( جربندي ) الخيران والوديان علي طريقة (DIY).

أسامة ضي النعيم محمد
في معظم الدول الاجنبية شرقا وغربا يقف مصطلح (Do It Yourself) حلا لإصلاحات منزلية عديدة ، من طلاء الجدران وإصلاح الحمامات الي اصلاح بعض أعطال السيارات ، يوفر المصطلح كثيرا من الاموال وطبعا أحيانا يهدرها كثيرا ، هي أيضا خبرات تحتاج الي تجربة ، لها كتيبات تساعد في الدخول الي المهنة والتأمل كثيرا لصانع محترف من بين أدوات خطف الصنعة ، المناسبة هو وصولي الي قناعة بضرورة تحريك المياه الراكدة في هذا المجال وتحفيز أهل الخبرة من خبراء الري والمياه وضباط البلديات في السودان ليلحقوا مهنهم.
نشرات الاخبارتأتينا بمنظر الخيران والوديان والسيول تجتاح قري بأكملها ، لا يخفي المختص – الذي تستطلعه النشرة-الحقائق ويرمي باللوم علي الاهالي بأنهم بنوا مساكنهم في مجاري الوديان والخيران ، يوحي الامر بأن بناة تلك المنازل هبطوا من كوكب اخرسخرله الله أرض السودان مستقرا ، لا تحكم أنظمة وقوانين السودان ساكنيه عند بناء منازلهم في بلاد السودان ، فقط تحصل الاموال ويترك الاهالي يواجهون مصيرهم المحتم حدوثه بعد سنوات تطول وتقصر ، يعرف ذلك راعي الضأن في بادية الكبابيش حيث يتجنب النوم في مجري وادي الملك ( بكسر الميم ) ، كما يبتعد المزارعون من وادي كجا في الجنينة وهناك في منطقة أبو هشيم ينبئك الاهالي بقدوم سيول نهرالدندر قبل أيام من وصولها ولها هدير وخرير ، سبحان الله — يرزق الله السكان أيضا بما تجلبه السيول من عروق أشجار بخور ضخمة تقطع وتباع بغال الثمن .
الفتاوي بأن الاهالي يبنون مساكنهم في مجري الخيران والوديان لا تقبل كحجة الا في السودان ، في بوادي الخليج عموما لا يسكن في حرم الوديان الا من لديه المقدرة المالية لبناء مسكن عماده من الاسمنت المقاوم للكبريتات وهو من أغلي أنواع الاسمنت ، البناية مسلحة وتكاد تشبه القلاع القديمة لان الاهالي بقناعة تامة يحدثونك بأن الوديان لا تنسي مجاريها مهما طال الزمن ، تصريح البناء الذي تصدره سلطات البناء في السودان يجب أن تسبقه دراسة ومعاينة هندسية لاتقاء خطر جريان الخيران والأودية ، اهمال التحقق من تلك المعلومة في السودان لايتم عن جهل بل – للأسف – استخفافا وإسقاطا لمراعاة أخلاق المهنة .
الهيئة التي تهدم بها سيول الخيران والأودية منازل المواطنين في مختلف مدن السودان ، لا تحتاج أن يتوقف النصح والمشورة بشأنها والتعامل مع السيول والفيضانات علي الخبراء ، في عهد الاستعمار كانت تفتح قنوات خاصة تحبس فيها مياه بعض الاودية والأنهار، هكذا حصلنا علي غابات من أشجار السنط واللالوب والزونية في مناطق متفرقة من مدينة سنجة وغيرها وكذا غابة الخرطوم الشهيرة ، غابة أخري ضخمة من أشجار النيم في أم روابة ، تردة تحبس فيها المياه طول العام في منطقة الرهد وتطورت الان الي أحواض لاستزراع الاسماك ، اقامة الاحياء السكنية في حمي الوديان والخيران بدعة جاء بها الحكم الوطني لإرضاء أصوات انتخابية أو التمكين . قبلها كانت السلطات البلدية لا تسمح بإقامة مباني في المناطق التي يفترض أنها مجاري للوديان والخيران.
لا أعمد شخصي الضعيف خبيرا في اسداء النصح للأهالي للابتعاد عن بناء المنازل في مجاري الوديان والخيران الا بعد ما سمعت من تبريرات ساذجة يطلقها بعض المختصين ، فمنع البناء في حرم الانهار والأودية والخيران لا يحتاج الي فتوي من خبير مختص ، تكفيك حكمة أهلنا في بادية كردفان أو تلك التي تسمعها من أحفاد العرب الاوائل في بوادي نجد وشمال السعودية نقلا عن أسلافهم .(الجربندية) في النصح هنا تأتي كما هي نصيحة الطفل لموكب فرعون وهو يمشي عاريا ( أنظروا الي مليكنا العريان ) ، تبني المنازل لعديد من السنوات في مجاري الخيران والوديان ولا يعترض مختص ، ثم تأتي السيول ويعود الوادي أو الخور لمساره الطبيعي الذي يعرفه من عشرات السنين ليدمر المعتدي ، فالرأي هو التعامل العقلاني وتكوين وحدة خاصة في هيئة توفير المياه تعني بدراسة الاودية والخيران في جميع أنحاء السودان ، تحديد خرائط بها ونشرها وتشجيع مصلحة الغابات لإقامة غابات حول حرم تلك الوديان للاستفادة من مياهها في تكثيف الغطاء النباتي في السودان الذي فقدنا نسبة كبيرة منه بعد انفصال الجنوب وإنشاء جمهورية جنوب السودان ، النصح هنا لا يحتاج الي كتيبات (DIY).