أحد ضحايا التغول الإثيوبي العقيد حسن كوكو.. عندما يتجرع المقاتل طعم الهزيمة

الضابط المتقاعد: لم أجد غير مخاطبة رئيس الجمهورية
ديوان الحكم الاتحادي: الرعاية الاجتماعية هي المسؤولة
ديوان المظالم يبعد الكرة بعيداً عن ملعبه
الخرطوم: صديق رمضان
ولأنه خرج من بيئة زراعية، فإنه وحينما تقاعد من القوات المسلحة برتبة عقيد لم ينتظر كثيرًا في محطة التفكير وبحث مستقبله، فقد اختار أن يعود إلى الماضي ويستدعي تفاصيل علاقته بالأرض التي كثيراً ما عمل على فلاحتها، وهو يافع مع أسرته، ومن أجل أن يتحول الى منتج فإن الأموال التي خرج بها العقيد معاش حسن كوكو عبد الفراج من القوات المسلحة قرر أن يستفيد منها في زراعة مشروع حصل عليه بتصديق رسمي، وسدد كل الرسوم المطلوبة، كان يأمل في غد أكثر إشراقاً، وبالفعل بدأ رحلته مع الزراعة ليحقق فيها نجاحاً باهرًا لأكثر من موسم زراعي، ولكن في منتصف العام 1995 تحولت حياته الى كابوس وتبددت كل أحلامه وآماله وذلك حينما تغولت اثيوبيا على أراض سودانية بمنطقة الفشقة بولاية القضارف، وكان من ضمنها مشروعه الزراعي ومحصول عامه الوفير، منذ تلك الفترة ظل المواطن حسن عبد الفراج يطرق كل الأبواب لتعويضه وجبر ضرره ولكن دون جدوى.
البداية والنهاية:
وبدأت قصة العقيد معاش حسن عبد الفراج كوكو مع الزراعة والألم في العام 1992 عندما تقاعد على المعاش من قوات الشعب المسلحة، وتقدم وقتها بطلب للحصول على مشروع زراعي، وبحسب خطاب صادر من مكتب والي الولاية الشرقية فإن العقيد لم يحالفه الحظ بعد أن تم إدراجه في قائمة إيجار المشاريع الزراعية لعدد من السنوات، ويشير الخطاب المعنون الى مدير عام وزارة الزراعة الآلية بالقضارف إلى أن كوكو من أبناء منطقة جنوب القضارف وأنه لا مانع من تخصيص المشروع رقم (10) من المشاريع المخصصة للزراعيين وأبناء المنطقة بمنطقة شرق سندس، وبعد أن استلم حسن عبد الفراج عمل بكل نشاط على فلاحة أرضه الزراعية، وقد حقق إنتاجا عالياً لأكثر من موسم، وتوقع أن تمضي حياته هادئة بعد أن أختار الزراعة مهنة عقب تقاعده عن العمل العسكري، إلا أن الرياح لم تجر كما يشتهي، وذلك حينما جاء العام 1994 كارثياً عليه حينما اعتدت القوات الأثيوبية على أراض سودانية، ولم تكتف بذلك، بل احتلتها تماماً ليجد العقيد معاش حسن عبد الفراج نفسه مع 61 من المزارعين ضحية لواقع جديد فقدوا على إثره كل ما يمتلكون من أموال وأراض زراعية ومحاصيل.
خسائر فادحة:
حاول المزارعون الذين تعرضوا لخسائر فادحة أن يستردوا جزءًا من مفقوداتهم، وسعوا عبثاً مع الحكومة لتعويضهم بعد أن فقدوا الأمل في استرداد أرضهم المحتلة، وبالفعل تحركوا في كل الاتجاهات لإثبات خسائرهم، وهذا ما أوضحه خطاب صادر من اتحاد الزراعة الآلية بولاية القضارف كشف عن أسماء المزارعين الذين تضرروا من الاعتداء الأثيوبي وبلغوا 61 مزارعاً ومنهم حمزة عبد القادر عبد المحسن الذي فقد أربعة عشر ألف جوال ذرة وست آليات منها جرار ولوري، كمال عريبي وخسر ثمانية آلاف وأربعمائة جوال ذرة، بالإضافة إلى أحمد حمد النيل، محمد عبد المحسن، أعمال قوز رجب، أبوبكر عمر الدود، محمد عبد الله عبد المجيد، يونس محمد أحمد حسين، محمود العوض محمود، محمد جبريل والعقيد معاش حسن عبد الفراج الذي فقد يومها ألفاً ومائتي جوال ذرة.
وتطول القائمة بالمتضررين من المزارعين الذين فقدوا ما يربو على المائة وخمسين ألف جوال ذرة، بالإضافة الى عدد كبير من الآليات، وفقدوا ما هو أكثر أهمية المتمثل في الأرض التي كانوا يفلحونها بذهابها منذ ذلك التاريخ الى مصلحة المحتل الأثيوبي .
