ماديبا العظيم: الحكمة والبصيرة والقلب الكبير

فيصل محمد صالح
يرقد ماديبا العظيم، نيلسون مانديللا، محتضرا في مشفاه بجنوب افريقيا، وتهفو قلوب الملايين من كل أنحاء العالم نحوه، وترتفع الأيادي بكل اللغات والأديان والسحنات تدعو له بالشفاء، وبالهدوء والسكينة والراحة الأبدية إن جرى أمر الله. ما بين نيلسون مانديللا وقلوب الناس من مختلف السحنات والألوان والأديان طريق ممدود وطويل مفروش بالحب، لا تحده أي عوائق أو حدود.
يقدم نيلسون مانديللا نموذجا فذا للثائر الذي لا يساوم في الحق ولا يتنازل عن مطالب شعبه، ولا يحس بأن أي تضحية يمكن أن يقضيها هي غالية على الوطن والشعب، لذا دفع 27 عاما من سنوات شبابه في سجن روبين آيلاند، رافضا أي تنازل يمكن أن يخفض مدة سجنه ، حتى خرج حرا طليقا في فبراير 1990. ولو قرأ أي شخص كتاب مانديللا “رحلتي الطويلة نحو الحرية” لتعرف على أشكال وأنواع من الإغراءات ولحظات الضيق والضعف التي مرت بالثائر الكبير، لكنه قاومها بإيمان قوي بحقه وحق شعبه، حتى حقق الحلم الكبير.
أهم ما يميز مانديللا أنه رجل صاحب رؤية، وقد تبدو هذه العبارة قصيرة ومحدودة، لكنها تحمل مضامين كبيرة. قاد مانديللا رفاقه للحوار حول ميثاق الحرية الشهير في الخمسينيات، والذي تم التوقيع عليه في “سويتو” قلعة الثورة، وأصر على تضمينه عبارات لم ترضي كثير من رفاقه الثوار، أقر فيها بأن معركتهم ليست مع البيض وإنما مع المضهدين، وبأن أرض جنوب أفريقيا ملك لجميع سكانها، ولم يخصصها للسود. أثار هذا الأمر حفيظة بعض رفاقه الذن يريدونها معركة السود ضد البيض، فانشقوا في نفس اللحظة وكونوا تنظيما معارضا، بينما استمر مانديللا ورفاقه في قيادة المؤتمر الوطني الإفريقي.
هذا الموقف هو الذي انتصر بعد ذلك، رفده مانديللا بالفكر والرؤية العميقتين، ودفق فيه سنوات من النضال والشقاء والعمل حتى أثمر، ولم يعد أحد يجادل في صواب رؤيته وبعد نظره. وكان من أهم نتائج هذه الرؤية أن انضم كثير من البيض والملونين لمعركة المؤتمر الوطني الإفريقي، فهي معركة الحق ضد الظلم، ومعركة الشعوب المضطدة ضد المستعمرين والمضطهدين، وليست معركة عرق ضد عرق أو لون ضد لون.
وتمتع مانديللا بقدرة هائلة على السماح والصفح، قلَت عند البشر، تعالى على جراحه الشخصية، بل ربما حتى جراحات شعبه، عندما رأى أن التطلع نحو المستقبل أفضل من الوقوف عند الماضي والتباكي عليه، لذا لم يجعل الانتقام واحدا من أهدافه، بل الحرص على معرفة الحقيقة، والمصالحة ومعالجة الجراحات، وأقنع شعبه بذلك. لهذا استطاعت جنوب أفريقيا أن تعبر المرحلة الانتقالية بهدوء وسلاسة لتنتقل السلطة للأغلبية بطريقة ديمقراطية، ويتم التحول دون انتقام أو تصفيات أو حتى مصادرات.
إذا قيض لك أن تزور متحف الابارتهايد في جوهانسبيرج، فستدرك جزءا من عظمة هذا الرجل العظيم، وعظمة الشعب الذي ينتمي له، وستتساءل: أي حكمة وأي سكينة وبصيرة أودعها الله في قلب وعقل هذا الرجل حتى قاد شعبه ليجتاز هذه المرحلة والمأساوية بمثل هذا الهدوء واليسر والبساطة. سترى في المتحف تاريخا حيا كنت تسمع وتقرأ عنه، لكنك هنا ستشاهده وتعيشه وتحسه، وستخرج ممتلئا غضبا وحزنا هائلا، وربما رغبة في الانتقام، ثم تصل في نهاية عرض المتحف لكيف استطاع هذا الشعب ان يعبر من مرحلة الانتقام لمرحلة التسوية والتسامح والبناء.
في عيد ميلاده قبل أعوام كان لمانديللا ضيف واحد فقط من خارج أسرته، هو السجان الذي كان يحرسه في روبين آيلاند، لا ضغينة شخصية ولا حقد على الرجل الذي كان مكلفا بحراسته، فأي نبل يحمله هذا الرجل.
