الرفاق فى حزب البعث العربى …..الرؤى الإقصائية لن تجلب الوحدة فى السودان

يحتدم الجدل مجددأً فى الساحة السياسية السودانية حول فكرة تقرير المصير التى ظلت تراوح مكانها منذ المرحلة ما قبل الاستقلال ليؤكد لنا بشكل قطعى أنّ هذا التكرار دلالة قوية لخلل يعانيه نموذج الوحدة الذى يُراد تطبيقه فى السودان, والجميع يُقِر أنّ سياسات المركز عجزت تماماً أن تجد معادلةيمكن أن تُنقذ البلاد من التأرجح بين الوحدة والتمزق.
هذه المرة الغليان يتحرك من بوابة دارفور بتجربة مشابه وإنْ لم تكن مطابقة لسيناريو الذى حدث فى الجنوب, والشاهد أنّ بِرْكة تقرير المصير فى الاصل موجودة من ضمن البرك الكثيرة التى تسكن وتنشط من وقت لاخر فى السياسة السودانية ولم تكن بدعة يُفاجأ الناس حينما تُثار الفكرة ولا شك لها اسبابها المنطقية أنْ تطل علينا من وقت لاخر وبالتالى كلٌ له مبرراته على حد السواء, الذين ينادون بالفكرة وأولئك المناهضون له, ولكن مثلما أشرت فى مقال آخر يجب أنْ نأخذ هذه القضية بمحمل الجد دون الغرق فى لججٍ من المشاعر والعاطفة الجياشة النابعة من المواقف الايدولجية وما عادت اليوم الايدولوجيا مخرجاً للازمات السياسية والاجتماعية فى عالم ينظر الى كل شئ من زاوية معادلات رياضية براكماتية تجعل ممارسة الاقصاء فى الحكم بأشكاله المختلفة أمراً غير مقبول , وفى مثل هذا الظرف لا بدّ من تكرار السؤال الذى طرحته من قبل…. مَنْ المسئول عن دفع دارفور نحو تقرير المصير؟ أهى سياسات المركز الأُحادية التى تقوم على الهيمنة اودونها فلْتتمزق البلاد إرباً إرباً ام أنّ هناك فى الاصل اقوام فى السودان لا يريدون العيش فى ظل السودان الواحد الموحد؟
برزت فى هذه المعركة أقلام كثيرة لتُعبر عن مواقف سياسية حول الفكرة ولكن كانت جُلْها أراء فردية لا تمثل مؤسسات بعينها وكان هناك تباين واضح يعكس الى أىّ مدى تتقاطع المواقف عند مفهوم الوحدة فى السودان ولكن فى هذا المقال يهمنى موقف حزب البعث العربى الذى جاء فى بيان ممهور باسم الحزب, وبما أنّ حزب البعث مؤسسة سياسية سودانية نشطة ذات امتدادات اقليمية كان لا بدّ من الوقوف عند بيانه المُعبِر عن فكرة تقرير المصير.
كان رد حركة تحرير السودان التى حركت المياه الراكدة فى هذه البركة لم يكن رداً رسمياً إنما كان فى شكل تعليقات ومقالات من بعض قيادات الحركة ولكن فى الواقع لا تمثل رأى الحركة وإن كان يُقرأ كذلك. وقبل أنْ اخوض فى لب الموضوع, ايضاً أؤكد ليس ما يرد فى هذا المقال هو موقف الحركة الرسمى انما امتداد لما يساهم به بعض قيادات الحركة لتحريك الفكرة من أجل كشف الغموض الذى يلف حول مفاهيم الوحدة فى السياسة السودانية الغارقة فى حروب الابادة وهواية تمزيق البلاد.
حينما تتنامى قيم ومفاهيم الوحدة عند مجتمع ما بلا شكّ هناك بيئة صالحة جعلت هذه القيم تزدهر والعكس صحيح وهذا كمدخل منطقى يقودنا الى مناقشة الأزمة السودانية.
الحديث عن تأريخ الشعوب فى الوحدة أو الانفصال يتطلب منا استقراء الاسباب والظروف المواتية لكل حالة من الحالتين وفى ظنى وحدة السودان لا يختلف حولها اهل السودان فرداً كان أم جماعات سياسية وإجتماعية وأنا شخصياً من الذين يحلمون بالسودان القوى الموحدّ الذى نفخر به بين الورى وهذا الشعور ظلّ طاغىاً بين مكونات الشعب السودانى حتى فى أحلك الاوقات والدليل على ذلك أنّ الجنوب الذى قاتل ما يقارب نصف قرن من الزمان كان جزء كبير من نضاله حول وحدة مشروطة على أُسس تصون حق الحياة الكريمة فى وطن يسع الجميع وفكرة تقرير المصير أو الانفصال لم تأت إلا فى ظروف قاهرة فرضتها الحرب الدائرة فى المنطقة وسياسات المركز الاقصائية وكلنا يعلم موقف ابناء الجنوب من الوحدة قبيل الاستقلال 1948 فقد اختاروا طوعاً بقاءهم فى السودان الموحد.