طرق الأبواب:
حاول المتضررون الحصول على التعويض المادي بعد أن فقدوا المعنوي بغض الحكومة الطرف عن استرداد الأرض المحتلة وعقب شكوى دفعوا بها إلى وزارة الحكم المحلي جاء ردها في الحادي والعشرين من شهر أغسطس من العام 2007 مذيلا باسم الوزير عبد الباسط سبدرات موضحاً أن تحويل الملف والمكاتبات الخاصة بقضية المتضررين من الحرب بشرق السودان بولاية القضارف الى وزارة الرعاية الاجتماعية لتقصي الحقائق حول تظلمات المزارعين وسداد التعويض بشأنهم، بعد هذا الخطاب انفرجت ـسارير العقيد عبد الفراج ومن معه ظنوا أن مشكلتهم في طريقها إلى الحل إلا أنهم لم يعلموا بأن القادم أسوأ من انتزاع الأثيوبيين لأرضهم حيث بدأ مسلسل التسويف والمماطلة في منحهم حقوقهم، وظلوا يتنقلون من وزارة إلى أخرى، ولكن دون جدوى.
إلى ديوان المظالم لرفع الظلم:
وحينما تبادلت الوزارات الاتحادية هذا الملف مثل كرة القدم دون أن تضعها في شباك المتضررين وتعوضهم ما خسروه، لم يجد العقيد معاش حسن عبد الفراج غير التوجه ناحية ديوان الحسبة والمظالم بشكوى موضحاً أنه من ضمن المزارعين الذين تضرروا من الاعتداء الأثيوبي على الأراضي السودانية في العام 1995 وأنه جراء ذلك فقد محصوله وأرضه وترتب على هذا آثار سالبة عليه تمثلت في بيعه ممتلكاته حتى يتمكن من توفير ما يسد رمق أبنائه، مبيناً أن الجهات الحكومية التي تولت هذا الملف لم تفلح في رفع الظلم عنهم رغم مضي اثنتي عشر عاماً على ذلك، طالباً من ديوان الحسبة والمظالم إنصافه، وبعد تحويل الخطاب من الخرطوم إلى ديوان المظالم والحسبة العامة بالقضارف جاء رده للاتحادية بأن القضية تتعلق بمسائل ذات صلة بالحدود بين السودان واثيوبيا، ويرى الديوان بالقضارف نتيجة لهذه الحقيقة بأن طبيعة هذا المشكلة والنزاع تحمل الصفة الاتحادية، ونفى الديوان بالقضارف أن تكون هذه القضية من ضمن اختصاصاته وتقرر إحالة المستندات مجدداً إلى الديوان الاتحادي للمظالم والحسبة، ومجدداً يعيد ديوان المظالم والحسبة العامة الملف إلى ولاية القضارف بخطاب معنون في العام 2009 إلى مدير مكتب والي القضارف مرفق معه كشف بأسماء المتضررين من الاعتداء الأثيوبي، ويطلب الديوان من حكومة القضارف عرض الأمر على والي الولاية لإيجاد حل يفضي لإعادة الحقوق إلى أصحابها المتضررين.
النائب العام على الخط:
حينما أدرك المتضررون أن الحكومة لا تريد تعويضهم وقد أدارت ظهرها لهم لم يجد كثير منهم غير أن يحتسبوا ما فقدوه ويصرفوا النظر كلياً عن الوقوف بجانبهم، ولكن ولأن العقيد حسن عبد الفراج فقد كل ما يملك وتدهورت أوضاعه الاقتصادية والحياتية لم يرفع راية الاستسلام وظل يواصل بذات همة العسكر مشوار استرداد الحقوق، وبعد أن قابلت حكومة القضارف خطاب ديوان الحسبة والمظالم بعدم اهتمام ولم تعوضه لم يجد أمامه غير مخاطبة النائب العام عساه يرفع عن كاهله الظلم الذي حاق به، وسرد في خطابه كافة تفاصيل القضية، مبيناً أن بعض المتضررين حصلوا على تعويض إلا أن هذا الأمر تجاوزه تماماً، موضحاً أن والي القضارف وفي العام 2004 ذكر في مؤتمر جمعه بالمتضررين أن المفاوضات التي تمت بين الدولتين أسفرت عن عدد من الاتفاقات منها رد الحقوق إلى أصحابها، وأنه على ضوء ذلك طالب المزارعين المتضررين بتجديد عقودهم، وقال إن الوالي أكد لهم تعويض المتضررين وجبر ضررهم، واستناداً على حديث الوالي فإن العقيد معاش حسن عمل على تجديد تصديق مشروعه رقم عشرة بشرق سندس حتى يتمكن من استئناف الزارعة في العام 2005، ويحكي بحسرة وأسى في خطابه الى النائب العام أنهم ظلوا منذ ذلك الوقت الذي طالبهم فيه الوالي بتجديد التصاديق ينتظرون