ثلاثة مؤسسات هامة امن الاستعمار على استقلاليتها صودرت سلطتها

مواصلة لوقفتي مع السيد وزير المالية ودعوته لإجراء إصلاح اقتصادي شامل والذي اعتبره كما أوضحت إنما هو تصحيح لما ارتكبه الحكم الوطني في حق البلد والمواطن بصفة خاصة لا تسلم منه أي مرحلة حكم تعاقبت على السودان وان كان أكثرها وأخطرها ما ارتكب في عهد النظام الحالي لهذا فان تراجعه عنها لو صح وتعامل بجدية لتصحيحها لهو موقف يتسم بالشجاعة في نقد الذات فهل يطمع المواطن الغلبان الذي وقع عليه وزر هذه الأخطاء في أن يجد ما طرحه السيد وزير المالية جدية في التنفيذ بما يعالج كل الآثار السالبة التي تسببت فيها هذه الأخطاء خاصة وان السيد النائب الأول لرئيس الجمهورية نفسه اصدر تصريحات تصب في هذه الاتجاه فهل تصمد الدولة في مواجهة المنتفعين وأصحاب المصلحة الذين سيقاومون هذه الإصلاحات الجوهرية ويملكون التأثير عليها لأنها ستكون خصما لرفاهيتهم على حساب السودان ومواطنه.

وكنت قد تناولت في المقالات السابقة الأضرار التي لحقت بالمواطن من إلغاء المؤسسات التي تشكل التامين الكامل للاقتصاد السوداني ولمصلحة المواطن التي تعلوا مصالحة على الكل والتي تسبب إلغائها في إهدار المال العام في سياسات لم تخرج عن تحقيق الرفاهية لقلة مميزة من أبناء الشعب وترتب عليها الدمار الذي حل بمستوى معيشة المواطن اليوم وعلى السودان
وان كنت في هذه الحلقة سأتوقف مع أخر هذه المؤسسات التي ألغيت مصلحة الأشغال حتى اقفز لعنوان هذه المقالة الذي أشرت فيه إلى أن ثلاثة مؤسسات صودرت استقلاليتها الإدارية التي أمن عليها الاستعمار لأهميتها في اقتصاد السودان ولحماية حقوق المواطن بجانب الوزارات المكملة لها والتي اسقط دورها في حماية الاقتصاد السوداني ومصالح المواطن والمؤسسات الثلاثة هي مشروع الجزيرة وبنك السودان والسكة حديد ثم وزارة التجارة والصناعة وإدارة الحسابات والمشتروات المركزية.
فلقد أسس الاستعمار لجهاز دولة راعى فيه أن يكون بأقل تكلفة حتى لا يصبح عبئا على الخزينة العامة ويهدر فيه المال العام بسبب قلة مصادره
لهذا كان من بين ما أمنت علية مقرات الأجهزة الحكومية في بنايات متوا ضعة أخضعها لمصلحة الأشغال تتولى مسئولية صيانتها وتشييد الجديد منها بأبسط المواد واقل تكلفة حتى لا تكون عبئا على الخزينة وعلى أولويات حقوق البلد والمواطن وفق الميزانية المقررة
لهذا لم تكن هناك أي مؤسسة حكومية تملك سلطة تشييد المباني الجديدة مقرا لها التي تمليها الحاجة لاتساع المسؤولية بأقل تكلفة ولكن إلغاء مصلحة الأشغال احدث فراعا خطيرا وسهل للمؤسسات الرسمية التي توفر لها تحت يدها جزءاً كبيرا من مال الخزينة العامة بالتجنيب أو التي بيدها سلطة القرار سهل لها أن توجه مال التجنيب أولا لتشييد عمارات بل أبراجاً فارعة لتتخذها مكاتب لها بصورة مرفهة وأثاثات فاخرة بعد تغييب مصلحة المخازن والمهمات وبكم هائل من السيارات للعاملين للاستعمال الخاص دون ضوابط وباستهلاك ضخم من البترول بعد تغييب النقل الميكانيكي حتى أن من يشهد هذه الأبراج يشك إن كان هو في دولة يعانى اقتصادها ومواطنها من الفقر بل قد يحسب نفسه في أغنى دول العالم كما إن هذه المؤسسات هي التي تباشر تشييد الأبراج وتأثيثها تحت مسئوليتها الخاصة وكل هذا يتم خصما على الخزينة العامة وخصما على الأولويات الأكثر أهمية من مظاهر الترف هذه التي أصبحت طابعا مميزا لجهاز
الدولة الذي يستنزف الخزينة العامة الأحق بها المواطن.