وعلى مدى التاريخ الحديث لم نسمع يوماً من أهل دارفور كلمة تقرير المصير او الانفصال إلا فى لحظات عسيرة متطابقة للظرف الذى مرّ به جنوب السودان وقد وردت مرة عابرة اثناء انتفاضة الفاشر الشهيرة 1981 من أحد نواب دارفور وكان يبدو تعبيراً تلقائياً عن مدى احساس الناس بالظلم وقد استقبل الجماهير الفكرة بحماس منقطع النظير, واليوم يتكرر ذات الموقف من شخص يقاتل من أجل الحرية لفترة عقد ونيف فيها مورست ابشع أنواع الجرائم الانسانية فى حق اهله من قِبل مركز قابض.
إذاً الحديث عن فكرة تقرير المصير جاء فى هذا السياق المزدحم بمحطات من الكوارث والجرائم ضد الإنسانية والرفاق فى حزب البعث العربى فى السودان مهما تفننوا فى الحديث عن الوحدة ليس بوسعهم إقناع جزء كبير من الشعب السودانى بأنّ جدار الوحدة فى السودان غير متصدع او يعانى من ثقوب كبيرة ومهما كنا اصحاب عزيمة قوية لن نستطيع ان نحقق احلامنا فى عالم من ( يوتوبيا) الامر الذى يتطلب منا مراجعة صادقة لمواقفنا السياسية التى ظللنا نتشبث بها منذ أمد يقدر بعمر الاجيال وبذهاب جنوب السودان اثبتت التجربة اننا كنا نجرى وراء سرابٍ لا يغنى من الظمأ.
الآن الساحة السياسية تعج ببرامج ورؤى متفرقة ومتضاربة وجزء كبير منها إقصائية الى درجة تشكلّ نقطة ضعف جوهرية لوحدة البلاد, ودون الخوض فى برامج التنظيمات السياسية المختلفة يمكن ان نجمل القول بأنّ هناك قوى سياسية تطرح نموذجاً من البرامج فى حدود الواقع السودانى الذى يحتاج الى قاسم مشترك يلتقى فيه كل الشعب السودانى بغض النظر عن الولاءات الطائفية والايدولوجية والدينية والعنصرية والقبلية والشعوبية وترى هذا هو النموذج الأمثل لتفادى أىّ تمزق قد يلحق بالوطن.
ومن جهة أخرى هناك قوى تتبنى رؤية سياسية قائمة على اساس من الدين او العنصر او ايدولجيا بعينها وتلك تعتبر نقطة ضعف جوهرية فى وحدة السودان لما تحمل من عناصر التفرق, وعلى هذا القياس أنّ برنامج حزب البعث العربى نفسه مكان تسائل كبير ما دام انه قائم على فرضية الشعب السودانى شعب عربى يجب أن ينهض وفق رؤية (امة عربية ذات رسالة خالدة). بهذا الطرح سيصطدم برنامج الحزب بواقع مغاير جداً فى السودان ويبرز تلقائياً حلاً وحيداً لحلحلة معادلة الحكم فى السودان عبر شكل من اشكال تقرير المصير بما فيه الوحدة المشروطة وفى هذه الحالة يكون المسئول من تمزيق البلاد ليست حركة تحرير السودان أو الحركة الشعبية او الكوش ولكن اصابع الاتهام ستوجه دون أدنى تردد الى من يؤمنون بأنّ السياسة فى السودان لا بدّ أنْ ترتكز على الفكر العروبى او الاسلامى او القبلى وبالتالى السودان يفقد أىّ فرصة تاريخية للملمة التنوع الفريد الذى يذخر به.
الآن يقف السودان فى محطة لا يستطيع أن يتقدم ولو خطوة واحدة نحو الوحدة ما لم نجد حلولاً للاشكالات المتجذرة تاريخياً واجتماعياً وسياسياً ونحن فى حركة تحرير السودان نرى لا مناص من قبول الواقع السودانى والاعتراف به مما يمهد الطريق الى تأسيس دولة المواطنة الحقيقية التى فيها تسقط كل الرايات الايدولوجية والطائفية والشعوبية وترتفع راية واحدة عنوانها دولة المواطنة وتمارس الديمقراطية الحقه كوسيلة للوصول الى الى السلطة وليست الانقلابات العسكرية التى راجت فى المنطقة العربية الاسلامية والافريقية, الوضع لا يحتاج الى دق نواقيس الخطر فاليوم السودان أكثر جاهزية للانشطار من أىّ وقت مضى وسيزيد الطين بلة اذا ما حاولنا ان نروّج ذات البرنامج الإقصائى الذى يروجه نظام المؤتمر الوطنى ولم يذهب الجنوب إلا بسبب السياسة الاقصائية القائمة على فرضية السودان دولة عربية إسلامية.
السياسة رمال متحرك يتطلب من الاحزاب الموائمة والمواكبة وفى تقديرى حزب البعث العربى فى السودان لن يستطيع أن يحقق أىّ تطلع سياسى فى هذه البلاد اذا ما حاول الارتكاز على الفكر الذى راج فى المنطقة العربية فى القرن الماضى وتم تطبيقه فى جزء منها والسودان ديمغرافياً دولة مختلفة تماما فضلا عن البعد التاريخى لهذا البلد. فإنْ افلحنا فى الإتفاق على الارضية التى يلتقى كل السودانين بلا إستثناء ستأتى الوحدة طوعاً دون أن نبذل الدماء والارواح.
بقلم حسين اركو مناوى
27-08-2015
[email][email protected][/email]

