السعودية أيضاً تقاطع

بشفافية

السعودية أيضاً تقاطع

حيدر المكاشفي

لم تكد حملة مقاطعة شراء اللحوم الحمراء التي انتظمت البلاد تحت شعار “الغالي متروك” تبلغ آخر أيامها، وهي الحملة التي أسعدت الحكومة فسارت في ركابها بل تقدمت الصفوف في مفارقة غريبة تضعها تحت طائلة المثل الشعبي الساخر الذي يقول “دقاني بكى وسبقني اشتكى” من حيث أن المعروف والمشهود في سياسات الحكومة وحتى “لا سياساتها” أنها ذات باع طويل وتملك نصيب الأسد في أسباب الغلاء الفاشي.. لم تكد تلك الحملة تصل مداها المعلن، إذا بالمملكة العربية السعودية تعلن أيضاً مقاطعتها شراء الهدي والأضاحي من السودان هذا العام ولذات السبب الذي أفرز حملة “الغالي متروك” السودانية وهو ارتفاع أسعار الماشية السودانية وتحديداً الضأن، وقد درجت المملكة على استيراد الهدي عند كل موسم حج من عدة بلدان منتجة من بينها السودان، ويعتبر الهدي وهو “ذبيحة الحج” من الواجبات التي لا يكتمل حج المسلم إلا بأدائها، ومن المعلوم أن الملايين من المسلمين من مختلف أنحاء العالم يؤدون فريضة الحج كل عام وهذا ما يعكس الأهمية القصوى لصادر الهدي لدولة كالسودان خاصةً بعد انفصال الجنوب وخروج النفط من معادلات الموازنة العامة، ولهذا إذا ما مضى الإعلان السعودي الذي أبلغ رسمياً للقنصل التجاري لسفارتنا بالمملكة الى نهايته، وتم فعلياًت استبعاد صادراتنا من الهدي فان ذلك يعني ان كارثة إضافية ستحل باقتصاد البلاد المنهك أصلاً، وكان المأمول أن يتم التعويل على هذا الصادر عله يسد شيئاً من رمق الجوع الاقتصادي، ولكن ها هو الأمل يخيب ما لم يتم تدارك الأمر بمعالجات عاجلة وضح أن الحكومة كانت غافلة عنها سهواً وربما متغافلة عمداً حتى لا نتهمها بالغباء من دون دليل، وهي المغرمة بحدوتة ابراز الأدلة، حتى وهي ترى بأم عينها الدنانير تطل بأعناقها دلالة مادية ماثلة على الفساد..
لم نكن في أية لحظة نقف على الضفة الأخرى من حملة “الغالي متروك” بل كنا معها قلباً وقالباً باعتبارها ثقافة وممارسة شعبية جمعية مطلوبة لاستنهاض روح النفير لفعل الخيرات أو دفع الشرور، ولكننا كنا ننظر إليها بتحفظ خوفاً من أن تؤدي إلى تمييع القضية بأن تجعل من افرازات المشكلة وأعراضها الجانبية كباش فداء بينما يبقى أصل المشكلة قائماً يمد لسانه ساخراً بل ربما يدعم ويعضد حملة المقاطعة كما فعلت الحكومة التي وجدت فيها مخرجاً يبرئ ساحتها ويبعدها عن أية مسؤولية، مع أنها صاحبة “الجلد والرأس” في أية مسؤولية عن الغلاء، وها هو صادر الهدي الذي أعلنت السعودية مقاطعته يثبت أن مسؤولية ارتفاع أسعار الماشية وبالنتيجة إرتفاع أسعار اللحوم، ليس هو مسؤولية من قاطعناهم في جزارات الأحياء والأسواق، وانما هم أيضاً ضحايا مثل المستهلكين، فالسعودية لا تشتري اللحوم من جزاراتنا، وانما لمقاطعتها علاقة بالممارسات السالبة والسياسات الخاطئة للجهات الرسمية ذات الصلة بالموضوع والتي أفرزت هذا الارتفاع الكبير في أسعار الماشية السودانية مقارنة بأسواق الصادر الأخرى، وخلاصة قولنا ان نعيد ما سبق أن قلناه حول أن ارتفاع الأسعار غير مفتعل من صغار التجار والجزارين وانما هو حقيقة لا يُسأل عن كنهها أحد سوى الحكومة، فإما أن تعترف وتسارع بالحل و”التحلل” أو أن تحل بالبلاد كارثة اقتصادية ماحقة..

الصحافة

تعليق واحد

زر الذهاب إلى الأعلى

انت تستخدم أداة تمنع ظهور الإعلانات

الرجاء تعطيل هذه الأداة، فذلك يساعدنا في الأستمرار في تقديم الخدمة ..