مقالات وآراء

السودان و المحكمة الجنائية الدولية… دفوعات المشرعين السودانيين و مغلوطات قانونية ( 2——- 2)

السفير الصادق المقلي

في الحلقه الأولى من المقال، استعرضنا أهم ما ورد في إفادات شيم خان نائبه المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية أمام مجلس الامن في العاشر من يوليو الجاري.. و لعل أهم ما ورد فيها ما يلي،، ،،
( إن محكمة الجنايات الدولية تعتزم اتخاذ خطوات جادة وميدانية لضمان اعتقال المطلوبين لديها وعلى رأسهم الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير والقياديين البارزين أحمد هارون وعبد الرحيم محمد حسين.

 

مكتب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية يخطط للقيام بزيارة جديدة إلى السودان خلال الفترة المقبلة مشيرة إلى أن هذه الزيارة ستكون بهدف العمل الجاد والتركيز على تنفيذ أوامر القبض الصادرة بحق المطلوبين الذين لا يزالون داخل السودان..)
دفوعات النائب العام و وزير العدل السابق و الحالي عبدالله درف و السفير الحارث في نيويورك تعقيبا على إفادة نائبة المدعى العام شيم خان،هي نفسها التي استند عليها من قبل الاستاذ محمد الحسن الامين محامي البشير في مقابلة له في قناة الجزيره مباشر حول موقف الحكومة السودانية من تسليم البشير و وأعوانه ممن صدرت بحقهم مذكرات توقيف من المحكمة الجنائية الدولية..

 

فقد اوضح من جهة أن القانون السوداني راغب و قادر علي محاكمة المتهمين َ.و من جهة اخري تحدث عن عدم اختصاص المحكمة الجنائية الدولية بذريعة أن السودان ليس طرفا في ميثاق روما.
افادات تنم عن معلومات مغلوطة عن القانون الجنائي السوداني و عن ميثاق روما نفسه.
فقد ذكر ان المتهمين ظلوا لخمس سنوات في الحبس،، و كأن لسان حاله يقول ان مذكرات التوقيف الدولية في حق البشير و الذين معه سقطت بالتقادم.. و هو يعرف جيدا ان هذه المحاكمات لا دخل لها بمذكرات التوقيف الدولية الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية.. … و انما هي محاكمات تخص تهمة تتعلق بقضايا جنائية اخري على راسها تهمة تدبير و تنفيذ انقلاب 1989..

 

من جهة أخرى اشار الاستاذ محمد الحسن الامين الي أن السودان ليس طرفا في ميثاق روما الدولي بمعني ان القرار 1593 الذي احال مجلس الامن الحالة في دارفور وقتها الي لاهاي بموجب المادة 13ب من ميثاق روما يخص فقط الدول الأطراف في الميثاق لا دخل للميثاق بالدول غير الأطراف كالسودان..
و هذا إلتفاف في غير موضعه حول إختصاص كلا المحكمه الجنائية الدولية و القانون الجنائي السوداني لعام 1991 تعديل 2010..
فعلا السودان بالرغم من انه ليس طرفا في ميثاق روما،،، إلا أنه عضو في الامم المتحده.. و القرار 1593 لعام 2005 هو الذي أحال بموجبه مجلس الأمن الحالة في دارفور الي المحكمة الجنائية الدولية كما اشرنا آنفا بموجب المادة 13 ب الخاصة بالدول غير الأطراف في ميثاق روما. و القرار 1593 الذي صدر عن مجلس الامن عام 2005،، تحت الفصل السابع، يلزم كل الدول الأعضاء في الامم المتحدة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

 

 

 

 

 

