قراءات وإنطباعات أبي جمال اليعقوبابي

*(الاوهام كالمظلات، ما إن تقتنيها حتى
تضيعها بسرعة، فتترك خسارتها دائماً
جرحاً صغيراً مؤلماً ..).
– سومرست موم –
– أوهام:
.. روحه تعج بالموسيقى وعبقريته لا حدود لها.. إنه موسيقار كبير غير أنه لم يكتب لحناً واحداً في حياته لأن زوجته تقف عقبة في طريق أحلامه ونبوغه كفنان!!
سنوات طويلة وهو على الحال نفسه.. عبقري لكن وجود زوجته على قيد الحياة هو السبب، لكن العبقري يستطيع ضرب زوجته كلما عاد إلي البيت لأنها السبب في حرمان الناس من فنه الموسيقي بينما تتسلم الزوجة حصتها اليومية من الضرب بصمت وبلا تذمر.
في أحد الأيام يعود العبقري إلي بيته عازماً على ضرب زوجته مثل كل يوم لكنه يكتشف وهو يركلها أن جسدها لا يذعن لضرباته مثل كل يوم… يهزها… يحركها فيكتشف أنها فارقت الحياة!! يفزعه هذا الإكتشاف فيغادر بيته مسرعاً راكضاً في الليل على غير هدى.. يقع الموسيقار في الطريق.. يموت!!
هذا بإيجاز ما تقوله إحدى قصص دستويفسكي التي لا أتذكر عنوانها غير أني أتذكرها جيداً كلما وقع نظري على موهوم من الواهمين وما أكثرهم في حياتنا، فمنهم الرسام الذي يعد نفسه أهم رسام في جيله والأجيال التي سبقته لمجرد إطلاعه على لوحات فنان عالمي عبر كتاب نادر و(لطشها) قالباً وروحاً.. ومنهم الشاعر الذي لا يفعل سوى الحديث عن الشعر مدعياً أنه مترفع عن النثر لكن الحقيقة تقول أنه لا يستطيع كتابة مقطع شعري خالص له..
ومنهم المخرج السينمائي الذي يعد نفسه مخرجاً مهماً لمجرد حصوله على شهادة أكاديمية.. لكنه لا يحاول الدخول في تجربة عملية حقيقية مدعياً تجاوزه هذه المرحلة (من غير المرور بها طبعاً) وعليه أن يكرس حياته الفنية للدفاع عن تجاربه (الوهمية)، ومهاجمة كل من يسأله أين منجزك؟!!
– العَلم:
.. لا يعرف أحد بالضبط متى اخترع العَلم! إلا ان المهم في هذا الاختراع الذي تذهب بعض النظريات للقول أنه تطور عن الالهة والطواطم التي كانت ترفعها الجيوش في حروب الإنسانية الاولى، إلي بيارق ورايات لم تلبث ان اصبحت أعلاماً.. انه رمز لكرامة الامم وعنوان لسؤددها.
ولكن.. أيهما أهم: الإنسان أم العَلم؟
هذا السؤال خطر ببالي وأنا اقرأ قصة قصيرة للكاتب الهندي خوكا اسماعيل، التي يروي فيها حكاية (رامو) الفقير الذي يذهب إلي (الساركار) الغني الذي يوزع الطعام على الفقراء بمناسبة استقلال الهند، ويسأله ان يعطيه طعاماً لزوجته وابنته ايضاً، إلا ان (الساركار) يطرده قائلاً: اذا كان عندك ابنة وزوجة فلماذا لم تحضر بنفسيهما إلي هنا ؟.
ويعود (رامو) حاملاً حصته فقط، وهو يتذكر متألماً ان زوجته وابنته لا تستطيعان مغادرة البيت لانهما عاريتان تقريباً، إلاّ من اسمال تغطي عورتهما.. وفي الطريق.. تسقط قطعة قماش كبيرة عليه.. وكأنه سقطت من السماء. فيلفها ويضعها تحت ثوبه، دون ان ينتبه إليه احد بسبب الزحام الشديد، وعندما يصل البيت، يعطي ثوبه لزوجته، وترتدي ابنته اسمال أمها، بينما يلف رامو قطعة القماش اياها حول وسطه ويذهبون جميعاً إلي (الساركار)، ويحصلون على الطعام الموعود.