ما تتمتع به جنوب أفريقيا الآن من استقرار سياسي واقتصادي ومكانة دولية عظيمة واقتصاد قوي جعلها ضمن أكبر اقتصاديات العالم، مرده لهذا الرجل العظيم. ولولا أن شعب جنوب أفريقيا يعشق هذا الرجل ويثق فيه وفي حكمته ونفاذ بصيرته، لكانت جنوب افريقيا لا تزال تغرق في دماء الانتقام من قهر سنوات الأبارتهايد، ولكان اقتصادها قد انهار وادرك مصير جارتهم زيمبابوي.
هذا رجل استثنائي لا يجود الزمان بمثله كل يوم، لكن يمكن لمن يريد أن يستلهم حكمته وشجاعته الاستثنائيتين ورؤيته العميقة التي تعلي من شأن القيم الإنسانية وتفني الذات في الوطن.
يثق أنك الناس أنك في رعاية الله، في كل حال وحين، حيا وميتا، فأنت من أسرار الكون الكبرى، ومن حكم الله التي أودعها في أجسام وأبدان قليلة لتضئ للعالم كله.
[email][email protected][/email]
فيصل محمد صالح حلت عليك السعادة, حديث من انسان رائع لانسان عظيم تسلم
السودان اكتر بلد في العالم محتاج لمثل مانديلا ……..اسماعيل الازهري مااقل من ناس مانديلا لكن ناس حزب الامة وال البيتين بوظوا كل سعي له لنهضة وتقدم السودان .
سعادتي لا تحدها حدود وانا انظر الي واحد من الافارقة،مثل الزعيم نيلسون مانديلا وكل العالم يقف إجلالا واحتراما لهذا الهرم العظيم الذي اصبح رمزا للمقاومة السلمية ضد الظلم والاضطهاد.ونحن لدينا ياسر عرمان فهل يقف معه الشعب السوداني الفضل لنحقق للوطن العزيز ما كنا نحلم به وطن حدادي مدادي ـــــــــــ وطن خير ديمقراطي
الاخوان … ونصائح مانديلا
عقب وصوله الى الحكم، تلقى الرئيس المصري محمد مرسي رسالة من الزعيم التاريخي لجنوب افريقيا نيلسون مانديلا، قدم له فيها أربع نصائح،:
أولها أن يعمل خلال فترة حكمه على تحقيق اجماع وطني،
وثانيها أن يتوجه إلى قوى الثورة الحقيقية وأن يعتمد عليها،
والنصيحة الثالثة أن يسعى إلى احتواء قوى النظام القديم،
أما النصيحة الأخيرة فأكدت على ضرورة تصحيح البدايات.
هذه الرسالة تعود الآن لتطرح نفسها بقوة ، بينما تموج الساحتين المصرية والجنوب افريقية بحدثين كبيرين، يستقطبان اهتماما عالميا واسعا، سواء ما يتعلق بتظاهرات الثلاثين من يونيو في مصر، أو متابعة الحالة المرضية للقائد الافريقي الكبير الذي قضي في سجون نظام الفصل العنصري نحو 28 عاما، لكنه فور أن نال حريته وخاض الانتخابات الرئاسية ليحقق فيها فوزا كاسحا، كان أول القرارات التي اتخذها تتمثل في تشكيل لجنة للمصارحة والمصالحة برئاسة القس ديزموند توتو، من أجل غاية مهمة هي تضميد الجراح التي ظلت تنزف لسنوات طويلة في بلاده من المؤكد أنه لا يوجد وجه للمقارنة بين ما حدث في جنوب افريقيا بعد وصول مانديلا للحكم، بعد سنوات سجنه ومعاناة بني بشرته من أبناء البلاد الحقيقيين، وما جرى في مصر بعد سنة واحدة من وصول الاخوان إلي الحكم بعد انتظار طال نحو 80 سنة. هناك كان مانديلا حريصا على اتمام مصالحة تاريخية بين السود والبيض، ظل خلالها يؤكد على أهمية التسامح وضرورة التعايش ونسيان جراحات الماضي ومراراته، بل واغلاق هذه الصفحة تماما، وفتح أخرى جديدة، وكان أن اختار عقب صعوده نائبين، أحدهما الرئيس السابق دي كليرك من البيض، واخر من السود، أما في مصر فقد كان هناك اندفاع كاسح لتحقيق التمكين من كل مفاصل الدولة، واقصاء لكل الاطياف الأخري، وابعاد كل الذين شاركوا في الثورة على نظام مبارك وتهميش تيارات ضحى الكثيرون من المنتمين إليها بالارواح والدماء. في جنوب افريقيا تمت الاستفادة من كل الكفاءات التي تنتمي الى الشعبين الاسود والابيض، فانطلقت تلك الدولة وحققت قفزات مذهلة في كافة المجالات، أما في مصر فتم اقصاء الكفاءات التي لم تكن منتمية