تجدر الاشاره الي ان حكَومة الموجة الاولي من الفترة الانتقالية شرعت في التعاون مع الجنائية الدولية حيث صدر قرار في هذا الصدد إلا أن انقلاب اكتوبر 2021 احال دون ان تمضي حكومة د حمدوك قدما في هذه الخطوة.
لذلك ليس لما ذهب اليه الأستاذ محمد الحسن الامين اي مسوغ قانوني و انما ياتي هكذا موقف من منطلق سياسي بحت..علما بأن مدعي المحكمة الجنائية الدولية الجديد كريم خان، ما فتأ يطالب الحكومة السودانية بالتعاون في تسليم المتهمين الي المحكمة في لاهاي.
ثانيا.. علي خلاف ما ذكر ،،فان القضاء السوداني.. حتي و لو كان راغبا، فهو غير قادر على محاكمة المتهمين في السودان…ليس لأسباب مهنية او قدح في مقدراته و كفاءته المهنية. و انما هذه الرغبة تصطدم بعدم اشتمال القانون الجنائي لعام 1991 وقت صدور مذكرات التوقيف الدولية علي الجرائم الاربع المنصوص عليها في ميثاق روما.. المادة الخامسة.. جريمة الحرب جريمة ضد الإنسانيه و الإبادة الجماعية و جريمة العدوان….
و وفق القواعد العامة للقانون الجنائي، ، فلا جريمة بدون نص،، و لا عقوبة بدون نص..
نعم لقد تم التعديل في عام 2010،، لكن نسي المشرع ان لا رجعية للاثر في القانون.. اذ ان الجرائم المتهم بها البشير و وأعوانه ارتكبت عامي 2003_2004..و قد تم هذا التعديل بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير عام 2009 بهدف المحاكمة داخل السودان وفق القانون الجنائي السوداني..
الجدير بالذكر في هذا المقام أن عدم تعاون السودان مع المحكمة الجنائية الدولية جمد عضويته في التجمع الإقليمي الذي يختص بشراكة بين الاتحاد الأوروبي و دول إفريقيا ،، الكارببي و الباسيقيكي المعروفه EU__ACP…نسبة لامتناعه عن الموافقة علي التعديل الثاني لإتفاقية كوتونو.. بنين.. في اجتماع المجموعة عام 2010 في اوقادوقو.. بوركينافاسو.. و الذي ينص علي الزام الدول الأعضاء التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.. الأمر الذي افقد السودان مئات الملايين من مخصصات التنمية من قبل الإتحاد الأوروبي لعضوية المجموعة َ.. آسف للاستطراد للاهمية.
و لا شك ان الاستاذ يدرك تماما أنه حسب المبادئ العامة للقانون الجنائي لا جريمة و لا عقوبة بدون نص. و لذلك لم ينطبق علي القضاء السوداني مبدأ التكاملية الذي تحدث عنه في الفضائية.. اذ كما ذكرنا آنفا عدم النص في القانون الجنائي السوداني لعام 1991،،فضلا عن اصطدام تعديل 2010 بعدم رجعية الأثر.
و لذلك ترك الباب للحكومة السودانية مواربا اَأمام خيارين لا ثالث لهما،. ،، إما التسليم الي لاهاي او عقد محاكمة هجين في السودان Hybrid Court.. وفق المادة 3 من ميثاق روما التي تتيح للمحكمة الجنائية الدولية الانعقاد خارج المقر في لاهاي .. بمشاركة قضاة و محامين سودانيين لكن وفق اختصاص و ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية..
في سياق آخر حاول الاستاذ تبرير عدم المثول ايضا بمبدأ التقادم،، و لعله يعلم ان ميثاق روما لم يربط اختصاص أو انعقاد المحكمة الجنائية الدولية بقصر او طول المدة الخاصة بإصدار مذكرات التوقيف الدولية، ،،بمعني ان التهمة لا تسقط بالتقادم ، كما هو الحال في القانون الجنائي السوداني..
ذكر الاستاذ محمد الحسن الامين ان المتهمين كانوا ماثلين قبل الحرب الي محاكمات داخلية. و هو يعرف جيدا ان هذه المحاكمات لا دخل لها بمذكرات التوقيف الدولية في حق للبشير و من معه… و انما هي محاكمات تخص تهمة تتعلق بقضايا جنائية اخري معروفة..
من جهة أخرى يري الاستاذ محمد الحسن الامين ان القرار 1593 يخص فقط الدول الأطراف في ميثاق روما و لا دخل للميثاق بالدول غير الأطراف كالسودان..
و هذا لا علاقة له باختصاص المحكمه الجنائية الدولية و حتي بالقانون الجنائي السوداني.

فإن السودان بالرغم من انه ليس طرفا في ميثاق روما،،، إلا أنه عضو في الامم المتحده.. و القرار 1593 لعام 2005 تحت الفصل السابع، ،هو الذي أحال بموجبه مجلس الأمن الحالة في دارفور الي المحكمة الجنائية الدولية بموجب المادة 13 ب الخاصة بالدول غير الأطراف في ميثاق روما. و القرار 1593 الذي صدر عن مجلس الامن عام 2005،،، يلزم كل الدول الأعضاء في الامم المتحدة بالتعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.