أما المؤسسات الثلاثة عنوان هذه المقالة والتي صودرت سلطاتها وأفقدت استقلاليتها التي امن عليها الاستعمار لأهميتها القومية فهي حسب الأهمية بنك السودان والسكة حديد ومشروع الجزيرة حيث اتبعت هذه المؤسسات الثلاثة والتي كانت تتمتع باستقلالية تامة من الجهاز السياسي لأهميتها اتبع اثنان منها بنك السودان ومشروع الجزيرة لوزير المالية واتبعت السكة حديد لوزير النقل مما افقدها دورها الحيوي في الاقتصاد السوداني وحماية مصالح المواطنين وهو ما يسال عنه الحكم الوطني عبر مراحله المختلفة رغم تفاوت حجم المسئولية.

فلقد كان أول قرار في هذا الشأن في عهد أول حكومة وطنية في عهد الديمقراطية الأولى والتي وضعت أول خطوات إجهاض الخدمة المدنية بإلغاء استقلالية وكلاء الخدمة المدنية أخضعتهم لصلاحيات الوزير السياسي قليل الخبرة التنفيذية ولارتباطه السياسي بمصادر السلطة ومؤيديها مدنية كانت أو عسكرية أو خلطة مشتركة كما انه يغير من فترة لفترة ثم جاءت أول لكمة قوية للمؤسسات الثلاثة في فترة الديمقراطية الثانية في عهد رحمة الله غليه الشريف حسين الهندي عندما اتبع له بنك السودان ومشروع الجزيرة وأحيلت السكة حديد لوزير النقل وجاءت اللكمة الثانية والأشد خطرا في عهد الحكم العسكري الثاني في مايو عندما صدر القرار في عهد السيد بدرالدين سليمان وزير المالية حيث صدر قرار إلغاء قانون رقابة النقد ورفع يد بنك السودان عن الرقابة عليه وإطلاق حرية الدولار ليعرف السودان لأول مرة ما عرف بالسوق الأسود للعملة وقيام طبقة تجار جديدة للاتجار بالعملة من السماسرة تحت الشجر ثم كانت اللكمة الثالثة بالضربة القاضية في عهد النظام الحالي أبان تولى السيد عبد الرحيم حمدي لوزارة المالية والتجارة النظام ما اسماه الاقتصاد الحر الذي ترتب عليه سياسة الاستيراد الحر الذي أجهض صلاحيات وزارة التجارة ووزارة الصناعة بجانب مصادرة سلطات بنك السودان على العملة الأجنبية بل وأصبحت تجارة العملة عملا تجاريا مشروعا أفرز أخطر طبقة مدمرة للاقتصاد

ولعل اخطر ما نتج عن هذا إن الجنيه السوداني وهو مصدر أكثر من95 في المائة من شعب السودان سواء كانوا مزارعين أو عمال أو موظفين أو تجار أسواق محلية حيث أجهضت هذه السياسية قيمة الجنيه السوداني الذي كان يساوى ما بين ثلاثة دولارات ودولارين ونصف لينعكس الحال وبصبح سعر الدولار أكثر من تسعة ألف جنيه سوداني مما يعنى إن سعر الجنية انخفض لما يقرب أكثر من خمسة وعشرين ألف ضعف على الأقل فهل قابل هذا ارتفاع في دخل المواطن بالجنيه السوداني ما يقابل هذه القيمة بنفس النسبة مما سبب هذا الواقع الكارثى اليوم على الاقتصاد والمواطن
وكونوا معي في المقالة القادمة لمزيد من التفاصيل

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..