ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان

هذه المقولة ليس المقصود منها الإستغناء عن الخبز ولكنها تؤكد علي أهميته لإستمرار الحياة ولكن وحده ليس كافيا لحياة الإنسان والإنسان خُلق في هذه البسيطة حرا وقد خُير حتي في عبادة خالقه ولم يكره علي ذلك وقد كرمه الله تعالي وميزه عن سائر المخلوقات بالعقل وهو مناط التكليف الأول لذلك المحافظة حريته وكرامته هي من أوجب الواجبات التي سيسال الله منها الوزراء والأمراء والملوك ويحاسبهم حسابا يسيرا أو عسيرا علي حسب أعماله وإجتهاداتهم وسجلاتهم في هضم حقوق الغير وظلمهم والإستعلاء عليهم بكنز الثروات وإستشراء الفساد والله سبحانه وتعالي حرم علي نفسه الظلم وجعله بين عباده محرما ويوم القيامة يقتص الله من الظالم وينصر المظلوم الذي دافع عن حقه ولم يستكين ولم يلين وقد غلبته سطوة الظالمين من أن ينال حقه في دنيا الغرور. واليوم نحن في السودان نعيش أيام الإسلاميين وهؤلاء القوم جاؤا بفكرة براقة جزابة إفتتن الطلاب بها في مراحل دراستهم الثانوية والجامعية وتعاطف معها الكثيرون وهذه الفكرة تقوم علي أن الإسلام دين ودولة وشريعة وعقيدة وأنه يصلح لكل زمان ومكان وأنه الحل لكل قضايانا الآجلة والعاجلة .
وهم في ذلك الأمر أي امر الدعوة لهذه الفكرة إنما يبتغون بها وجهه تعالي حيث يقولون الله غايتنا والرسول غدوتنا والقرآن دستورنا والجهاد سبيلنا . وحتي تاريخ قريب قبل وصولهم الي السلطة عن طريق الإنقلاب علي نظام ديمقراطي كنا نصدقهم ونأمن لهم رغما عن الهجوم الشرس الذي واجههم من التيارات الليبرالية والعلمانية واليسارية ولكننا الآن أكثر قناعة بأن هؤلاء إنما إستغلوا الدين لينالوا حظوظا من الدنيا وأنهم يفتقرون للقيم السامية التي تربينا عليها وتوارثناها كابرا عن كابر . ولئن كنا نقف مختلفين مع من يقول إن الغاية تبرر الوسيلة وقلنا عنها أنها مبدأ غربي لا وجود له في مورثاتنا الثقافية فإن هؤلاء القوم إنتهجوا هذا النهج وجعلوه ديدنهم في إدارة شئون البلاد وفي التعامل مع الخصوم .
وقد زعموا زورا وبهتانا أنهم سيقيمون دولة إسلامية ومفهومنا للدولة الإسلامية يجعلنا أكثر كرها لهؤلاء القوم لأن الدولة الإسلامية في مفهومنا كمسلمين هي دولة حرية وعدالة ومساواة دولة القوىُ فيها ضعيفا حتي يسترد الحق منه والضعيف فيها قويا حتي يؤخذ له حقه وهي دولة القانون فيها يسري علي الكل غنيهم وفقيرهم شريفهم ووضيعهم (لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطع محمد يدها) فلا يجوز فيها الشفاعة والإستثناء لكائن من كان. وهي دولة كفالة ( ليس منا من بات شبعانا وجاره جائع) ( والناس شركاء في ثلاث الماء والنار والكلأ)وهي دولة محاسبة وقصاص ( من أين لك هذا) و( أضرب إبن الأكرمين ) دولة المجتمع فيها حاضر ومشارك ومساهم وناقد ببصيرة ومأخذا برأيه وبتحفظه في أحلك الظروف حتي في الحروب ( أهذا منزلا أنزلك الله له أم هي الحرب والخدعة والمكيدة ) وهي دولة رسالة (جئنا لنخرج العباد من عبادة العباد لعبادة رب العباد ومن جور الأديان لعدل الإسلام ومن ضيق الدنيا لسعة الدنيا والاخرة ) وهي دولة عهود ومواثيق ( والموفون بعهدهم )وهي دولة كرامة إنسانية تتعامل معاملة الغير بكرامة وإنسانية بدا بإبتسامك في وجه أخيك صدقة وحتي لا يؤمن أحدكم حتي يحب لأخيه ما يحب لنفسه وهذا من حسن الخلق وإلي المجادلة بالحسني (وجادلهم بالتي هي أحسن ) وهي دولة يشهتر مجتمعها بالترابط والإيثار ويشتهر أفرادها بالزهد والعفة والإحسان .
هذه الدولة المثالية في تصورنا وتفكيرنا كانت واقعا معاشا والدارس للسيرة النبوية العطرة وسيرة الصحابة الكرام وقادة الفتح وعلماء الأمة يجد الكثير المفيد مما غفلنا عنه .
ولكننا لا نجد ما يشبه ما تطلعنا أو تُقنا إليه في سيرة ومسيرة الإنقاذ الإسلامية التي قالت عن نفسها أنه نموزج لدولة إسلامية حاربت الفقر وتريد أن يستفيد الناس من تجربتها في ذلك وقالت جربت الديمقراطية وبرلمانها يريد أن يصدر تجربته !!!!
ولئن كانت السياسة في مفهومها العام هي حسن القيادة والإدارة والتوزيع العادل للثروات فإن هؤلاء القوم سنوا من القوانيين ما يبقي الثروة والسلطة في أيديهم إلي ماشا الله وإنقطعت صلتهم بالشعب تماما لا يلجأون اليه إلا حينما ينهزمون أو ينكسرون في أي معترك من معارك السياسة والحرب فيوقظون غريزته الدينية ويستنجدون به بإسم الدين ليكون سدا منيعا دون أن يلحق بهم أذي او مكروه وهكذا ضربت الإنقاذ النموزج الأسوأ في إستغلال الدين للدنيا وإذا ما ثرت عليه أو إنتقدتهم أو حاججتهم فأنت عميل لدولة أجنبية أو حالة إختراق من جماعة يسارية أو متطلع لمناصب سيادية وهكذا أدارت جماعة الإسلام السياسي الدولة دون مفهوم علمي ولا سلوك واعي أفرزت سياساتها الإرتجالية الكثير من التعقيدات والربكة في المشهد السياسي وألهت الشعب وجعلته تائها في دروب البحث عن قفة الملاح وبين الحروب واثارها والنزوح واللجؤ والتشرد وهكذا ضاع المجتمع كما ضاعت الأسرة وأصبحت الدولة أداة عنف وقمع في يد من يسوسون الناس لتحقيق مصالح تتناقض مع أهداف مشروعهم الإسلامي المزعوم وتضر بمستقبل البلاد في أمنها وإستقرارها وتنميتها . وقد توقفت الدولة عن رعاية أي مشروع وطني تنموي من شأنه يحي الأمل في النفوس أو يكون واقيا ضد إنهار وشيك لكل منظومات العمل والإنتاج في وطننا الحبيب. ختاما لعل الثيرين يستغربون من التصريحات الإستفزازية التي تنتج عنهم ونقول لهم لا تستغربوا فهذه الصيحات دليل الفشل والمستقبل المجهول الذي ينتظرهم وهي بمثابة فرفرة زبيح.

[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..