مقالات متنوعة

تهييج الشارع الفني!!

سراج الدين مصطفى

ما زالت صورة الأسطورة (محمود عبد العزيز) تتماثل أمامي وهو يجلد في مكان عام بمدينة نيالا.. صورة كانت تمثل قمة الإهانة لمجتمع الفن عموماً وليس محمود عبد العزيز وحده .. وطريقة التشهير تلك كانت تحوي رسالة واضحة المحتوى أن حكومة الإنقاذ كانت ضد الفن والفنانين .. وذلك المسلك اتضح منذ أن أغلقت أبواب الإذاعة والتلفزيون في وجه المبدعين وفتحت ذات الأبواب ليونس محمود وهو يمارس العواء السياسي في الفضاء الفسيح ولشنان ومحمد بخيت ليرددوا الشعارات الخاوية من شاكلة (لا لدنيا قد عملنا) و(أمريكا روسيا .. قد دنا عذابها .. علي إن لاقيتها ضرابها) .. مارست الإنقاذ ذلك العهر السياسي والثقافي حتى أسقطها الشعب بثورة مشهودة رفعت شعار (حرية .. سلام وعدالة)

سقطت الإنقاذ لأنها حاربت الفن والفنانين والمبدعين .. وأسقطت بحقهم أقسى العقوبات ولم يرمش لها جفن .. ولكن يبدو أن دولة الإنقاذ مازالت قائمة .. لأن العقلية التسلطية ذات الخلفية العقابية تمارس ذات البطش بحق المبدعين في شتى المجالات .. ولن أذهب بعيداً في ذكر النماذج التي تؤكد بأن الدولة العميقة حاضرة حتى في منصات القضاء الذي يفترض فيه أن يكون عادلاً ومنصفاً ولا يتخذ من القضاء منصة للتشفي وتهييج الشعب مرة  أخرى للخروج في الشوارع.

قبل أيام قلائل أصدر أحد القضاة عقوبات قاسية بحق بعض العازفين .. تلك العقوبات بلغت أرقام قياسيةاً وغير معتادة .. حيث تراوحت ما بين (150000) الى (100000).. ولعلها عقوبات تاريخية تصدر لأول مرة في تاريخ القضاء .. هذه الأرقام الفلكية يتضح فيها التشفي والقصد منها قد يبدو معلوما بالضرورة .. والمؤلم أن تلك العقوبات لم تستند على أي تشريع قانوني يبيح للقاضي ممارسة هذا التشفي بهذه الصورة وضد عازفين لا يتعدى أجرهم في الحفل (3000) جنيه ..

السؤال الذي يطرح نفسه بقوة .. على أي قانون أو تشريع استند القاضي في ذلك الحكم القاسي؟ وما هي المبررات التي استند عليها وأباحت له تحديد هذا المبلغ الخرافي؟

بتقديري الخاص أن تلك العقوبات مقصودة وبهذه الطريقة البشعة، ولكنها في ذات الوقت مهمة حتى تجعل جميع المبدعين يقفون في صف واحد لحماية الإبداع والمبدعين في دولة الحرية والسلام والعدالة..

وهي كذلك فرصة سانحة للقيادات الفنية أن تتوحد خلف كلمة واحدة حتى لا تتمادى دولة الظلم العميقة  في تركيع قطاع حيوي ومهم من المفترض أن يجد كامل التقدير والاحترام وليس الإذلال، لأن الأمم التي تهين مبدعيها هي بلا شك أمم متخلفة وغير متحضرة والذي يحدث للقطاع الإبداعي في السودان هو سلسلة طويلة من الإهانات يجب أن تكسر حلقاتها في دولة الثورة والحرية والعدالة.

كنا نحلم ببعض التغيير في كافة مناحي الحياة، ولكن يبدو أن التغيير يذهب نحو الاتجاهات السيئة، لأن العقلية القديمة مازالت حاضرة ولم تسقط بعد، وكان الأولى أن يحاكم شلة المجرمين القابعين خلف السجون بجرائمهم التي اقترفوها في حق الشعب ولكن لم تتم حتى الآن أي محاكمة بشكل سريع وعادل حتى تتحقق العدالة في الفترة الانتقالية بشكل كامل.

ما حدث لهولاء المبدعين من عقوبات مؤلمة وقاسية هزيمة لشعارات الثورة، وهو فعل محبط فيه محاولات خبيثة من البعض لتشويه صورة الثورة وما حققته من تغيير لدولة القتلة والظالمين الذين جثموا على صدرونا ثلاثين عاماً متواصلة، ولكن رغم الذي يحدث من تشويه سوف تظل جمرة الثورة متقدة وحية لتحرق كل من يحاول النيل منها وستبقى غصة في حلوق المرجفين ومن يقفون في وجهها.

أعتقد أن ما حدث رغم ضرره النفسي البالغ على مجتمع الفن ولكن كما يقال رب ضارة نافعة، فهذه الحادثة هي فرصة حقيقية للتغيير ولعودة هيبة الفنان، وهي فرصة كذلك لمجلس المهن الموسيقية والتمثيلية ليعلن عن وجوده كمجلس ينحاز لحماية المهنة والمشتغلين بها.

سراج الدين مصطفى

نقلاً عن الصيحة

تعليق واحد

  1. ديل عازفين ومغنية غير مسؤلين ، الدولة منعت الحفلات حفاظا علي حياة الناس. الفنان الحقيقي يكون قدوة في الالتزام بالقوانين. يجب ان يعاقبوا حتي لا يستهتروا بالقانون ولا كبير علي القانون.
    صاحب المقال ما عنده موضوع ومفروض يعاقب معاهم علي دعوته للفوضي.

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..