لذلك ليس لهذه الأفادة اي مسوغ قانوني و انما ياتي هذا الموقف من منطلق سياسي بحت..
ثانيا.. علي خلاف ما ذكر الاستاذ ،،فان القضاء السوداني.. حتي و لو كان راغبا، فهو غير قادر على محاكمة المتهمين في السودان…ليس لأسباب مهنية او قدح في مقدراته و كفاءته المهنية. و انما هذه الرغبة تصطدم بعدم اشتمال القانون الجنائي لعام 1991 المعدل عام 2010 علي نصوص تخص الجرائم الاربع المنصوص عليها في ميثاق روما.. المادة الخامسة.. جريمة الحرب جريمة ضد الإنسانيه و الإبادة الجماعية و جريمة العدوان..
نعم لقد تم التعديل في عام 2010،، لكن نسي المشرع ان لا رجعية للاثر في القانون.. اذ ان الجرائم المتهم بها البشير و وأعوانه ارتكبت عام 2003_2004..و قد تم هذا التعديل بعد صدور مذكرة التوقيف الدولية في حق البشير عام 2009 بهدف الإلتفاف حول المحاكمة داخل السودان وفق القانون الجنائي السوداني..
و حسب المبادئ العامة للقانون الجنائي لا جريمة و لا عقوبة بدون نص. و لذلك لم ينطبق علي القضاء السوداني مبدأ التكاملية..
و عليه ترك الباب للحكومة السودانية مواربا امام خيارين،،، إما التسليم او عقد محاكمة هجين في السودان.. بمشاركة قضاة و محامين سودانيين لكن وفق اختصاص و ترتيبات المحكمة الجنائية الدولية..

.المادة 19ََ.
الدفع بعدم اختصاص المحكمة أو مقبولية الدعوى

1- تتحقق المحكمة من أن لها اختصاصاً للنظر في الدعوى المعروضة عليها, وللمحكمة , من تلقاء نفسها أن تبت في مقبولية الدعوى وفقاً للمادة 17.

2- يجوز أن يطعن في مقبولية الدعوى استناداً إلى الأسباب المشار إليها في المادة 17
4- ليس لأي شخص مشار إليه أو دولة مشار إليها في الفقرة 2, الطعن في مقبولية الدعوى أو اختصاص المحكمة إلا مرة واحدة , ويجب تقديم الطعن قبل الشروع في المحاكمة أو عند البدء فيها , بيد أنه للمحكمة , في الظروف الاستثنائية , أن تأذن بالطعن أكثر من مرة أو بعد بدء المحاكمة..

أ ) إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها ولاية عليها , مالم تكن الدولة حقاً غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك.
مشكلة الاستاذ محمد الحسن الامين المحامي انه قفز الي هذه المادة 19 الخاصة بالطعن في المقبولية.متجاهلا المادتين 17 و 18 . أولا الطعن في الإختصاص او المقبولية هو مكبل تماما بإرتهانه للمادة 17 الخاصة بعدم المقدرة حتي اذا توفرت الرغبة و اشرنا الي هذه العقدة في الحديث عن عدم اشتمال القانون الجنائي لعام 1991 و عدم رجعية الاثر لعام 2010 الذي اشتمل علي الجرائم الاربع المنصوص عليها في المادة الخامسة في ميثاق روما

 

 

كذا القيد الزمني المحدد بشهر من استلام الدولة لمذكرة التوقيف.. رغم انه في المادة 19 ذكر انه في الظروف الاستثنائية يمكن ان يتجاوز هذا القيد الزمني للطعون في اختصاص المحكمة. لكن أيضا القضاء ايضا يجد نفسه مكبلا بما وزد في المادة 17 الخاصة بشرط الرغبة و القدرة مجتمعتين..
ا

المــادة (17)

المسائل المتعلقة بالمقبولية

(أ ) إذا كانت تجري التحقيق أو المقاضاة في الدعوى دولة لها ولاية عليها , مالم تكن الدولة حقاً غير راغبة في الاضطلاع بالتحقيق أو المقاضاة أو غير قادرة على ذلك.
. 3- لتحديد عدم القدرة في دعوى معينة , تنظر المحكمة فيما إذا كانت الدولة غير قادرة , بسبب انهيار كلي أو جوهري لنظامها القضائي الوطني أو بسبب عدم توافره على إحضار المتهم أو الحصول على الأدلة والشهادة الضرورية أو غير قادرة لسبب آخر على الاضطلاع بإجراءاتها

.المــادة (18)

