينما مايو، وهو نظام انقلابي قاده تنظيم الضباط الاحرار، هو تحالف بين أحزاب سياسية و نخبة عسكرية شيوعية/عروبية، حمل برنامجا يوتوبياً، معلنا على أقل تقدير، لتغيير البنية السياسية والاجتماعية والاقتصادية بصورة جذرية من الأعلى اي من السلطة المركزية القابضة الي القواعد بالقوة ، وهو ما يفسر الارتفاع الكبير في احصاءات انتهاكات حقوق الإنسان و المدفوعة لإزالة كل العقبات والمقاومة في طريق انفاذ مشروع ايديولوجي استبدادي يحمل وعودا بالسعادة في المستقبل ونوع من انواع الخلاص المتمثل في الوصول إلى مرحلة انتفاء صراع الطبقات وذوبانها كما نصت عليه تفسيرات النصوص شبه المقدسة.
في الديكتاتورية الثالثة، الأكثر عنفاً وقمعا وفساداً حتى تاريخه، تبني أصحاب الإسلام السياسي مشروعاً شمولياً مماثلاً في بنيته ووسائله (المشروع الحضاري وما هو بحضاري) وإن اختلفت المراجع (حسب التعبير الشبابي البليغ الشائع : نفس الدوا لكن شركة تانية) ، فهو في هذه الحال بني على تفسيرات سلطوية لنصوص مقدّسة، تعِد المحكومين جبرياً بالسعادة مقابل التغيير الجذري المكلف جدا بشرياً كما اثبتت أرقام الضحايا في الدفاتر الدامية، لكن في الحياة الآخرة بصورة اساسية هذه المرّة، وهو وعد تشير عديد الدلائل في سلوك الإسلاميين الذي انتهج الفساد بصورة مؤسسية وكانت أبرز سماته التهافت علي الملذات الدنيوية المحرّمة انه إيمان تشوبه ضبابية كبيرة وربما بعض الشكوك العميقة.
أيديولوجيات المشروعات الشمولية، دوغمائية/عقائدية كانت ام لا، هي مجموعة متسقة من الأفكار والرؤي التي يتم تحويلها عبر اليات مختلفة الي أفعال لتحقيق أهداف محددة مسبقا، و تأسيسا على هذا التعريف يمكن بالفعل تلمس ايديولوجيا محافظة عند نظام الفريق عبود، و ايديولوجيات عقائدية في الديكتاتوريتين اللاحقتين ، وهنا أتحدث عن السياسات المعلنة وتحليل الواقع حينها الذي تم تبرير انتزاع السلطة على أساسه بغض النظر عن التغييرات العضوية/المورفولوجية العميقة التي حدثت لاحقا بعد ترسيخ أركان سلطانها، كارتكاب نظام عبود لانتهاكات بليغة ضد الإنسانية في الجنوب، وتحور نظام مايو الي نظام لتمجيد الفرد/ابعاج الذي تحول في اخريات أيامه لأب للشعب وخليفة الله في الأرض، أو تحور نظام الانقاذ الذي قام على ادعاء احتكار الفضيلة وانفراده بتفسير النصوص المقدسة الي ما يشبه العصابة الاجرامية المنظمة والعنيفة. سأحاول بصورة مختزلة أتمناها غير مخلة وتأسيسا على التعريف أعلاه والسرد المختصر لشكل الديكتاتوريات السابقة تلمس السمة التي تطغى على نسق الأفكار والرؤى التي تم تحويلها الي الأفعال التي تم بموجبها القيام بانتزاع السلطة بالقوة من قبل تحالف من القوى العسكرية والمدنية في الخامس والعشرين من أكتوبر الماضي، أو اختصاراً ايديولوجيا الجرأة او في دارجتنا السودانية “قوّة العين”. الجرأة حسب التعريف المبسط في الويكيبيديا هي ” عكس الخجل، والشخص الجريء يمكن أن يكون على استعداد للمخاطرة بالتعرض للخزي أو الرفض في المواقف الاجتماعية، كما يكون على استعداد لكسر قواعد الإتيكيت أو الأدب، ويمكن أن يطلب الشخص الجريء للغاية المال بعنف، أو يمكن أن يدفع شخص ما بصفة دائمة لتنفيذ بعض المطالب، وما إلى ذلك.” ََبحثا عن الخيط الرابط المذكور أعلاه بين مكونات المجموعة التي اعدت ونفذت الانقلاب وتمسك بتلابيب السلطة اليوم في محاولة مستميتة لترسيخ اركانها ، والتي يحمل كل منها في حقيقة الامر مشروعاً يناقض الآخر ويتحالف مع قوة اقليمية داعمة مختلفة، وتتنوع بين مشروع الاوليغاركية العسكرية ومشروع السلطنات القبلية و مشروع الاستحواذ على تركة نظام الانقاذ البائد، نجد وبصعوبة بالغة، في خضم مهرجان المتناقضات هذا، ان الخيط الرابط بين هذه المجموعات لتوفير حد أدني من القدرة على انجاح هذه الشراكة الهزيلة هو اتفاقها جميعا