تعليق واحد

  1. عصف ذهني جيد وحزب البعث العربي القومي الإشتراكي الناصرى ليس مؤهلا البتة للحديث عن وحدة السودان فهو قد حمبته رحم اجني او قل إنه كائن مساتسخ مثل نعجة دولي وفاقد الشئ لا يعطيه فضلا عن كونه حزبا عرقيا عنصريا لن تتفق رؤاه مع السودان المتعدد الألوان والأعراق غلا اذا حدث له تحول وتحور وحينها لن يكون لا عربيا ولا قوميا ولا ناصريا.
    موضوع الوحدة والإنفصال أمر يعود لأزمان انقضت وولت فنحن فى عالم يضيق بالكيانات الصغيرة ولا يعبأ بها إنظر الي الولايات المتحدة الأمريكية خمسون دولة اتحدت فيما بينها . وإرجع الي مجموعة الفحم ثم تطورت الي السوق الأوروبية المشتركة وأخيرا الإتحاد الأوروبي الذي تتزايد دوله وأمتدت حدوده حتي استوونيا ولاتفيا في الاتحاد السوفيتي السابق وهناك طارقون علي الأبواب للانضمام. تجربة انفصال الجنوب ليست بالمحفزة لدارفور أو اى جزء اخرمن السودان إذن يكون الأوفق البحث والعمل علي احداث معادلة يرتضي اليها الجميع صحيح ذلك أمر صعب ولكنه ممكن الوصول اليه فاليوم احسن من الأمس والغد قطعا سيكون أفضل إلا لمن أعياه النضال وأناخ ناقته بعد أن نالها وراكبها النصب. السودان الحالي لم يكن وليد الصدفة ودارفور الاجتماعية والثقافية ليست محصورة في دارفور وعجيب جدا أن الدارفوريين السابقين ممثلين في السلطنة كانوا ينظرون بعيدا جدا وأقاموا علي ضوء ذلك علاقات خارجية لا زلنا ننظر لها بتقدير شديد اليوم فكيف لنا أن نضيق واسعا ورحم الله الحاج ادم يعقوب الذي قال ولم يلتفت او يتردد ( مالك يا أخي أنا بمشى من الجنينة لبورتسودان ما يسألني زول داير تحاصرني في دارفور) صحيح هناك زول يساله رحمه الله ولكن زول من العقابيل والإجراءات يمكن تصحيح/هاالمهم أخي مناوى الموضوع ذو شجون ويستحق النقاش فيه والمضي في تمحيصه ولكن في الإتجاه الموضوعي الفسيح لا الزاوية الضيقة ألم تر أن إنفصال الجنوب قد سحب منا رصيدا كبيرا كان سيكون في ميزان الإصلاح؟؟؟ وبأمانه فقد تحدثت مع كثيرين جدا من إخوتنا المثقفين الجنوبيين والذي كادوا يجمعون علي فداحة خطأ الإنفصال والثمن الباهظ التكلفة ما نراه يدفع كل لحظة بل والهزيمة المعنوية في أفواج العائدين إلي وطنهم السابق

  2. ابدعت واوجزت .فهذا او الطوفان .والذين في قناعاتهم يرون بانه طالما انفصل جنوب السودان فالباقى سودانا عربيا وشعبا مسلما بكل تاكيد انهم واهمون وارجو ان يفبقوا من سباتهم . قبل فوات الاوان . فالسودان كارض من حيث الجغرافيا ينتمى الى افريقيا القارة .اما من حيث السكان ففيه شعوبا كثيرة ذات امتدادات تاريخية موغلة في الاعماق .ومن بينهم الوافدون من خلال التاريخ لاسباب كثيرة.والامر الذى لا يختلف فيه اثنان ان الشعب السودانى لا يجمعه عرقا ولا لغة ولا دينا او معتقدا لا حضارة ولا ثقافة ولا لونا ولا ……الخ لكن جميعهم يجمعهم شيئا واحدا (المواطنة)المتساوىة فى وطن اسمه (السودان)

  3. اكره الاسلاميين بصفة عامة والكيزان على وجه الخصوص واكثر من الاثنين العنصريين العرب لعنة الله عليهم جميعاً

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..