أن يعودوا إلى حقولهم لفلاحتها، ولكن كل مجهوداتهم ضاعت سدى بداعي أن المحتل ما يزال جاثماً على الأرض التي اغتصبها، مبيناً أن قضيتهم تدخلت فيها عدد من الجهات الحكومية مركزياً وولائياً، ولكن دون جدوى واكتفت فقط بتبادل المخاطبات الرسمية دون نتائج على أرض الواقع ومنها وزارة ديوان الحكم المحلي والرعاية الاجتماعية وحكومة ولاية القضارف وديوان الحسبة والمظالم وغيرها من جهات، كاشفاً أن خسائره تمثلت في فقدان مساحة زراعية تتجاوز الخمسمائة فدان بالإضافة إلى 1200 جوال ذرة عطفاً على تسديده مبلغ 1900 جنيه رسوم تجديد للمشروع، والتمس عبد الفراج من النائب العام إنصافه، إلا أن هذا لم يحدث حتى الآن، فقد اكتفى النائب العام بمخاطبة رئيس الإدارة القانونية بولاية القضارف طالباً منه تعويض وجبر ضرر حسن عبد الفراج لفقدانه أرضه في النزاع الحدودي مع أثيوبيا إلا أن هذا أيضاً لم يحدث، لتزداد المواجع على ضابط قوات الشعب المسلحة الذي شعر أن تضحياته التي بذلها من أجل الوطن وهو جندي يحمل روحه في كفه دفاعاً عنها لم تجد التقدير والإنصاف.
مخاطبة أعلى سلطة في البلاد:
لأنه مقاتل سابق، فإن اليأس لم يتسلل الى نفس الضابط المتقاعد حسن عبد الفراج كوكو الذي ورغم المعاناة التي تكبدها لأكثر من عقدين من الزمان إلا أنه قرر ألا يرفع راية الاستسلام وأن يقاتل حتى آخر رمق في حياته، وبعد تفكير عميق لم يجد أمامه لرفع الظلم عنه ورد حقوقه غير مخاطبة أعلى سلطة في البلاد متمثلة في رئيس الجمهورية، وقدم مرة أخرى سرداً دقيقاً للقضية مدعوماً بالمستندات المؤيدة لما خطه يراعه في المذكرة التي دفع بها إلى رئيس الجمهورية المشير عمر حسن أحمد البشير، وأشار إلى أنه وبعد عدم استجابة حكومة ولاية القضارف وتجاهلها كل الخطابات المركزية المتعلقة بتعويضه وآخرها خطاب النائب العام لجأ إلى الإدارة القانونية بالولاية التي استفسرت المدير التنفيذي لمكتب الوالي الذي أفاد أن الجهة المسؤولة عن تعويضات المتضررين وزارة الحكم الاتحادي ورئاسة الجمهورية، مبيناً أن رئيس الإدارة القانونية بولاية القضارف وجهه بدفع مظلمته إلى رئاسة الجمهورية، وقد فعل ذلك هذا العام وما يزال أيضاً في انتظار ردها على مظلمته من أجل إنصافه وإزالة غبن السنين الذي لحق به عن نفسه .
في الانتظار:
يقول العقيد معاش حسن عبد الفراج كوكو لـ(الصيحة) إنه ليس من العدل أن يظل لربع قرن من الزمان يلهث وراء تعويضه خسائره التي رأى أنها لا تساوي شيئاً بالنسبة لإمكانيات الحكومة، إلا أنها تعني له الكثير، مبيناً أن التعدي على أرضه واحتلالها من قبل الأحباش أدخله في دائرة الفقراء بعد أن كان منتجاً، وهذا سبب له عجزاً اقتصادياً تاماً وقف حائلا بينه والعودة إلى الزراعة مجدداً لعدم امتلاكه الإمكانيات التي تساعده على مواجهة منصرفات الزراعة ومدخلاتها، وقال أن ما يؤسف له أن البعض تم تعويضهم فيما لم يجد كثيرون وهو منهم من يقف بجانبهم ويعمل على مساعدتهم، ويتحسر على أموال تقاعده من القوات المسلحة التي وجهها ناحية فلاحة المشروع رقم عشرة بشرق سندس الذي كان يأمل أن يساعده في معاشه وتوفير احتياجات أسرته، ويبدو حزيناً وهو يتنقل بين الخرطوم والقضارف على أمل أن يجد الإنصاف.
لا حول ولا قوه الا بالله!!!والله لو عرض علي منصب واكون مسؤول من خلق الله والله لن اقبل…يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتي الله بقلب سليم…..الهم نسألك حسن الخاتمه
لا حول ولا قوه الا بالله!!!والله لو عرض علي منصب واكون مسؤول من خلق الله والله لن اقبل…يوم لا ينفع مال ولا بنون إلا من اتي الله بقلب سليم…..الهم نسألك حسن الخاتمه