التغريد خارج السرب لا للحوار الايدولوجي

تحاول الحركة الإسلامية منذ فترة عند ادراكها بفشل مشروعها الحضاري بالتقارب مع الرؤى الأخرى لمحاولة ايجاد مخرج للقصور الذي اعتري مشروعها، فقد وضح للحركة الإسلامية وتحديدا شبابها الذي يلامس الواقع ان انزال الفكر على الواقع قد اوجد كثير من الازمات المجتمعية الداخلية ولكن الطوباوية التي ينظر بها اعضاء الحركة الإسلامية لفكرهم هي التي تؤدي إلى اعتبار ان فشل التجربة يرجع إلى الواقع وليس إلى الفكر. وهو ما وضح جليا حتى في دعوة الحوار الاخيرة من النائب الأول فلم تمضي عدة ايام على حديثه حتى تبعه بحديث اخر من كسلا يوضح فيه نوعية الحوار بأنه حوار يخضع لثوابت الحركة الإسلامية التي ترى فيها ثوابت لكل السودان.
ولا يرجع اعتقال السودان داخل الفكر إلى الحركة الإسلامية ولكن لكل النخب السابقة التي رمزت السودان كوطن داخل مجتمع الوسط وفكره وحاولت ايجاد توليفة توافقية أو تلفيقية بين الثقافة السودانية وبين ما يحتويه فكر ومجتمع الوسط، وما لم تجد له حل النخب السابقة هي وضعية مجتمع الوسط بالنسبة للكل السوداني وكذلك الفكر العربي الإسلامي والفكر الغربي، فقد عامل ذلك الفكر مجتمع الوسط كمجتمع قائم بذاته وفي نفس الوقت عبارة عن ترميز للدولة السودانية، وهو ما نراه واضحا عندما دعت الحركة الإسلامية إلى الحوار وحاولت التواصل مع الكل السوداني في نظرها، وكحسن نية وتاكيد على جدية الحوار تم اطلاق سراح السبعة الذين ينتمون إلى مجتمع الوسط باعتباره اطلاق سراح للكل السوداني حسب مخيلة الحركة الإسلامية، فهل هؤلاء السبعة يمثلون كل المعتقلين السياسيين لدي الحركة الإسلامية؟ وقطعا ستتم الإجابة بلا فهنالك معتقلين دارفور وجنوب كردفان والنيل الازرق بين سياسيين وعسكريين فاين هؤلاء من حسن النية تلك.
وحتى تخرج الحركة الإسلامية وغيرها من التنظيمات السياسية من اعتقال السودان داخل فكرها فقط عليها ان تعي ان السودان اكبر من كل الفكر المتواجد الان على مستوى نخب الوسط التي ازمت الواقع السوداني منذ الاستقلال وحتى الان ليس الا، فإذا أرادت الحركة الإسلامية وغيرها من التنظيمات الحوار حول الازمة السودانية والتحدث عن الثوابت عليها ان تعي ان السودانوية وانسانها هو الثابت الواحد وليست ثوابت الحركة الإسلامية وغيرها من التنظيمات والاحزاب، والسودانوية تعني ان هنالك حقوق إنسانية بديهية لكل المجتمعات السودانية لا تخضع للمساومات ولا لمفهوم الاقلية والاكثرية، ومن تلك الحقوق حق الإنسانية في الحياة، فعلي الدولة ان تري الإنسان من خلال تعريفه لذاته وليس تعريف تنظيمات واحزاب الوسط له، حتى نخرج من تعريف مسلم وكافر أو تعريف القومية العربية أو القومية الافريقية أو العلمانية، فالإنسان هو الذي يعرف ذاته لنفسه وللاخر وليست الدولة، إذا كان ذلك التعريف بالديانات من مسلم ومسيحي أو دين اهلي، أو إذا كان التعريف بالمجتمعات القبلية أو العشائرية أو غيرها فعلي الدولة ان تستوعبه وقيمه كما هو لا ان تفرض عليه تعريف وقيم أخرى.
والى ان يتحقق ذلك الحوار الجاد وليس الحوار الايدولوجي الذي تريده الحركة الإسلامية وغيرها من التنظيمات السياسية التي عملت من الثقافة السودانية ساحة للجدل والمعارك بين الفكر العربي والغربي عندما لم تستطع ايجاد فكر سوداني (وتم اعتقال السودان داخل الفكر واعتقال الفكر داخل السياسية)، فإلي ان يتحقق ذلك الحوار فان همنا الأساسي يبقي في الدفاع عن المجتمعات الأخرى من خلال تاكيد حقها في ان تعرف ذاتها كما هي ليس كما يريد ان يعرفها الفكر النخبوي لمجتمع الوسط وان تجد حظها من الحياة ولو بالانفصال عن مجتمع الوسط إذا كانت مجتمعات دارفور أو جنوب كردفان أو النيل الازرق أو غيرها من المجتمعات التي لا تري ذاتها في الدولة السودانية. ونحن هنا نعي تماما ان مجتمع الوسط هو ممثل لكل المجتمعات من خلال التحولات الاجتماعية باعتباره مجتمع تحولات للكل السوداني، ولكن مادام ان مجتمع الوسط ذلك معتقل داخل الفكر العربي والاسلامي والغربي الذي يعتبره مجتمع قائم بذاته ويبعده عن المجتمعات الأخرى المكونة له ويتم تعريف ورؤية الدولة من خلاله فاننا لا نري حل للازمة السودانية الا بتفكيك ذلك الفكر أو تفكيك السودان.

خالد يس
[email][email protected][/email]

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..