في تبريراتها للانقلاب، على الاقل تلك المعلنة في خطابها العام المعلن، والتي لا تخرج عن ترديد المسؤولين والخبراء الاستراتيجيين لسلسلة غير متناسقة من الأكاذيب الكبيرة التي لا يصدقها من يصرح بها حتى قبل ان تصمّ اذان الجمهور المتلقي، ربما عملا بوصية وزير البروباقندا النازي جوزيف جوبلز المعروفة ” كلما أصبحت الكذبة كبيرة كلما كان من الأيسر تصديقها” ، كوصاية العسكريين الذين يمثلون في أفضل الاحوال ١ الي ٢٪ من المواطنين على المدنيين/بقية المواطنين، واختطاف أحزاب سياسية للسلطة (4 طويلة)، وفشل السلطة السياسية المدنية في اداءها، رغم ان الملفات التي حدث فيها تقصير، متعمد احيانا كثيرة، كانت في الاساس الملفات التي تقع تحت طائلة مسؤولية المنظومة الامنية والعسكرية او تلك التي رفض العسكريون تسليمها (على رأسها رئاسة المجلس السيادي و المؤسسات الاقتصادية والتجارية طبعا) ، ليس هذا فحسب بل تكمن الجرأة الحقيقية في تقديري في ادعاء الحق في انتزاع السلطة بانقلاب عسكري وقتل المحتجين السلميين واعتقال السياسيين و الناشطين المناهضين دون اي وعود للمحكومين في المقابل ولو زيفاً (كوعود تحقيق السعادة الدنيوية، مايو ١٩٦٩م او السعادة الاخروية، يونيو ١٩٨٩م)، بل هو إعلان واضح عن انتزاع للسلطة بالقوّة من أجل الاستحواذ علي السلطة العارية والثروة فقط لا غير، وهو ما يجعل من هذا النظام الانقلابي الجديد الاقل قدرة على الاستمرار في الحكم ليس فقط لافتقاده لأساس قانوني/شرعية دستورية، أو دعم دولي كاف أو حاضنة سياسية او قيادات قادرة على ادارة دولاب العمل الحكومي، أو حد أدني من فاعلية جهاز الدولة بل لأيديولوجيا، عدا عن ايديولوجيا الجرأة ( قوة العين) طبعا، تبرر اسباب وجوده في الأصل. لا أظن في تاريخ السودان الحديث أن هنالك نظاما ديكتاتوريا تفوق على نظام البرهان وآخرين في العجز عن الحكم الذي هو اشبه بالشلل النصفي، أو أن المجتمع المدني بلغ من العنفوان والقوة ما بلغه اليوم بفعل تراكم الوعي المذهل ووسائل المقاومة والتعبير او اتساعا لنطاقه الجغرافي الحيوي، وتجاوزا لمرحلة القبول بالديكتاتوريات العسكرية او اي مشروعات شمولية أخرى لكن يبقى التحدي دائما والشرط المفتاحي لاستعادة التحول الديموقراطي لمساره يعتمد علي القدرة في توحيد الصف وبناء الجبهة الوطنية العريضة ثم ابتداع أدوات جديدة مبتكرة لإسقاط الانقلاب، وتبقى بالطبع ايضا الإجابة على التساؤلات حول نوعية هذه الأدوات الجديدة محدودة بالإجابة على كيف يمكن الموازنة بين جعل البلاد أكثر عدم قابلية للحكم much ungovernable من قبل الانقلابيين وعدم انزلاق القوي المسلحة المتعددة و المتنافسة الي مواجهات عسكرية يصعب السيطرة عليها في المستقبل المنظور. وكما قال المغنّي: ” المفارق عينو قويّة” #وحدة_الصف_اولا #يسقط_حكم_العسكر #سلمية #مدنية.
مداميك
أي كوز ندوسو دوس شعار إقصائي، ما حلو
كان هذا الشعار مقبول ايام الثورة بقصد إسقاط النظام القائم لكن بعد الإسقاط استغلت أحزاب الحرية والتغيير الشعار لعذل كل الإسلاميين من شارك الإنقاذ ومن لم يشارك والنتيجة انهم فشلوا في حكم البلاد والغريب انهم يسعون للعودة للحكم بنفس المنطق بللات ثلاثة كأنهم لا يعتبرون بالمرحلة السابقة.
مقال سطحى وتعامل بانتقائية مع احداث التاريخ.
امكانيات فكرية ضعيفة ساهمت فى انقلاب البرهان
“بحثا عن الخيط الرابط المذكور أعلاه بين مكونات المجموعة التي اعدت ونفذت الانقلاب وتمسك بتلابيب السلطة اليوم في محاولة مستميتة لترسيخ اركانها ، والتي يحمل كل منها في حقيقة الامر مشروعاً يناقض الآخر ويتحالف مع قوة اقليمية داعمة مختلفة، وتتنوع بين مشروع الاوليغاركية العسكرية ومشروع السلطنات القبلية و مشروع الاستحواذ على تركة نظام الانقاذ البائد”
لقد وفقت تماماً في تحليلك غي فهم نهافت الانقلابيين،