في طريق عودتهم، يقبض على (رامو) احد اصحاب الحوانيت يتهمه بسرقة العلمَ، الذي هوى من فوق محله.،
يسأل (رامو) بإندهاش: علم.. أي علمَ؟
فيجيبه صاحب الحانوت: ألا تعرف أي علمَ! هذا الذي لفقته على عورتك.
ويهجم احد المارة على (رامو) مدفوعاً بشعور وطني، وينزع العلمَ عن وسطه، فتصيح زوجته وابنته، وتدير هذه الأخيرة وجهها لكي لا ترى عورة ابيها، بينما تجيء الشرطة ويعتقل رامو وتوجه له ثلاث تهم: الاولى السرقة والثانية اهانة شرف الوطن والثالثة الظهور عارياً في مكان عام.
* * * * * *
ويبقى السؤال: ما فائدة العلَمَ ان لم يرفع هامة مواطن او على الاقل يستر عورته!
– نشر:
.. دخل شرطي حانقاً على الكاتب الروسي (مكسيم غوركي) الذي كان وقتها رئيس تحرير جريدة (سالاماندرا) وقال له: عليك نشر تكذيب لهذه الحكاية التي نشرتها جريدتكم حول مشاركة نساء في منطقتنا في مشاجرات عنيفة مع الرجال.. ولكن الحقيقة دارت معركة بين شخصين من صانعي الأحذية وتطور الشجار إلي عض كل واحد منهما الآخر! ولا يوجد للنساء دور في هذه المعركة.. فطلب غوركي (المخبر) الذي نشر الخبر وعاقبه بشدة وهدده بالطرد إذا نشر أخباراً ملفقة مستقبلاً!!
– ابحار:
وقد كنت ولازلت معجباً بمسرحية لـ (يوجين اونيل) عنوانها (رحلة العودة الطويلة)، وملخص المسرحية ان بطلها اكتشف ان العمر يمر سريعاً وانه لابد ان يغير حياته ويبدأ حياة جادة وقرر ان يعمل بحاراً وان يكد ويتعب ويجمع مبلغاً من المال يؤهله للزواج والعيش المستقر. وهكذا كان وبدأ رحلته وامضى بضعة اشهر في البحر قبل ان يصل إلي ميناء لمدينة كبيرة ونزل تلك الليلة ودخل حانة وصرف كل ما جمعه. وعاد مخموراً يتوكأ على أكتاف رفاقه، وقال في نفسه هذا ضعف إنساني وتجربة لابد ان استفيد منها لأتحصن ضد إغراءات هكذا تجربة، وامضى بضعة اشهر اخرى ثم توقفت السفينة في ميناء مدينة جديدة كبيرة وتكرر نفس الموقف، صرف كل ما يملك في ليلة واحدة، وعاد هذه المرة محمولاً.. وهكذا وعلى مدى سنوات ومن خلال المسرحية كان يتكرر نفس الموقف وإلي مالانهاية، وفي كل مرة يقرر ان لا يقع في نفس التجربة ولكنه يكررها مع اختلاف في تفاصيل المكان والوجوه.
طبعاً هذه المسرحية تريد ان تقول لنا ان الجهل والتخلف يعنيان تكرر نفس التجربة والوقوع في نفس الخطأ والرهان على ما يخدعنا ومن يتآمر علينا، أو يؤذينا، وتقول لنا ان فقدان الوعي يعني فقدان الارادة.
والخلاصة ان غياب الوعي السوداني يعني تجربتنا في هذا القرن كاملاً في الرهانات الخاسرة والوقوع في نفس التجربة واقتراف نفس الخطأ..!
– عبادة:
.. قرأت في مجلة قديمة أن أحدهم كان يساعد فلاحاً في جمع حصاده في إحدى المزارع الأوروبية، فمر بهما القسيس وسأل الفلاح أهو ذاهب إلي الكنيسة أم لا؟..
فتردد الفلاح لحظة ثم قال: أتريد الحق؟ إنني أفضل أن أجلس على كومة التبن وأفكر في الكنيسة على أن أجلس في الكنيسة وأفكر في التبن.
– ثقافة:
هل تعرف أن فلاناً مثقف جداً؟
– وكيف عرفت ذلك.
* لأنني أقرأ مقالاته وأجدها غير مفهومة أبداً..
[email][email protected][/email]
تقول فى تعريف المثقف (لأنني أقرأ مقالاته وأجدها غير مفهومة أبداً..) صدقت -ولكى لا تكرر التجربة ياغالى-لا تنسى المتن والحاشيه-ولك امتنانى وودى