الى جماعة الأهل والعشيرة، وجيء بالأقارب والأصهار ليتبوأوا المناصب وينالوا الحظوة. صار المعيار هو الانتماء للجماعة ولدرجة النسب، وخرج من بين من تولوا قيادة مجلس الشورى من يدعو الى ضرورة ألا تتزوج الاخوانية بغير الاخواني، وبعد ما تم ابعاد الكفاءات، وانيط الامر لغير أهله، كان هذا الفشل الذريع الذي تحقق في خلال سنة واحدة، والذي سيقود الى كوارث مروعة لو استمر لوقت أطول. لا مقارنة على الاطلاق. بين هذا الرجل يبكيه شعبه منذ أن سقط في شباك المرض، ذلك الزعيم التاريخي الذي بات لقبه بين البيض والسود الزعيم المبجل (ماديبا) ، وبين من يعاني شعبه من أزمات معيشية خانقة، وانفلات غير مسبوق في الحالة الامنية، بعد ان قدم لهم الوعود ووعد بتحقيقها خلال المئة يوم الأولي، ثم نصحهم كتاب انجازاته أن عليهم ان يفرحوا، فلأول مرة في تاريخ المصريين أصبح لديهم حاكما يصلي الفجر حاضرا. لا مقارنة على الاطلاق، فهناك ارادة خرج صاحبها من سجنه الطويل ليمد اليد حتى لمن ألقوا به طيلة ثلاثة عقود في جحيم الظلام، ثم انطلق بأفكار وسواعد الجميع ليبني وطنا يعيش فيه الاعداء السابقين في وئام، من مارس منهم من الفصل العنصري، ومن عانى منها، من تم احتقاره بسبب لونه، ومن استغل السود ونبذهم وأهانهم، خرج مانديلا من سجنه، وخرج السود من عزلتهم، واطمأن البيض الى ان الاعتذار عن الماضي تكفي لبدء صفحة جديدة، وان الوطن في النهاية ينبغي ان يتسع لجميع مكوناته. هذا ما جرى في التجربة الرائعة لجنوب افريقيا، فما الذي جرى في تجربة مصر التي لا تتكون من شعبين كبلاد مانديلا، غير الاقصاء والابعاد وتقريب الاقارب والعشيرة؟ فهل كانت الجماعة الحاكمة تتصور ان هذا الامر سيكون مقبولا؟ ألم تع قيادات الجماعة ان وصول الرئيس الى الحكم تم بفارق قليل من أصوات الناخبين؟ ما الذي منعها من اجراء استطلاع للرأى كي تدرك مدي انحدار شعبيتها في الشارع؟ ذلك الانحدار الذي شخصه البلتاجي احد قيادييها في حديثه قبل ايام على شاشة الجزيرة مصر، حين قال: ان الناس تنظر شذرا للاخواني حين تراه في وسائل المواصلات وترميه بألفاظ جارحة. الى هذا الحد، تحولت تلك نظرة الناس الى تلك الجماعة، بعدما تعاطفوا معها في عام 2005 ومنحوها نحو ربع مقاعد البرلمان، على الرغم من قبضة نظام مبارك، .. لتتحول الامور الان الى مسار مغاير. ولعل هذا التغير هو نتجة حتمية لسلوك اقصائي واستخدام لغة عدائية، واطلاق وعود لم يتحقق منها شيء على ارض الواقع. هذا ما فعلته تلك الجماعة بنفسها، حين سارعت بالقاء جسدها في اتون الحكم دون أن تملك الحد الادني الذي يجب أن يتوفر لمن يريد التصدي لادارة دولة بحجم مصر، اندفعت سريعا، لتسقط سريعا، لانها لم تقرأ تجارب التاريخ جيدا، وعلى وجه الخصوص، تجربة مانديلا، ذلك الرجل الحكيم.
التحية لك الاخ الكريم الصحفي الكبير فيصل محمد صالح على هذا المقال الذي يخص شخصية عظيمة و من الوزن الثقيل كالمناضل نيلسون مانديلا نسال الله له الشفاء واطالة العمر واستغل هذه السانحة ان ارسل رسالة الى كل المناضلين في هذا العالم الشاسع من أجل الحرية والإنعتاق من الظلم والاستبداد والإقصاء والعنصرية البغيضة واخص بهذا الكلام الاخوة في حركات دارفور المختلفة والاخوة في الحركة الشعبية قطاع الشمال أولئك الذين باعوا قضايا امتهم بأثمان بخسة … حفنه أموال او مناصب شكلية لا تقدم ولا تؤخر أن يضعوا هذا الكبير ماديبا وتضحياته الجسيمة نورا يضئ لهم الدروب الشائكة والمظلمة نحو الحرية والكرامة والعزة .
التحيه لك استاذي فيصل محمد صالح ؟
حقيقه اجد نفسي مجبراً ان انتزع منك وبقوه صفه الصحقي المحترف في هذا المقال والبسك وشاح الانسانيه