القرارات الأولية المتعلقة بالمقبولية

1- إذا أحيلت إلى المحكمة عملاً بالمادة 13 (أ) وقرر المدعي العام أن هناك أساساً معقولاً لبدء تحقيق , أو باشر المدعي العام التحقيق عملاً بالمادتين 13 (ج) و 15 , يقوم المدعي العام بإشعار جميع الدول الأطراف والدول التي يرى في ضوء المعلومات المتاحة أن من عادتها أن تمارس ولايتها على الجرائم موضع النظر , وللمدعي العام أن يشعر هذه الدول على أساس سري , ويجوز له أن يحد من نطاق المعلومات التي تقدم إلى الدول إذا رأى ذلك لازماً لحماية الأشخاص أو لمنع إتلاف الأدلة أو لمنع فرار الأشخاص.

2- في غضون شهر واحد من تلقي ذلك الإشعار , للدولة أن تبلغ المحكمة بأنها تجري أو بأنها أجرت تحقيقاً مع رعاياها أو مع غيرهم في حدود ولايتها القضائية فيما يتعلق بالأفعال الجنائية التي قد تشكل جرائم من تلك المشار إليها في المادة 5.. التي تنص على الجرائم الاربع المعروفة.
و لعل السؤال الذي يطرح نفسه.. لماذا تزكز الحكومة على عوار التأسيس للمحكمة الجنائية الدولية. و هي في ذلك محقة… لكن هذا العوار لا يوفر للدول حق الافلات من العقوبة.
و قد ظلت الدولة تجنح الي الطعن في اختصاص المحكمة في الاعلام،، بدلا من الشروع في الإجراءات الخاصة بالطعن… سيما و ان الميثاق في هذه المادة تحدث عن التجاوز عن القيد الزمني لتقديم الطعون في الظروف الاستثنائية. ..
و لعل الأفضل ان يعمل المشرعون و القانونيون على اتخاذ الإجراءات القانونية،، بدلا عن الاكتفاء بالهجوم في الوسائط الإعلامية علي قرار المحكمة الجنائية الدولية الخاص بمذكرات التوقيف. سيما و ان هذه المادة نفسها التي خصها الاستاذ محمد الحسن المحامي بالذكر تحدثت عن ( مستجدات) …. و لعل تعديل القانون الجنائي لعام 91 في 2010 و الذي اشتََمل علي الجرائم الاربع هو من المستجدات و يمكن في هذه الحالة تجاوز مبدأ رجعية الاثر لتعديل 2010..
و لا يخفي علي الجميع ان السودان بصفته عضوا في الامم المتحدة ملزم تماما بالامتثال للقرار 1993 لعام 2005 الذي الذي احال الحالة في دارفور الي لاهاي بموجب المادة 13 ب من ميثاق روما. .
و أعتقد انه بتجاوز مبدأ رجعية الاثر لتعديل القانون الجنائي لغام 91 يمكن للحكومه السودانية تقديم الطعن في اختصاص المحكمة. .. بدلا من المرافعات الإعلامية التي لا طائل وراءها و ان هذه القضية لا تسقط بالتقادم كما يحاول المشرعون السودانيون الدفع بذلك إعلاميا.
و كما ذكرنا من قبل.. في معرض الحديث عن عوار النظام الدولي المتمثل بصورة أوضح في قواعد المحكمة الجنائية الدولية ،، هذا العوار لا يوفر اي ذريعة للدول الأعضاء في الامم المتحدة التي ترتكب جرائم الحرب و الجرائم ضد الإنسانية ، لا يوفر اي مبرر لها للأفلات من العقاب.

تعليق واحد

  1. جزاك الله خيرا يا سفير المقلى على هذا الايضاح الضافى المؤسس على الموضوعية والفهم الصحيح للنصوص القانونية,, مشكلة بعض المهتمين انهم بريدون الالتفاف على نلك النصوص والسودان نفسه يتقدم بشكاوى ومطالبات الى المجتمع الدولى ويريد التعاون معه فى القبض على حصومه السياسيين تحت ذريعة ارتكاب جرائم هى فى جوهرها ترتبط بالخصومة السياسية وبغض النظر عن الاتفاق او الاختلاف مع وجهة النظر السودانية ولكن هذا الطلب به قدر غير يسير الاتساق فهو لا يريد تسليم المطلوبين بينما لا يوجد نص فى القوانين السودانية يتيج النظر الى مثل تلك التهم وفى ذات الوقت يريد التعاون فى شان مماثل… شكرا على هذه المثاقفة القانونية الرصينة وليتهم يعونها

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..